ألف بيت في وليد البيت (10)
ديوان ألف بيت في وليد البيت (ع) - عادل الكاظمي
ما كان يُرضيهِ منهمْ عُصبةٌ مَرَقَتْ=من دينِها وغدت تُبدي تَعاليها
من كان هِمّتَهُ الإصلاحُ يُقعدُهُ=عن القصاصِ بريقٌ من تُشّظيها
فراسلَ القومَ إنْ ثوبوا إلى رَشَدٍ=ولا تُثيروا من الأضغانِ خابيها
وبلَّغ النّصْحَ إلا أنَّ من خبثت=قِدْماً أُرومتُها لا نُصْحَ يُجديها
وغاضَهُ منهمُ أنباءُ فاجعةٍ=على ابن خبّابِ قد أخنت مأسيها
إذ غادروه وشقّوا بطنَ زوجتِهِ=وأْداً وما سلمت من غدرِ مُرديها
حتى الأجنّةُ لم تأمن نكايتَهم=والظلمُ إنْ خامرَ الأرواح يُشقيها
عاثوا فساداً وأحيوا كلَّ موبِقَةٍ=قد جاهد المصطفى مَحْقاً لمؤتيها
وعند ذاك فما يُغْني أخا شِيَمٍ=صبرٌ إذا شكت البلوى يشكّيها
فهبَّ يُثبتُ حكمَ الله في بشرٍ=بذي الفِقارِ وقد آلى لَيُشفيها
وكان بينهما نهرٌ وكان فتىً=يُنمى إلى الأزد حمّالاً مساعيها
بحيث يسمع ما يُلقي أبو حسنٍ=من المقالةٍ تصريحاً وتمويها
والى علياً وحامى عن رسالتِهِ=لكنَّ في النفس أوهاماً يُعانيها
يرى الخوارجَ عبّاداً وأوجهُهَمْ=طولَ السجودِ بدوراً في تجلّيها
تالين للذِّكرِ والاجسادُ ناحلةٌ=من الصيامِ وذكرُ الله يُبكيها
تُرى يحلُّ لنا حقاً قتالَهُمُ؟=أم أننا بسيوفِ الجَّور نُفنيها؟
وبينما كان في أفكارهِ ثمل=وحَيْرةُ الشكِّ مهموماً يقاسيها
إذ جاء فارسُ عجلاناً لحيدرةٍ=فقال: يا سيدي الأخبارُ أرويها
إنّ الخوارجَ فوق الجسر قد عبرو=وقد رأيت من الصَّفيْن تاليها
فقال حيدرُ: لا لن يعبروا أبد=وجاء آخرُ رأيَ العين يحكيها
فقال حيدرُ: لا لن يعبروا أبد=وجاء آخرُ بالإيقان يُمضيها
فقال حيدرُ: لا لن يعبروا أبد=لقولةٍ عن رسول الله أمضيها
وقال لي: سوف لن يبقى سوى هَمَلٍ=أقلّ من عشرةٍ والله يُخزيها
ولن ينالوا من الأصحابِ عاشرَهم=بل دون ذلك إمّا شئتَ تُحصيها
فقال في نفسِهِ الأزديُّ مبتهج=قد آنَ للحرب أنْ تُبدي خَوافيها
قد آنَ للحقِّ أنْ تُبلى سرائرُهُ=وللهداية أنْ ينهلَّ صافيها
والله لو عبروا الجسرَ الذي عبرو=لأنصرَ القومَ حتى الوعدُ يأتيها
فسار للجسرِ حيث العينُ مُغْنيةٌ=عن السّماعِ وللأوهام تُقصيها
إذا بهمْ فوق ذاك الجسر ما عبرو=وقولةُ المصطفى قد حقَّ راويها
وهاله أنْ رأى الصِّديقَ حيدرةً=من خلفِهِ لِبَناتِ الرّيْب يُوديها
هلا تيقنتَ يا ابن الازدِ من خبري؟=نادى عليٌّ وآيُ الصدق يُنشيها
أجابه الفارسُ المغوارُ مبتشر=أنت الوصيُّ أعادي من تُعاديها
وعدَّ حيدرةُ الفاروقُ عُدَّتَهُ=لحربِ من فجّرت سُمّاً أفاعيها
