1
الرَّكْبُ سَارٍ وَكُلُّ النَّاسِ تَرْتَحِلُ
فِي كُلِّ يَوْمٍ نَرَى الأَرْوَاحَ تَنْتَقِلُ
فَازَ الأُلَى فِي دُرُوبِ الخَيْرِ قَدْ بَذَلُوا
مَنْ يُلْهِهِ المُرْدِيَانِ المَالُ وَالأَمَلُ
لَمْ يَدْرِ مَا المُنْجِيَانِ العِلْمُ وِالعَمَلُ
***
2
أَحْلَامُ فِرْعَوْنَ فِي الدُّنْيَا قَدْ احْتَرَقَتْ
عُرُوشُهُ بِيَدِ الجَبَّارِ قَدْ سُحِقَتْ
عَسَاكِرُ البَغْيِ فِي بَحْرِ الرَدَى غَرَقَتْ
مَنْ لِي بِصَيْقَلِ أَلْبَابٍ قَدِ التَصَقَتْ
بِهَا الرَّذَائِلُ وَالتَاطَتْ بِهَا العِلَلُ
***
3
البَطْنُ وَالفَرْجُ مِنْ أَقْذَارِ هَمِّهُمُ
والنَّهْبُ وَالسَّلْبُ مِنْ أَهْوَالِ جُرْمِهُمُ
كَمْ صُوِّبَ النَّاسُ مِنْ تَسْدِيدِ سَهْمِهُمُ
قَدْ خَالَطَتْ عَقْلَهُمْ أَحْكَامُ وَهْمِهُمُ
وَخَلْطُ حُكْمِهِمَا فِي خَاطِرٍ خَطِلُ
***
4
بِالعَقْلِ وَالرُّوحِ شَأْنُ الصَّالِحِينَ عَلَا
وَيَرْتَقُونَ إِلَى عَليَائِهِمْ سُبُلَا
فَفِيهِمَا كَانَ فَيْضُ الخَيْرِ مُنْتَهَلَا
خُذْ رُشْدَ نَفْسِكَ مِنْ مِرْآةِ عَقْلِكَ لَا
بِالْوَهْمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَغْتَالَكَ الأَجَلُ
***
5
لَمْ يُطْغِهِمْ طَمَعٌ أَوْ يُغْوِهِمْ نَهَمُ
مَجْدُ الثُّرَيَّا وَعِزُّ المُؤْمِنِينَ هُمُ
وَأَوْرَثُوا مِنْ كُنُوزِ الفِكْرِ سَهْمَهُمُ
وَالعَقْلُ مُعْتَصَمٌ وَالوَهْمُ مُتَّهَمُ
وَالعُمْرُ مُنْصَرِمٌ وَالدَّهْرُ مُرْتَحِلُ
***
6
وَأَحْسَنُ الخَلْقِ أَخْلَاقًا وَأَجْمَلُهُمْ
هُوَ الذِي عَاشَ بِالتَّقْوَى وَأَكْمَلُهُمْ
وَالمُصْطَفَى سَابِقٌ فِي الفَضْلِ أَوَّلُهُمْ
إِنَّ الأَنَامَ مُطَى الأَيَّامِ تَحْمِلُهُمْ
إِلَى الحِمَامِ وَإِنْ حَلُّوا أَوِ ارْتَحَلُوا
***
7
دَارُ الغُرُورِ التِي أَهْوَتْ بِطَالِبِهَا
وَأَحْرَقَتْ كُلَّ مَغْرُورٍ بِلَاهِبِهَا
كُؤُوسُهَا قَدْ بَدَتْ، تَعْسًا لِشَارِبِهَا
لَايُوْلَدُ المَرْءُ إِلَا فَوْقَ غَارِبِهَا
يَحْدُو بِهِ لِلْمَنَايَا سَائِقٌ عَجِلُ
***
8
أَقْسَمْتُ بِالصُبْحِ وَالخَلَّاقِ فَالِقِهِ
