ألف بيت في وليد البيت (2)
ديوان ألف بيت في وليد البيت (ع) - عادل الكاظمي
ربَّ اللئام أعدّوا نَيلَ غايتهم=من النبيّ بمكرٍ من طَواغيها
حتى تقادَمَ عامُ الحزن مذ غربت=شمس الشموس وكان الخلد ناعيها
جاءت برعناءَ شوهاءٍ مكدَّرةٍ=وَقودها الجهل والأضغانُ توريها
في أنّه مات في شركٍ وفي عَمَهٍ=وأنه النار يوم الحشر صاليها
لو كان والدَ عمرٍو أو معاويةٍ=لكان أسبقَها لله تأليها
لكنّه والدُ الفردِ الذي نسجت=له السماءُ ثياباً من دَراريها
من إسمه شقَّ من إسم العليّ فم=فضيلةٌ في الورى إلا ويُنسيها
لم يُبقِ للإنس من فضلٍ ومنقبةٍ=إلا وزاد عليها ما يُمَحّيها
لجْ بحره تجد الدنيا وما وهبت=بجوده لا بما جادت سواقيها
وما الأنامُ سوى إحدى صنائعهِ=وإن تنكّر ذو لؤمٍ أياديها
عادت علياً وشاءت أن تضارعَهُ=بالمكرماتِ فما اسطاعت لتحصيها
فهو المكارمُ في ذاتٍ وفي صفةٍ=وهي المآثم خافيها وباديها
رامته شخصاً فلم تظفر بشانئةٍ=حتى رمته بإفكٍ من تجنّيها
ماذا يضير شعاعَ الشمس إن عَميت=عنه العيونُ وماذا كان يُجديها؟
إن النفوسَ التي تُطوى على دَغَلٍ=هيهات نورُ الهدى يوماً يؤاتيها
ما أنكرت منه إلا كلّ مأثرةٍ=تُنمى إليه وفضلُ الله يُنميها
لو حاز هذا الورى منه بمكرمةٍ=ما عذّب الله يومَ الوعدِ جانيها
من حبّهُ جُنّةٌ في الحشر من سُعُرٍ=نزّاعةٍ للشَّوى في قعر واديها
من وحّد الله والأقوام عاكفة=كلّ إلى وثنٍ بالذلّ يخزيها
ربّاه طه وغذّته أناملُه=صفواً من الدِرِّ ممّا فاض طاميها
يُشمُّه عَرْفَهُ يُغذوه سؤددَه=وحِجرُهُ المهدُ آمالاً يربّيها
يحنو عليه وبالأخلاق يرفده=وفي حراءِ دروسَ الوحي يُلقيها
وكان يسمع صوتَ الوحي حيدرةٌ=يتلو من الذكر آياتٍ وينشيها
رأى الرسالةَ رأي العينِ مُخضلةً=لفحَ الهجير بنشرٍ من غواليها
مُدَّت إليه يدُ التوحيد حاملة=عهد الإمامة عن سبق لتمضيها
فأنذر المصطفى يوماً عشيرتَهُ=وكان للدين والدنيا يُرجّيها
وقال: يا قومُ من منكم يناصرني=على الخطوبِ إذا هبّت سوافيها؟
إني لأرجو أخاً منكم يؤازرني=وللخلافة من بعدي سيحميها
فقام أصغرهم سنّاً وأوثبهم=للتضحياتِ إذا نادى مناديها
وقال: إني لها والقوم شاخصة=منها العيون وكان الأمر يَعنيها
وقد أعاد ثلاثاً قولَه وكفى=بهنّ عدلاً رسولُ الله يُجريها
جزّاه خيراً عن الإسلام ممتدح=ولم يشأ هكذا بالأمر يُنبيها
