ألف بيت في وليد البيت (1)
ديوان ألف بيت في وليد البيت (ع) - عادل الكاظمي
لا تعذلِ العينَ أن أرختْ عَزاليه=فالشوقُ سائقُها والبَيْنُ مُجريها
والهمُّ يُسهدُها والطيفُ يُسعدُه=والدمعُ ينجدُها والوعدُ يُغريها
وللأماني بها في كلِّ آونَةٍ=وحيٌ يقرّبني منها ويُقصيها
إنّي على العهدِ ما ناحتْ مُطَوَّقَةٌ=تبثُّ للنفسِ أشجاناً فتُشجيها
وحدي بدائيَ لا أشكو إلى أحدٍ=لعلَّ صبريَ دون الناسِ يُسليها
إنّ الليالي عجيباتٌ خلائقُه=ترمي المحبَّ بسهمٍ من تجافيها
يا ليتَ ذا السهمَ يوري قلبَ عاذلتي=بجذوةٍ أو لعلَّ السهمَ يُصليها
أقلّبُ الطرفَ لا داراً أٌسائله=ولا رسوماً عسى أشكو لعافيها
أبيتُ والليلُ بالظلماءِ ملتحفٌ=والأرضُ بالثلج قد غطّت روابيها
مثلَ السّليم ضجيعَ الهم ِّمفترش=جمرَ الضلوعِ فتكويني وأكويها
وقد يعنُّ صدى صمتٍ فيحسبهُ=سمعي سميراً سعى للنفسِ يلهيها
فاستفيقُ على الأنفاسِ لاهبُه=سوطُ العذابِ وذاك الصمتُ يذكيها
وتستهلُّ مصوناتٌ أضَنُّ به=لوقفةٍ عند من أهواهُ أبديها
حسرى فتعرف كم قاسيتُ من سَقَمٍ=وبالمدامع حسبي أن أحيّيها
لا يعرفُ الحبَّ من ذاقت نواظرُهُ=طعمَ المنام وما ذابتْ مآقيها
ومنْ يَرَ العشقَ في طرفٍ به حَوَرٌ=أوْ قدِّ بانٍ فقد أعياهُ تشبيها
فما لقيسٍ سوى ليلاهُ من شُغُلٍ=في كلِّ شيءٍ يرى ليلى فيبكيها
ولا يُلامُ أخو عبسٍ إذا برقت=بيضُ السيوفِ بومْضٍ من تجلّيها
أنْ يوسعَ السيفَ لثماً أو يعانقهُ=فإنما العشقُ أنْ تفنى بما فيها
إني سلكتُ دروبَ العشقِ مُرديةً=والعشقُ بالنفسِ دون الموتِ يلقيها
وما شقيتُ فلي شوقٌ يؤانسني=في وحشةِ الدربِ أو ذكرى أناجيها
برغم ما ذقتُ من دهرٍ أكابدُهُ=شتّى الصروفِ وأسقام ٍأقاسيها
ولي من الأمسِ أشجانٌ تكدِّر لي=سوانحَ الصَّفْو إنْ مرّتْ بناديها
والخالياتُ من الأيامِ قد رحلتْ=ملأى الهموم وقد أودتْ دواهيها
لم يُبْق لي الدهرُ في الأفراح من وَطَرٍ=حتى كأنّي بلا قلبٍ ألاقيها
لا أرتجي الدهرَ يوماً أن يُسالمني=وآل أحمدَ بالأرزاء يرميها
آلُ الرسول وهم أهلُ الكِسا وبهم=باهى الملائكَ فوق العرشِ باريها
هم حيدرُ الطهرِ والزهراءُ فاطمةٌ=والمجتبانِ من الدنيا لهاديها
ريحانتا أحمدٍ أبناءُ زهرتهِ=خيرُ الورى بعدَهُ مَنْ ذا يُدانيها؟
من أنزل اللهُ في القرآن حبَّهمُ=فرضاً على الناسِ دانيها وقاصيها
مَنْ أذهبَ الرّجسَ عنهم ثمَّ طهَّرهم=من كلِّ موبقةٍ لطفاً وتنزيها
سادوا البريَّةَ في علمٍ وفي عملٍ=سلِ المكارمَ من أزجى غَواديها؟