بِالرَتْقِ فِي الكَوْنِ وَالجَبَّارِ فَاتِقِهِ
المَوْتُ آتٍ، فَقُلْ نُصْحًا لِذَائِقِهِ
يَا مُنْفِقَ العُمْرِ فِي عِصْيَانِ خَالِقِهِ
أَفِقْ فَإِنَّكَ مِنْ خَمْرِ الهَوَى ثَمِلُ
***
9
وَرَاءَكَ النَّارُ بِالعِصْيَانِ تَشْتَعِلُ
مِنْ تَحْتِهَا ظُلَلٌ مِنْ فَوْقِهَا ظُلَلُ
رَاقِبْ إِلَهَكَ كَيْ يَزْكُو لَكَ العَمَلُ
تَعْصِيهِ لَا أَنْتَ مِنْ عِصْيَانِهِ وَجِلُ
مِنَ العِقَابِ وَلَا مِنْ مَنِّهِ خَجِلُ
***
10
وَاللٌّطْفُ والعَطْفُ مِنْ رَبِّ العِبَادِ نَزَلْ
وَإِنَّ تَوْفِيقَهُ لِلعَامِلِينَ حُلَلْ
فَاعْلَمْ وَوَيْلٌ لِمَنْ قَدْ أَعْرَضَ وَجَهَلْ
أَنْفَاسُ نَفْسِكَ أَثْمَانِ الجِنَانِ فَهَلْ
تَشْرِي بِهَا لَهَبًا فِي الحَشْرِ يَشْتَعِلُ
***
11
تَرَى مَرِيضًا غَزَتْ أَعْضَاءَهُ العِلَلُ
أَوْ مُقْعَدًا قَدْ دَنَا مِنْ عُمْرِهِ الأَجَلُ
أَوِ الجِيَاعَ الأُلَى مَاتُوا وَمَا أَكَلُوا
تَشُحُّ بِالمِالِ حِرْصًا وَهُوَ مُنْتَقِلُ
وَأَنْتَ عَنْهُ بِرُغْمٍ مِنْكَ تَنْتَقِلُ
***
12
وَأَعْيُنٌ مِنْ لَذِيذِ النَّوْمِ قَدْ مُنِعَتْ
فِي عَالَمِ النُّورِ عِنْدَ اللهِ قَدْ جُمِعَتْ
وَفِي جِنَانِ صَلَاةِ اللَيْلِ قَدْ رَتَعَتْ
مَاعُذْرُ مَنْ بَلَغَ العِشْرِينَ إِنْ هَجَعَتْ
عَيْنَاهُ أَوْ عَاقَهُ عَنْ طَاعَةٍ كَسَلُ
***
13
بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ فِي الأَسْحَارِ كُنْ لَهِجًا
إِذْ كَانَ دَمْعُ الرَّجَا بِالخَوْفِ مُمْتَزِجًا
وَكُلَّمَا قَدْ هَمَى تَعْلُو العُلَا دَرَجًا
إِنْ كُنْتَ مُنْتَهِجًا مِنْهَاجَ رَبِّ حِجًى
فَقُمْ بِجُنْحِ دُجًى للهِ تَنْتَفِلُ
***
14
حَنَاجِرٌ رَتَّلَتْ قُرْآنَهَا وَتَلَتْ
آيَاتِهِ، فِي سَمَاءِ العَارِفِينَ عَلَتْ
كَمْ آيَةٍ فِي صَلَاةِ اللَيْلِ قَدْ نَزَلَتْ
أَلَمْ تَرَ أَوْلِيَاءَ اللهِ كَيْفَ قَلَتْ
طِيبَ الكَرَى فِي الدَّيَاجِي مِنْهُمُ المُقَلُ
***
15
يَخْشَوْنَ ذَنْبَهُمُ، يَبْكُونَ إِذْ نَدَمُوا
يَخْشَوْنَ نَارًا بِيَوْمِ الحَشْرِ تَضْطَرِمُ
