ربَّ اللئام أعدّوا نَيلَ غايتهم=من النبيّ بمكرٍ من طَواغيها حتى تقادَمَ عامُ الحزن مذ غربت=شمس الشموس وكان الخلد ناعيها جاءت برعناءَ شوهاءٍ مكدَّرةٍ=وَقودها الجهل والأضغانُ توريها في أنّه مات في شركٍ وفي عَمَهٍ=وأنه النار يوم الحشر صاليها لو كان والدَ عمرٍو أو معاويةٍ=لكان أسبقَها لله تأليها لكنّه والدُ الفردِ الذي نسجت=له السماءُ ثياباً من دَراريها من إسمه شقَّ من إسم العليّ فم=فضيلةٌ في الورى إلا ويُنسيها لم يُبقِ للإنس من فضلٍ ومنقبةٍ=إلا وزاد عليها ما يُمَحّيها لجْ بحره تجد الدنيا وما وهبت=بجوده لا بما جادت سواقيها وما الأنامُ سوى إحدى صنائعهِ=وإن تنكّر ذو لؤمٍ أياديها عادت علياً وشاءت أن تضارعَهُ=بالمكرماتِ فما اسطاعت لتحصيها فهو المكارمُ في ذاتٍ وفي صفةٍ=وهي المآثم خافيها وباديها رامته شخصاً فلم تظفر بشانئةٍ=حتى رمته بإفكٍ من تجنّيها ماذا يضير شعاعَ الشمس إن عَميت=عنه العيونُ وماذا كان يُجديها؟ إن النفوسَ التي تُطوى على دَغَلٍ=هيهات نورُ الهدى يوماً يؤاتيها ما أنكرت منه إلا كلّ مأثرةٍ=تُنمى إليه وفضلُ الله يُنميها لو حاز هذا الورى منه بمكرمةٍ=ما عذّب الله يومَ الوعدِ جانيها من حبّهُ جُنّةٌ في الحشر من سُعُرٍ=نزّاعةٍ للشَّوى في قعر واديها من وحّد الله والأقوام عاكفة=كلّ إلى وثنٍ بالذلّ يخزيها ربّاه طه وغذّته أناملُه=صفواً من الدِرِّ ممّا فاض طاميها يُشمُّه عَرْفَهُ يُغذوه سؤددَه=وحِجرُهُ المهدُ آمالاً يربّيها يحنو عليه وبالأخلاق يرفده=وفي حراءِ دروسَ الوحي يُلقيها وكان يسمع صوتَ الوحي حيدرةٌ=يتلو من الذكر آياتٍ وينشيها رأى الرسالةَ رأي العينِ مُخضلةً=لفحَ الهجير بنشرٍ من غواليها مُدَّت إليه يدُ التوحيد حاملة=عهد الإمامة عن سبق لتمضيها فأنذر المصطفى يوماً عشيرتَهُ=وكان للدين والدنيا يُرجّيها وقال: يا قومُ من منكم يناصرني=على الخطوبِ إذا هبّت سوافيها؟ إني لأرجو أخاً منكم يؤازرني=وللخلافة من بعدي سيحميها فقام أصغرهم سنّاً وأوثبهم=للتضحياتِ إذا نادى مناديها وقال: إني لها والقوم شاخصة=منها العيون وكان الأمر يَعنيها وقد أعاد ثلاثاً قولَه وكفى=بهنّ عدلاً رسولُ الله يُجريها جزّاه خيراً عن الإسلام ممتدح=ولم يشأ هكذا بالأمر يُنبيها حتى أقام عليهم حجّةً بلغت=غورَ القلوبِ وقد ألقت مراسيها ناداه أنت أخي من بينهم وكفى=خلافة الله من بعدي ستكفيها محلّ هارونَ من موسى تسيّرهم=على