حتى أقام عليهم حجّةً بلغت=غورَ القلوبِ وقد ألقت مراسيها
ناداه أنت أخي من بينهم وكفى=خلافة الله من بعدي ستكفيها
محلّ هارونَ من موسى تسيّرهم=على الطريقةِ تسقيهم غواديها
فصار أعظمَ من في الأرض منزلةً=بعد النبيِّ وكان الله مؤتيها
وفرّق الجمعُ والأمواجُ متعبةٌ=ألقى بها اليمُّ وانزاحت دياجيها
وعاد حيدرُ جذلاناً بما وهبت=له الرسالةُ من نُعمى تساميها
يقي النبيَّ بروحٍ غيرِ مُكترثٍ=بالقارعاتِ وما تُلقي غواشيها
وكان كالظلِّ يحذو حَذْوَ سيّدهِ=والنفسُ بالموتِ مُقداماً يُمنّيها
ومن غدا الموتُ دون الحقِّ مُنيتَهُ=هانت عليه من الدنيا مآسيها
رأى قريشاً وقد كادت مكائِدُه=تودي النبيَّ ومَنْ بالعطفِ يوليها
فقدّم النفسَ قرباناً وبات على=فَراشِ أحمدَ كي تلقى أمانيها
ويسلمُ الدينُ من غدرٍ به عُرفت=تلك النفوسُ وقد سادتْ به تيها
ترقَّبوا الفجرَ أنْ يأتي بما رغبو=فيستريحَ من الإسلامِ طاغيها
فأصبحت وإذا الإسلامُ مُمتشِق=عَضْباً من الخزي والإذلالِ يَسقيها
وأيقنتْ أنَّ هذا السيفَ صاعقةٌ=من السماءِ وقد حلَّت بناديها
وكيف لا وعليٌّ من به قُرِنَت=معنى البطولةِ حينَ البأسُ يَنضيها
يدعو إلى الموتِ من يدنو لصارمِهِ=فلاذ بالصمتِ خوفَ البأسِ عاتيها
ويمكرون ولمّا يعلموا سَفَه=أنَّ الإله بسِنْخِ الفعلِ يَجزيها
وآبَ بالجّمْعِ ذلُّ الدهرِ يَسقيَهمْ=كأسَ الهوانِ فيا بُعداً لحاسيها
وسار بالرَّكْبِ يطوي البيدَ منفرد=يقي الفواطمَ من هولٍ ويحميها
مهاجراً وعيونُ القومِ ترمُقُهُ=كأنَّهُ الموتُ إذ ينأى يُقَصّيها
فأثلجَ الله قلبَ المصطفى بفتىً=يطوي الملاحمَ ضحّاكاً ليُبكيها
الموردُ البيضَ في سوحِ الوغى مُهَج=والمُطعِمُ الموتَ أرواحاً يُناويها
إذ سلَّهُ اللهُ سيفاً ليس تغمده=إلا الرقابُ إذا ما فاضَ جاريها
راض الصناديدَ والشّجعانَ صارمُهُ=على الفِرارِ إذا استبكى تراقيها
وهو الملاذُ إذا ما الأمنُ مُسْتَلَبٌ=والأرضُ بالجورِ قد ضاقت بمن فيها
سائلْ ببدرٍ غداةَ الشركُ غيهبُهُ=يُزجي الكتائبَ من أفنى ضواريها؟
جاءتْ وقد أيقنت بالنصرِ يخدعُه=طيفٌ ألمَّ بليلٍ من أمانيها
يقودها الغيُّ والكفرُ الذي مُزِجَت=به النفوسُ وحادي الحقدِ حاديها
فأصبحتْ وإذا الأحلامُ ينسَخُه=سيفٌ لطائشةِ الأحلامِ يُرديها(1)
1 الأحلام الاولى: ما يراه النائم، والثانية: العقول.