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالأَحْجَارُ وَالصَّنَمُ
يَدْعُونَ رَبَّهُمُ فِي فَكِ عُنْقِهُمُ
مِنْ رِقِّ ذَنْبِهُمُ وَالدَّمْعُ يَنْهَمِلُ
***
16
وَالأُذْنُ مَفْتُوْحَةٌ لِلْوَعْظِ إنْ سَمِعُوا
وَالقَلْبُ يُعْمَرُ بِالأَذْكَارِ إنْ خَشَعُوا
وَالرُّوْحُ فِي عَالَمِ الأَنْوَارِ تَرْتَفِعُ
نُحْفُ الجُسُومِ فَلَا يُدْرَى إِذَا رَكَعُوا
قُسِيُّ نَبْلٍ هُمُ أمْ رُكَّعٌ نُبُلُ
***
17
وَقَلْبُهُمْ فِي عُرُوجِ العَارِفِينَ سَمَا
وَزَهْرُ خَيْرَاتِهِمْ فِي رُوحِهِمْ قَدْ نَمَا
وَفِي سَمَاءِ الهُدَى قَدْ أَصْبَحُوا أَنْجُمَا
خُمْصُ البُطُونِ طُوًى ذُبْلُ الشِفَاهِ ظَمًا
عُمْشُ العُيُونِ بُكًا مَا عَبَّهَا الكَحَلُ
***
18
وَمَا لَهُمْ فِي حُطَامِ الأَرْضِ مِنْ غَرَضِ
وَمَا لَهُمْ مِنْ نَعِيْمِ الخُلْدِ مِنْ عِوَضِ
قَدْ أَقْرَضُوا اللهَ، مَنْ كَاللهِ حِينَ رَضِي
يُقَالُ مَرْضَى وَمَا بِالقَوْمِ مِنْ مَرَضِ
أَوْ خُولِطُوا خَبَلًا حَاشَاهُمُ الخَبَلُ
***
19
لَهُمْ عَلَامَاتُهُمْ وَالاقْتِدَاءُ عَلَمْ
وَخَطَّ خَيْرَاتِهِمْ عِنْدِ الإِلَهِ قَلَمْ
مِيزَانُهُمْ بِطَرِيقِ الاعْتِدَالِ سَلَمْ
تَعَادَلُ الخَوْفُ فِيهِمْ وَالرَّجَاءُ فَلَمْ
يَفْرُطْ بِهِمْ طَمَعٌ يَوْمًا وَلَا وَجَلُ
***
20
وَإِنَّهُمْ لِرِضَا المَعْبُودِ قَدْ عَبَرُوا
وَبِالعُرُوجِ إِلَى الرَّحْمَنِ قَدْ ظَفَرُوا
وَكُلُّهُمُ عَامِلٌ للزَّادِ يَدَّخِرُ
إِنْ يَنْطِقُوا ذَكَرُوا أَوْ يَصْمُتُوا شَكَرُوا
أَوْ يَغْضَبُوا غَفَرُوا أَوْ يُقْطَعُوا وَصَلُوا
***
21
وَالصَّدْرُ بِالذِّكْرِ فِي الشِّدَّاتِ يَنْشَرِحُ
إنَّ المَصَائِبَ فِي قَامُوسِهِمْ فَرَحُ
وَيَحْلُمُونَ إِذَا بِالجَهْلِ قَدْ جُرِحُوا
أَوْ يُظْلَمُوا صَفَحُوا أَوْ يُوْزَنُوا رَجَحُوا
أَوْ يُسْأَلُوا سَمَحُوا أَوْ يَحْكُمُوا عَدَلُوا
***
22
قَدِ اسْتَقَامُوا بِوَعْيٍ عِنْدَمَا عَلِمُوا
أَنَّ الذُّنُوبَ جَحِيمُ النَّارِ وَالحِمَمُ
فَجَاهَدُوا النَّفْسَ بِالتَّقْوَى وَقَدْ عَزَمُوا