وردَّ دابِرَ من كادوا بِسَيّدهمْ=وأُطفئت فتنةٌ سُحْقاً لموريها
وذو الثُّديَّةِ شرُّ الخلق مصطلَمٌ=نبوءةٌ صدّق الكرّارُ مُنبيها
نبوءةٌ لن يُضيرَ الحقَّ مُنكرُه=فبالفضائلِ قد أبدت تأسّيها
وأيُّ أكرومةٍ للمرتضى ظهرت=من دون أنْ يغتدي جِلْفٌ ليُنسيها؟
لا يزعُمَنَّ عِداةُ الصدق قد غنمو=فوزاً إذا جرت الدنيا بأيديها
فإنّما هي أيامٌ يُداوله=بين الأنامِ وإنْ طالت لياليها
كم معشرٍ حسبوا الدنيا تهيمُ بهم=حبّاً وقد عرفوا عقبى محبّيها
وعاهدوها فما أوفت لهم ذِمَم=واستنصحوها فخانت مُستميحيها
واستعبدتهم وظنّوا زَيْفَها نِعَم=واستصرخوها وما ملّوا تَصاميها
كأنّهم وصروفُ الدهر تُنذرهم=هيمٌ عطاشٌ ورودُ الماء يُظميها
واستمرأوا كلَّ مَوْبوءٍ فما نَكِرو=طَعْماً وما بلغوا عيشاً يهنّيها
ماذا دهى أمّةً خلّت أبا حسنٍ=يدعو وقد غفلت عمّا يُنجّيها؟
تراهمُ خُشّعَ الأبصار من فَرَقٍ=خَوفَ المنون فلم تسمعْ مُناديها
وللنُّخيلةِ يدعوهم لينقذَهُمْ=وخِيفَةُ السَيفِ بالتَّسْويفِ تُخفيها
وحيدرٌ يستثير الناسَ يُخبرُهُمْ=ما حلَّ من بُسْرِ من بَلوى بواديها
والناسُ يشغلُهمْ عنه تقاعسُهُمْ=كأنّه لم يكن بالقول يَعنيها
وأشعثٌ وابنُ رِبْعيْ والألى نكثو=عَهْدَ الوصيّةِ جدّت في تعاميها
فثبَّطوا الناسَ عن داع يناشدُهُمْ=حقَّ الجهادِ وبالدنيا تُمنّيها
ومثلُ حيدرَ لم يصبر على أَوَدٍ=وأن يرى أمّةً زاغت فيَرثيها
خمسون عاماً أراها من بطولتِهِ=معنى الفداءِ وقد أوعت معانيها
وعاشها أمّةً بالخير قد خرجت=للناس تُنقذها من شرِّ مُغويها
وواكبته نقيَّ الجَّيْبِ من طَبَعٍ=منزَّهاً عن عيوب الناس تنزيها
فعاهدوهُ وهبّوا من معاقِلِهمْ=أُسْداً تهدُّ من الأجبال راسيها
يستنظرون هلالَ العيدِ يوهبُهُمْ=بشائراً لأمير النّحْلِ تُزجيها
فريضةُ الصوم قد وافت تعلّمهمْ=من الجهادِ فروضاً من تساميها
والقاسطون أعدّوا من مكائدهم=ما أُلبِسَتْ من ثياب العار ضافيها
تحشّد الثأرُ جيشاً لا عديدَ له=على عليٍّ وكم عانى ليهديها
وخلفهم من بني الأحزاب ما ورثت=مِن الضّغون ومَنْ سرّاً يواليها
فلا قريشٌ لعهد الثأر ناسيةٌ=ولا اليهودُ لنار الوِثْرِ تُطفيها
ولا الألى دخلوا الاسلام عن طَمَعٍ=وللنفوسِ حنينُ الشرك يُشقيها
ولا لعائشةٍ نفسٌ تقرُّ على=سِلْمٍ وقد سُلبت منها أمانيها
ألقى ابن هندٍ إلى عمرو ابن نابغةٍ=بخطّةٍ أُحْكِمَتْ كالليل داجيها
لا يعرف الغدرُ من أسرارِها غرض=حقداً تحمَّلَ أنكاها مُراديها
وافى إلى الكوفةِ الحمراءَ مرتدي=ليلاً به أصبحت سوداً لياليها
أمَّ المحاريبَ يبغي سَلْبَ عزَّتِه=بقتلِ مَنْ سيفُهُ أعلى مبانيها
حُمَّ القضاءُ وحان الوعدُ إذ نظرت=إلى السماء وقد غارت دراريها
ترى الملائكَ تحت العرشِ باكيةً=والأنبياءَ فنَوْح ُالوحيِ يُشجيها
هذا عليٌّ وحكمُ الله في يدِهِ=لحكمةِ الله عن طَوْعٍ يُلبّيها
نادى الصلاةَ عبادَ الله فاغتنمو=ضيافةً لم يَخِبْ إلا مُجافيها
وكبّر المرتضى والذّكْرُ في فمهِ=ينعى وأياتُهُ تبكي لتاليها
وسورةُ الحمدِ تبكي أنَّ واحدةً=من المثاني بحِجْرِ الموت تُلفيها
أهوى عليٌّ يؤدّي حقَّ ركعتِهِ=لسجدةٍ واستوى شِفْعاً يثنّيها
فكبَّر السيفُ مسموماً بهامتِهِ=بضربةٍ لم يزل يوري تلظّيها
فصاح فزتُ وربِّ البيت مفخرةً=لمولدي وسطَ بيت الله أُنميها
وفي السّماوات جبريلٌ يؤبِّنُهُ=قد هُدّمت للهدى أمضى أواخيها
غالوا الوصيَّ عليّ المرتضى فلقد=غالت بقتلتِهِ المختارَ هاديها
ليت السماءَ هَوَتْ فوق الثرى كِسَف=وليت فوقَ الثَّرى تَهوي رواسيها
مَنْ للديانة منْ عاثٍ أضرّ به=ومَنْ يُجير الهدى مما يُخشّيها؟
مَنْ لليتامى إذا جار الزمان بهم=وللأيامى إذا اشتدّت مآسيها؟
مَنْ للعُفاة إذا ضاقت بهم سُبُلٌ=وقد قضى صابراً من كان يكفيها؟
ومَنْ لزينبَ والسبطين مِنْ سَنَدٍ=مِنْ جور نائبة الايّام تحميها؟
بالأمس قد فقدت جدّاً ووالدةً=واليومَ تفقدُ واليها وراعيها
مَنْ عنده الحوضُ في يوم المعادِ ومَنْ=لراية الحَمْدِ عند الحشر يُعليها
يا من له الصحبُ والأعداءُ قد شهدت=بأنّه من شِمام الفضل راسيها
أتيتُ فضلَك أستسقي إذا ظمئت=نفسي فمن كأسك الأوفى تُوافيها
وللشفاعةِ أنْ أرقى لبُغيته=فأنت لو شئتَ للنيرانِ تُطفيها
ألقيتُ رحلي وحاجاتي يضيق به=سواك إنّك للحاجات تقضيها
أرجو المماتَ على عهدِ الولاءِ لكم=حتى أنال من الجنّات عاليها
ولستُ أفزعُ إنْ مَسّتْني نائبةٌ=إلا إليكَ وكم أذللتَ عاتيها؟
فكيف أفزعُ في قبري إذا بُلِيَتْ=سَريرَتي من ذنوبٍ لستُ أُحصيها؟
ونورُ حُبَّيْكَ مِشكاةٌ تنوِّرُ لي=ليلَ الذنوبِ وإن ألقت بداجيها
يا شِفْعَ أحمدَ إشفعْ لي ووالدتي=ووالدي ولأخوانٍ أُساقيها
خَمْرَ الولاءِ بكأسٍ من فضائلِكُمْ=فإنني رُغْمَ مَنْ ناواكَ أُفشيها
وتلك الفيَّتي بالحبِّ أنظمُه=جَهْدَ المُقِلِّ فما وفَّت قوافيها
معشارَ ذرّةِ ما تحويهِ من قِيَمٍ=يفنى الزّمانُ وما تفنى معاليها
ولستُ أسألُكُم أجراً فعبدكُمُ=يرى المودَّةَ نُعمى أنتَ مُسديها
فمنتهى الشّكرِ حَمْداً لا يُحيط به=وغايةُ المدحِ شُكراً لا يؤدّيها