عِدْلُ الكتابِ ولولا سَيْبُ نائلِهِم=لم يرعوِ الناسُ عن غيٍّ يُداجيها
الناطقونَ إذا آياتُهُ صمتَتَ=والراشدونَ إلى أقصى مَراميها
قد خصَّها الله بالقرآنِ إذ ورثتْ=أجرَ الرسالةِ عن فخرٍ ليجزيها
وهم إلى الله أبوابٌ مفتَّحةٌ=وبابُ حِطّةَ في أمنٍ تُحاكيها
فُلْكُ الأمانِ لأهل الأرضِ من غرقٍ=تباركَ الله مُجريها ومُرسيها
لم ينجُ كنعانُ إذ آوى إلى جبلٍ=وإنّما الماءُ قد غطّى رواسيها
وقد نجا نوحُ بالفلكِ التي حملت=من كلِّ زوجينِ واخُسْراً لجافيها
وهم نجاةُ الورى من كلِّ غائلةٍ=لم تُبقِ للدينِ والدنيا عَواديها
وما نجا من لظى من كان شانِئَه=ولا عدتْ جنّة من كان راجيها
جزاهمُ اللهُ أجراً كلَّ مَكْرُمَةٍ=مَنْ ذا مِنَ الخلقِ في فضلٍ يُباريها؟
قد باهل الله نجراناً بفضلهمُ=إذ لم يكن في الورى شأواً يضاهيها
فاختار بين النساءِ الطهرَ فاطمةً=والشبَّرينِ من الأبنا ثقفّيها
ونفسَهُ حيدراً أكرمْ بحيدرةٍ=فخابَ نجرانُ وانصاعتْ لداعيها
وخيَّبَ الشركَ من بالبيتِ مولدُهُ=وتلك أكرومةٌ سبحانَ موليها
قد خصَّها اللهُ بالمولى أبي حسنٍ=دون الخلائقِ فازدانتْ براعيها
واستبشرَ البيتُ إذ أمَّتهُ فاطمةٌ=وداعيَ اللهِ بالبشرى يوافيها
وافترَّ عن آيةٍ للآنَ ظاهرةٍ=هيهاتَ ما تلكمُ الأستارُ تخفيها
تنبيكَ أنَّ لأهلِ البيتِ مرتبةً=فوق المراتبِ لا تُرقى مَراقيها
ذي مريمٌ حينما وافته خائفةً=إذ جاءها الطَّلْقُ هلا كان يؤويها؟
هزّي إليك بجذعِ النَّخلِ والتمسي=سَقْطَ الثمارِ بذا أضحى يناديها
أما لعيسى نبيِّ اللهِ من خطرٍ=يسمو بمريمَ حيث البيتُ يحميها؟
جاءته فاطمُ والبشرى تلكلِّله=تاجاً من الفخرِ والدنيا تغنّيها
تدعو الإلهَ بقلبٍ مؤمنٍ لَهِجٍ=وخالقُ الكونِ سَمْتَ البيتِ يدنيها
فضمَّها البيتُ والأملاكُ محدقةٌ=ترقَّبُ الوعدَ إنَّ الوعدْ آتيها
فشعَّ في الكعبةِ الغرّاءِ مُشْرِقٌه=نوراً لنائرةِ الطغيانِ يطفيها
تفتَّق البيتُ عن وجهٍ بطلعتهِ=يُغني عن الشمسِ في لطفٍ يضاهيها
وأسفرَ الافقُ عن شمسٍ يجلّلُه=وجهُ الوصيِّ وبالأنوارِ يَقريها
بهيبةٍ تُطرقُ الابصارَ لا رَمَد=وإنما الشمسُ لا تبدو لرائيها
رأى الإلهَ فلم يسجدْ إلى صنم=وكيف يسجدُ من وافى ليُفنيها
من سبَّحَ اللهَ قبل الخلقِ في حُجُب=مع النبيِّ لِذاتِ الله تنزيها
وقبل آدمَ كان النورَ متّحد=بنورِ أحمدَ توحيداً لمُنشيها
ترشَّح الخلقُ من نورَيْهما فبد=مثلَ الأظلّةِ والإمكانُ يحويها
فالممكناتُ وقد جاءت على رُتَبٍ=من الكمالِ ظِلالُ النورِ تحكيها
تسترفدُ الفيضَ من إشراقِ طلعتِهِ=ثرّاً من اللطفِ عن فقرٍ ليغنيها