فَلَا يَلِمُّ لَهُمْ مِنْ ذَنْبِهِمْ لَمَمُ
وَلَا يَمِيلُ بِهِمْ عَنْ وِرْدِهِمْ مَلَلُ
***
23
تَعَلَّقُوا بِأَبِي الأَحْرَارِ مِنْ صِغَرِ
دُمُوعُ أَحْزَانِهِمْ أَغْلَى مِنَ الدُّرَرِ
تَجْرِي المَدَامِعُ مَجْرِى الشَّمْسِ وَالقَمَرِ
وَلَا يَسِيلُ لَهُمْ دَمْعٌ عَلَى بَشَرِ
إِلَا عَلَى مَعْشَرٍ فِي كَرْبَلَا قُتِلُوا
***
24
وَفَّوُا عُهُودَهُمُ للهِ قَدْ رَحَلُوا
مَاتُوا عُطَاشَى وَنَارُ القَلْبِ تَشْتَعِلُ
أَنْوَارُهُمْ مِنْ شُعَاعِ العَرْشِ تَنْسَدِلُ
رَكْبٌ بِرَغْمِ العُلَى فَوْقَ الثَّرَى نَزَلُوا
وَقَدْ أُعِدَّ لَهُمْ فِي الجَنَّةِ النُّزُلُ
***
25
المَوْتُ فِي سَاحَةِ الثُّوَّارِ مَأْلَفُهُمْ
وَلَيْسَ جَيْشُ العِدَى بِالرُّعْبِ يُوْقِفُهُمْ
الحَرْبُ وَالخَيْلُ وَالأَبْطَالُ تَعْرِفُهُمْ
تُنْسِي المَوَاقِفَ أَهْلِيهَا مَوَاقِفُهُمْ
بِصَبْرِهِمْ فِي البَرَايَا يُضْرَبُ المَثَلُ
***
26
كَأَنَّهُمْ مِنْ تُرَابِ الخُلْدِ قَدْ خُلِقُوا
لَمَّا تَفَانَوا وَسِبْطَ المَصْطَفَى عَشِقُوا
قَدْ عَاهَدُوا وَوَفَوْا بِالعَهْدِ إِذْ صَدَقُوا
سَدٌ إِذَا اتَّسَقُوا أُسْدٌ إِذَا افْتَرَقُوا
شُهْبٌ إِذَا اخْتَرَقُوا الأَبْطَالَ واقْتَتَلُوا
***
27
وَالقَتْلُ دُونَ حُسَيْنٍ لِلأُبَاةِ حَلَا
والنَّحْرُ رَتَّلَ آيَاتِ الفِدَا وَتَلَى
وَالفَتْحُ بِالذَّبْحِ وَالإِصْرَارِ قَدْ كَمُلَا
ذَاقُوا الحُتُوفَ بِأَكْنَافِ الطُفُوفِ عَلَى
رَغْمِ الأُنُوفِ وَلَمْ تَبْرُدْ لَهُمْ غُلَلُ
***
28
تِلْكَ الذِئَابُ الَّتِي جَاءَتْ لِتَقْتُلَهُ
بِالحِقْدِ مَمْلُؤَةٌ، وَالحِقْدُ جَدَّلَهُ
مَنْ ذَا الَّذِي كَفَّنَ المُلْقَى وَغَسَّلَهُ
أَفْدِي حُسَيْنًا صَرِيعًا لَا صَرِيخَ لَهُ
إِلَّا صَرِيرَ نُصُولٍ فِيهِ تَتَّصِلُ
***
29
إِصْلَاحُ أُمَّةِ طَهَ المُصْطَفَى هَدَفٌ
إِنَّ الحُسَيْنَ لِكُلِّ الأَنْبِيَا خَلَفٌ
تِلْكَ الشَّهَادَةُ عِزٌ وَالفِدَا شَرَفٌ
وَالطَّعْنُ مُؤْتَلِفٌ فِيهِ وَمُخْتَلِفٌ
وَالنَّحْرُ مُنْعَطِفٌ وَالعُمْرُ مُنْبَتِلُ
***
30