أردى الوليدَ وأردى شَيْبَةً فغد=من بعدِ عُتبةَ يُردي من يواليها
يدور بالصِّيد حتى ظنَّ أبصرُهُمْ=بأنَّ ألفَ عليٍّ حلَّ واديها
حتى رأوا منه ما لو أنَّ أبعدَهُمْ=رامَ الفرارَ لنالَ الفخرَ دانيها
تلكم قريشٌ تمنَّتْهُ لتقتلَهُ=فخيَّبَ الموتُ في بدرٍ تضنِّيها
في طاعةِ السيفِ قد آلى لَيوردَهُمْ=عُقبى الغرورِ جحيماً ذُلَّ صاليها
وقد أحال ببدرٍ ماءَها سُعُر=في قلبِ هندٍ وقد آلتْ لَتطفيها
حتى أعدَّتْ لأحْدٍ كلَّ ما ادَّخرت=من الضغونِ وما نالت بوحشيها
ما ترتجيهِ فهذا حيدرٌ أجَلٌ=ما زالَ يخطفُ أرواحاً لأهليها
ظنّتْ بحمزةَ تستشفي ضغائنَه=هيهاتَ هيهاتَ ما الأكبادُ تشفيها
عادت وسيفُ عليٍّ صار يوقرُه=عِبْءَ الغمومِ كأحدٍ أو يُدانيها
وعاد حيدرُ والدنيا على أملٍ=تُلقي القِيادَ له طوعاً ليُنجيها
وجلجلتْ لفظةُ التوحيدِ وانقلبت=ريحُ السَّمومِ إلى رَوْحٍ يُغاديها
ولفحةُ الهوجِ عادت نفحةً عَبقت=منها الجنانُ أريجاً نَشْرَ غاليها
وقد تلاقتْ على شوقٍ يؤرّقُه=طولُ الفِراقٍ وقد ملّتْ تَجافيها
مفاخرٌ ظلّتْ الأيامُ تَرقَبُه=فصافحتْ بالهنا كفّاً تُجلّيها
كفّاً تجلَّتْ بها للحقِّ سطوتُهُ=وأيُّ كفٍّ بما نالتْ تُكافيها؟
وأيقن الحقُّ أنْ لا شيءَ يُسْلِمُهُ=للمُردياتِ وقد أقْوَتْ بمُرديها
الواهبِ الحتفَ قلبَ الموتِ من فَرَقٍ=والناهبِ الرَّوْعَ من قومٍ يُراعيها
والمنقذِ الدينَ من عادٍ وعاديَةٍ=سوداءَ يُعجلُ بالأرواحِ داجيها
والكاشفِ الكربَ والغمّاءَ، هِمَّتُهُ=غوثٌ لنارِ غليلِ الحقِّ يُطفيها
والمرتقي الصّعبَ لا تمتازُ ميْمَنةٌ=عن أختِها مُبعِداً بالموتِ دانيها
لم أنسَ يوماً به الأبصارُ خاشعةً=وللمنيّةِ يدعوها مناديها
عمرو بن ودٍّ وما أدراكَ صولتُهُ=وَقودُها الناسُ لا يخبو تلظّيها
يقلّبُ الصفَّ مثلَ الكفِّ ليس له=غير الكريهةِ مرتاداً نواديها
صاح النبي وملءُ البيد صيحتُهُ=مَنْ منكمُ جنةً بالنفس يشريها؟
هل من نصيرٍ يحامي عن عقيدتهِ=والناسُ في صَمَمٍ عن قولِ ناعيها
فما استجاب له إلا أبو حسنٍ=وهو القضاءُ وللاقدار مزجيها
لاقى ابنَ ودٍّ غداةَ الغُلْبُ يُقعده=هَولُ اللقاءِ إذا همّت ويُثنيها
بعزمةٍ ما وَنَتْ عن نَيْلِ بُغتيه=من الرقابِ إذا ما الشركُ يُعليها
في ساعةٍ برز الايمانُ منتضي=على الضلالةِ سيفاً ثلَّ راسيها
سقاهُ من كأسهِ في ضربةٍ جمعت=غُرَّ المناقبِ إنْ عُدَّتْ معاليها
بضربةٍ هدَّمت ركنَ الضلالِ كم=شادت صروحَ الهدى أنعِمْ بماضيها
بضربةٍ تُثقل الميزانَ لو وُزِنت=بها عبادةُ من في الخلق تكفيها
وِتْرٌ وقد شُفِعَتْ في خيبرٍ فغدت=من نحرِ مرحب للأعقاب تُدميها
في موقفٍ مُدَّتْ الأعناقُ راصدةً=من الرسولِ نداءً ليس يَعنيها