تبارك الله إذ أولى أبا حسنٍ=ذاتاً لها الوصفُ لا يحوي تناهيها
لا يُدرَكُ الوصفُ في ذاتٍ لها صورٌ=شتّى معالمُها والغيبُ يطويها
في كلِّ شيءٍ له سرٌّ سرى فغدت=من ملكِهِ فهو دون السرِّ يُجليها
هذا الوصيُّ وخيرُ الناسِ قاطبةً=من بعد أحمدَ قد وافى ليهديها
فبارك المسجدُ الأقصى بمولدِهِ=الكعبةَ الطهرَ إذ تمَّت معاليها
وأقبلتْ تحمل التوحيدَ فاطمةٌ=وأقبل المجدُ محبوراً يُهنّيها
أمُّ الكرامِ وفرعُ الطيبِ من أسدٍ=وجدُّها هاشمٌ بالبرِّ يُصفيها
خيرُ البنين لها طه فتغمره=سَيْبَ الحنانِ بفضلٍ من تفانيها
إن قال أمّاهُ لبَّتهُ مُسارِعَةً=وإنْ دعتهُ إلى أمرٍ يُلَبّيها
غذَّتهُ عطفاً بما جادت خلائِقُه=ولم يزل يرتوي من عذب صافيها
حتى إذا حُمِّلَ الهادي أمانتهُ=وأُنزلَ الوحيُ بالآياتِ، يُمليها
جاءته دونَ نساءِ العالمينَ وقد=شاءَ الإلهُ بفضل السَّبقِ يوليها
تتلو خديجةَ إيماناً وسابقةً=دونَ النساءِ وهذا الفضلُ يكفيها
وهاجرتْ في سبيلِ الله حاملةً=همَّ الرسالةِ إذ باتت تُراعيها
وحُمّلت في حصار الشِّعْبِ ما حملت=من المكارهِ في صبرٍ تقاسيها
قاست كما زوجُها، فالله شاهدُه=والصبرُ رائدُها والرشدُ ساعيها
هذا أبو طالب حامى بمنعته=عن النبوّة في قومٍ يُجاريها
ومثله كان أهلُ الكهف إذ نصرو=دين الإلهِ وذا الفرقانُ يُبديها
آووا إلى الكهفِ في صمتٍ وأمرهُمُ=عن الأنام خفيٌّ لا يماريها
إنّ الحصافةَ وضعُ الشيء موضعَهُ=ويُبلغُ النفسَ ما شاءت أمانيها
تلكم قريشٌ ترى المختارَ من كثبٍ=يُبيد ما ساءه منها فيخزيها
ظنّت بهاشم ظنَّ السّوء فابتدرت=إلى الرسالة بالعدوان ترميها
ظنّت بأنَّ رسولَ الله يسلبه=باسم النبوّة مجداً في مغانيها
فعاجلته بغدرٍ لا قرارَ له=إلا بهاشمَ أن تُبدي فتُفنيها
وجاء دورُ أبي الكرّار مُستلب=ما كان يُقلقها أو كان يُغريها
فأضمر الدينَ كي يحمي بقيَّته= من كلِّ نائبةٍ من بأس شانيها
إنّ السياسةَ إن أبدت قوادمَه=للناظرين فقد أخفت خَوافيها
ما ساد بالمال في قومٍ مبادؤهم=قامت عليه وما جازت مَباديها
وإنما ساد بالأخلاقِ فانبجست=عينُ النباهةِ في حلمٍ يُداريها
وساس منها نفوساً لا شفاءَ له=علّ الزمان من الأدواءِ يَشفيها
رعى النبيَّ ولم يُسلمْهُ منفرد=للضّارياتِ ولنْ يخشى تحدّيها
حامى وراعى وما لانت عزيمتُهُ=ما كان بالكفر بل بالرشد يُمضيها
لِمْ لا يُعينُ على المختار متَّخذ=درب السّلامةِ من ذا لا يُرجّيها؟
أودى به الهمُّ والأيام عابسة=في وجههِ السّمْحِ ما أنكى لياليها!