خِيَامُهُ حُرِّقَتْ، وَالآلُ قَدْ سُلِبُوا
أَوْلَادُهُ شُرِّدُوا، أَطْفَالُهُ ضُرِبُوا
وَالمَاءُ مِنْ قُرْبَةِ العَبَّاسُ مُنْسِكِبُ
وَالجِسْمُ مُضْطَرِبُ بِالنَّجْعِ مُخْتَضِبُ
وَالقَلْبِ مُلْتَهِبُ مَا بَلَّهُ بَلَلُ
***
31
هُوَ الحُسَيْنُ الأَبِيُّ الثَّائِرُ البَطَلُ
هَيْهَاتُهُ فِي دَمِ الأَجْيَالِ تَنْتَقِلُ
إِرْهَابُهُمْ خَائِبٌ لَمْ يَرْكَعِ الجَبَلُ
وَالشِّمْرُ مُشْتَغِلٌ فِي قَتْلِهِ عَجِلُ
وَالسِّبْطُ مُنْجَدِلٌ يَدْعُو وَيَبْتَهِلُ
***
32
بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَا وَاهْتَزَّ عَرْشُ الأَحَدْ
اللهُ مَعْشُوقُهُ المُهَيْمِنُ المُعْتَمَدْ
سِبْطُ النَّبِيِّ عَلَى تُرْبِ الطُفُوفِ رَقَدْ
عَجِبْتُ مِنْ فَتْكِ شِمْرٍ بِالحُسَيْنِ وَقَدْ
رَقَى عَلَى الصَّدْرِ مِنْهُ وَهُوَ مُنْتَعِلُ
***
33
قَدْ كَانَ سِبْطُ رَسُولِ اللهِ مُقْتَفِيًا
نَهْجَ النَّبِيِّينَ لِلرَّحْمَنِ مُرْتَجِيًا
وَالشِّمْرُ كَلْبٌ قَبِيحٌ قَامَ مُنْتَشِيًا
كَيْفَ اسْتَطَاعَ لِصَدْرِ الصَّدْرِ مُرْتَقِيًا
وَدُونَ أَرْقَى مَرَاقِي كَعْبِهِ زُحَلُ
***
34
وَفْدُ النَّصَارَى بِمَنْ يَاسِيْنَ بَاهَلَهُ؟
وَاللهُ فِي آيَةِ التَّطْهِيْرِ فَضَّلَهُ
أَجْرُ المَوْدَةِ حُبُّ المُسْلِمِينَ لَهُ
أَفْدِي حُسَيْنًا طَرِيْحًا لَا صَرِيخَ لَهُ
وَمَا لَهُ غَيْرُ قَانِي نَحْرِهِ غُسُلُ
***
35
بَيْنَ المَلَا قَدْ أَتَتْ مَوْؤُودَةٌ سُئِلَتْ
بِأَيِّ ذَنْبٍ تُرَى فِي قَبْرِهَا قُتِلَتْ
أَيُتْرَكُ السِّبْطُ والدُّنْيَا بِهِ زُلْزِلَتْ
دِمَاؤُهُ هَطَلَتْ لِلشَيْبِ مِنْهُ طَلَتْ
وَالجِسْمُ قَدْ حجلَتْ مِنْ فَوْقِهِ الحُجُلُ
***
36
الجِسْمُ عَارٍ عَلَى الرَّمْضَاءِ فِي كُرَبٍ
وَالشَّمْسُ تَصْهَرُهُ وَالتُّرْبُ مِنْ لَهَبٍ
وَالرِيحُ هَبَّتْ عَلَى الأَعْدَاءِ فِي غَضَبٍ
وَالرَأْسُ مُرْتَفِعٌ فِي رَأْسِ مُنْتَصِبٍ
يَبْكِي عَلَى رَأْسِهِ المُرِّيخُ وَالحَمَلُ
***
37
كَانَ المُصَابُ عَلَى مَنْ آمَنُوا جَلَلَا