الطريقةِ تسقيهم غواديها فصار أعظمَ من في الأرض منزلةً=بعد النبيِّ وكان الله مؤتيها وفرّق الجمعُ والأمواجُ متعبةٌ=ألقى بها اليمُّ وانزاحت دياجيها وعاد حيدرُ جذلاناً بما وهبت=له الرسالةُ من نُعمى تساميها يقي النبيَّ بروحٍ غيرِ مُكترثٍ=بالقارعاتِ وما تُلقي غواشيها وكان كالظلِّ يحذو حَذْوَ سيّدهِ=والنفسُ بالموتِ مُقداماً يُمنّيها ومن غدا الموتُ دون الحقِّ مُنيتَهُ=هانت عليه من الدنيا مآسيها رأى قريشاً وقد كادت مكائِدُه=تودي النبيَّ ومَنْ بالعطفِ يوليها فقدّم النفسَ قرباناً وبات على=فَراشِ أحمدَ كي تلقى أمانيها ويسلمُ الدينُ من غدرٍ به عُرفت=تلك النفوسُ وقد سادتْ به تيها ترقَّبوا الفجرَ أنْ يأتي بما رغبو=فيستريحَ من الإسلامِ طاغيها فأصبحت وإذا الإسلامُ مُمتشِق=عَضْباً من الخزي والإذلالِ يَسقيها وأيقنتْ أنَّ هذا السيفَ صاعقةٌ=من السماءِ وقد حلَّت بناديها وكيف لا وعليٌّ من به قُرِنَت=معنى البطولةِ حينَ البأسُ يَنضيها يدعو إلى الموتِ من يدنو لصارمِهِ=فلاذ بالصمتِ خوفَ البأسِ عاتيها ويمكرون ولمّا يعلموا سَفَه=أنَّ الإله بسِنْخِ الفعلِ يَجزيها وآبَ بالجّمْعِ ذلُّ الدهرِ يَسقيَهمْ=كأسَ الهوانِ فيا بُعداً لحاسيها وسار بالرَّكْبِ يطوي البيدَ منفرد=يقي الفواطمَ من هولٍ ويحميها مهاجراً وعيونُ القومِ ترمُقُهُ=كأنَّهُ الموتُ إذ ينأى يُقَصّيها فأثلجَ الله قلبَ المصطفى بفتىً=يطوي الملاحمَ ضحّاكاً ليُبكيها الموردُ البيضَ في سوحِ الوغى مُهَج=والمُطعِمُ الموتَ أرواحاً يُناويها إذ سلَّهُ اللهُ سيفاً ليس تغمده=إلا الرقابُ إذا ما فاضَ جاريها راض الصناديدَ والشّجعانَ صارمُهُ=على الفِرارِ إذا استبكى تراقيها وهو الملاذُ إذا ما الأمنُ مُسْتَلَبٌ=والأرضُ بالجورِ قد ضاقت بمن فيها سائلْ ببدرٍ غداةَ الشركُ غيهبُهُ=يُزجي الكتائبَ من أفنى ضواريها؟ جاءتْ وقد أيقنت بالنصرِ يخدعُه=طيفٌ ألمَّ بليلٍ من أمانيها يقودها الغيُّ والكفرُ الذي مُزِجَت=به النفوسُ وحادي الحقدِ حاديها فأصبحتْ وإذا الأحلامُ ينسَخُه=سيفٌ لطائشةِ الأحلامِ يُرديها(1) 1 الأحلام الاولى: ما يراه النائم، والثانية: العقول. أردى الوليدَ وأردى شَيْبَةً فغد=من بعدِ عُتبةَ يُردي من يواليها يدور بالصِّيد حتى ظنَّ أبصرُهُمْ=بأنَّ ألفَ عليٍّ حلَّ واديها حتى رأوا منه ما لو أنَّ أبعدَهُمْ=رامَ الفرارَ لنالَ الفخرَ دانيها تلكم قريشٌ تمنَّتْهُ لتقتلَهُ=فخيَّبَ الموتُ في بدرٍ تضنِّيها في طاعةِ السيفِ قد آلى لَيوردَهُمْ=عُقبى الغرورِ جحيماً ذُلَّ صاليها وقد أحال ببدرٍ ماءَها سُعُر=في قلبِ هندٍ وقد آلتْ لَتطفيها حتى أعدَّتْ لأحْدٍ كلَّ ما ادَّخرت=من الضغونِ وما نالت بوحشيها ما ترتجيهِ فهذا حيدرٌ أجَلٌ=ما زالَ يخطفُ أرواحاً لأهليها ظنّتْ بحمزةَ تستشفي ضغائنَه=هيهاتَ هيهاتَ ما الأكبادُ تشفيها عادت وسيفُ عليٍّ صار يوقرُه=عِبْءَ الغمومِ كأحدٍ أو يُدانيها وعاد حيدرُ والدنيا على أملٍ=تُلقي القِيادَ له طوعاً ليُنجيها وجلجلتْ لفظةُ التوحيدِ وانقلبت=ريحُ السَّمومِ إلى رَوْحٍ يُغاديها ولفحةُ الهوجِ عادت نفحةً عَبقت=منها الجنانُ أريجاً نَشْرَ غاليها وقد تلاقتْ على شوقٍ يؤرّقُه=طولُ الفِراقٍ وقد ملّتْ تَجافيها مفاخرٌ ظلّتْ الأيامُ تَرقَبُه=فصافحتْ بالهنا كفّاً تُجلّيها كفّاً تجلَّتْ بها للحقِّ سطوتُهُ=وأيُّ كفٍّ بما نالتْ تُكافيها؟ وأيقن الحقُّ أنْ لا شيءَ يُسْلِمُهُ=للمُردياتِ وقد أقْوَتْ بمُرديها الواهبِ الحتفَ قلبَ الموتِ من فَرَقٍ=والناهبِ الرَّوْعَ من قومٍ يُراعيها والمنقذِ الدينَ من عادٍ وعاديَةٍ=سوداءَ يُعجلُ بالأرواحِ داجيها والكاشفِ الكربَ والغمّاءَ، هِمَّتُهُ=غوثٌ لنارِ غليلِ الحقِّ يُطفيها والمرتقي الصّعبَ لا تمتازُ ميْمَنةٌ=عن أختِها مُبعِداً بالموتِ دانيها لم أنسَ يوماً به الأبصارُ خاشعةً=وللمنيّةِ يدعوها مناديها عمرو بن ودٍّ وما أدراكَ صولتُهُ=وَقودُها الناسُ لا يخبو تلظّيها يقلّبُ الصفَّ مثلَ الكفِّ ليس له=غير الكريهةِ مرتاداً نواديها صاح النبي وملءُ البيد صيحتُهُ=مَنْ منكمُ جنةً بالنفس يشريها؟ هل من نصيرٍ يحامي عن عقيدتهِ=والناسُ في صَمَمٍ عن قولِ ناعيها فما استجاب له إلا أبو حسنٍ=وهو القضاءُ وللاقدار مزجيها لاقى ابنَ ودٍّ غداةَ الغُلْبُ يُقعده=هَولُ اللقاءِ إذا همّت ويُثنيها بعزمةٍ ما وَنَتْ عن نَيْلِ بُغتيه=من الرقابِ إذا ما الشركُ يُعليها في ساعةٍ برز الايمانُ منتضي=على الضلالةِ سيفاً ثلَّ راسيها سقاهُ من كأسهِ في ضربةٍ جمعت=غُرَّ المناقبِ إنْ عُدَّتْ معاليها بضربةٍ هدَّمت ركنَ الضلالِ كم=شادت صروحَ الهدى أنعِمْ بماضيها بضربةٍ تُثقل الميزانَ لو وُزِنت=بها عبادةُ من في الخلق تكفيها وِتْرٌ وقد شُفِعَتْ في خيبرٍ فغدت=من نحرِ مرحب للأعقاب تُدميها في موقفٍ مُدَّتْ الأعناقُ راصدةً=من الرسولِ نداءً ليس يَعنيها