مَاذَا جَرَى مِنْ أَسىً وَكُرْبَةٍ وَبَلَا
عَلَى الحُسَيْنِ الَّذِي فِي الطَّفِ قَدْ جُدِّلَا
لَا جَدَّ لِلمَجْدِ جَدِّي إِنْ جَلَسْتَ عَلَى
بَسْطُ انْبِسَاطِي وَأَبْدَى سِنِّيَ الجَذَلُ
***
38
وَكَيْفَ يَرْحَلُ حُزْنِي وَالأَسَى يَنْجَلِي
وقَدْ فُجِعْتُ بِمَا جَرَى لآلِ عَلِي
وَكَيْفَ لِي أَنْ أُدَاوِي القَلْبَ مِنْ عِلَلِ
وَكَيْفَ أَحْمُدُ بَسْطَ البَالِ فِي جَذَلِ
وَسِبْطُ أَحْمَدَ فِي البَوْغَاءِ مُنْجَدِلُ
***
39
عَلَيْهِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ حُزنًا بَكَتْ
مِنَ المَآسِي إلى رَبِّ السَّمَاءِ اشْتَكَتْ
أَصْدَاءُ صَرْخَتِهَا كُلَّ الجِرَاحِ حَكَتْ
وَكَيْفَ أَنْشُقُ رَيْحَانًا وَقَدْ تُرِكَتْ
رَيْحَانَةُ المُصْطَفَى تَنْتَاشُهَا الأُسُلُ
***
40
فِي مَشْرِقِ الكَوْنِ نَبْكِيهِ وَمَغْرِبِهِ
وَنَذْكُرُ السَّهْمَ إِذْ سُدِّدَ فِي قَلْبِهِ
فَكَيْفَ أَنْسَاهُ لَمَّا كَانَ فِي كَرْبِهِ
أَمْ كَيْفَ أَشْرَبُ مَاءًا لَا أَغُصُّ بِهِ
وَالسِّبْطُ صَادٍ تُسَقِّيهِ الرَّدَى الذُبُلُ
***
41
عُطْشَانُ مَاتَ وَنَارُ القَلْبِ تَشْتَعِلُ
لَهْفِي لَهُ وَهوَ مَابَيْنَ العِدَا يُقْتَلُ
وَالدَّمُ مِنْ نَحْرِهِ عَلَى الثَّرَى سَائِلُ
أَمْ كَيْفَ أَفْرِشُ فَرْشًا وَهُوَ مُنْجَدِلُ
بِجَنْدَلٍ قَدْ عَلَا عَلْيَاءَهُ عبلُ
***
42
وَسَوْفَ تَبْقَى مَدَى الأَزْمَانِ صَرْخَتُهُ
هَيْهَاتُهُ سَوْفَ تُحْيِيهَا وَثَوْرَتُهُ
فَكَيْفَ تَخْفَى عَلَى الأَجْيَالِ قِصَّتُهُ
أَمْ كَيْفَ يَعْبَقُ بِي طِيبٌ وَنِسْوَتُهُ
شُعْثٌ تَرَامَى بِهِنَّ العُجَّفُ البُزُلُ
***
43
تِلْكَ السَّبَايَا وَلَا ظِلٌّ يُظَلِّلُهَا
وَالقَيْدُ فِي يَدِهَا ظُلْمًا يُكَبِّلُهَا
غَابَ الَّذِي كَانَ فِي بُؤْسٍ يُدَلِّلُهَا
بِلَا وِطَاءٍ وَلَا سِتْرٍ يُجَلِّلُهَا
عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ إِلَّا الحُزْنُ وَالثَّكَلُ
***
44
بَيْتٌ بِهِ عَاشَ بَعْدَ المُصْطَفَى حُجَجُ
لِسَانُهُمْ دَائِمًا مِنْ ذِكْرِهِمْ لَهِجُ
تُسْبَى سَبَايَاهُ إِذْ مَاجَتْ بِهُ اللُّجَجُ
إِلَى يَزِيدَ سَتُهْدَى وَهُوَ مُبْتَهِجُ
مُكَنَّعٌ بِرِدَاءِ الكِبْرِ مُشْتَمِلُ
***
45
حُسَيْنُ مِنْ أَحْرُفِ الأَنْوَارِ قَدْ كُتِبَا
وَانْظُرْ لِزَائِرِهِ يَسْتَعْذِبُ التَّعَبَا
يَزِيدُ كُرْسِيُّهُ لِلْعَارِ قَدْ ذَهَبَا
أَصْلَاهُ خَالِقُهُ فِي هَبْهَبٍ لَهَبَا
لَهُ بِهَا ظُلَلٌ مِنْ فَوْقِهَا ظُلَلُ
***
46
حَيَاتُنَا ظُلْمَةٌ وَالآلُ فِيهَا ضِيَا
إِنَّ الَّذِي بِهِمُ قَدْ كَانَ مُقْتَدِيَا
قَدِ ارْتَقَى لِلمَعَالِي مُرْتَقًى عَالِيَا
يَا جَنَّةَ النَّاسِ مِنْ نَارِ الجَّحِيمِ وَيَا
حُرَّاسُهُمْ إِنْ عَرَاهُمْ حَادِثٌ جَلَلُ
***
47
آلُ النَّبِيِّ وَحَبْلُ اللهِ يُنْقِذُنِي
قَدِ اعْتَصَمْتُ بِكُمْ إِنْ عِشْتُ فِي مِحَنِ
فَلْتَشْفَعُوا لِي إِذَا أُدْرِجْتُ فِي كَفَنِي
مُنُّوا عَلَى حَسَنٍ بِالأَمْنِ فِي وَطَنِ
وَبِالسَّلَامَةَ مِنْ نَارٍ لَهَا شُعَلُ
***
48
ذُخْرِي وَلَائِي لِمَنْ وَارَوْهُ فِي النَّجَفِ
بِحَبْلِ عَقْلِي وَحَبْلِ حُبِّيَّ العَاطِفِي
أَتَيْتُهُ وَهوَ تَاجُ العِزِّ وَالشَرَفِ
صُونُوا عَلَى العَرْضِ عَرْضِي وَاشْفَعُوا لِيَ فِي
دَوَائِرٍ أَنَا مِنْهَا خَائِفٌ وَجِلُ
***
49
بِكُمْ قُلُوبُ الوَرَى لِلنُورِ قَدْ هُدِيَتْ
وَمِنْ ثِيَابِ الوَلَا بِالحُبِّ قَدْ كُسِيَتْ
ذُرِيَّتِي مِنْ زُلَالِ الآلِ قَدْ سُقِيَتْ
وَوَالِدَيَّ وَإِخْوَانِي وَمَنْ طُوِيَتْ
طَيًا عَلَى عُنُقِي أَيْدٍ لَهَا طُوَلُ
***
50
غَدًا لِبَاسِي قِمَاشٌ أَبْيَضٌ وَكَفَنْ
فِي وَحْشَةِ القَبْرِ تَحْتَ التُّرْبَةِ مُرْتَهَنْ
وَسَلْوَتِي سَيِّدِي مَوْلَايَ جَدُّ الحَسَنْ
أَعْنِي مُحَمَّدًا السَّامِي المَّقَامَ وَمَنْ
لِأَمْرِهِ أَنَا فِي ذَا النَظْمِ مُمَتَثِلُ
***
51
أَهْدِي سَلَامِي لِمَنْ شُرِّفَ فِي (هَلْ أَتَى)
أَعْظِمْ بِهِ نَاطِقًا أَكْرِمْ بِهِ صَامِتَا
عَلِيُّ خَيْرُ الوَصِيِّينَ ونَعْمَ الفَتَى
ثُمَّ السَّلَامُ عَلَى خَيْرِ الأَنَامِ مَتَى
جَنَّ الظَّلَامُ وَنَاجَى اللهَ مُبْتَهِلُ