لا تعذلِ العينَ أن أرختْ عَزاليه=فالشوقُ سائقُها والبَيْنُ مُجريها والهمُّ يُسهدُها والطيفُ يُسعدُه=والدمعُ ينجدُها والوعدُ يُغريها وللأماني بها في كلِّ آونَةٍ=وحيٌ يقرّبني منها ويُقصيها إنّي على العهدِ ما ناحتْ مُطَوَّقَةٌ=تبثُّ للنفسِ أشجاناً فتُشجيها وحدي بدائيَ لا أشكو إلى أحدٍ=لعلَّ صبريَ دون الناسِ يُسليها إنّ الليالي عجيباتٌ خلائقُه=ترمي المحبَّ بسهمٍ من تجافيها يا ليتَ ذا السهمَ يوري قلبَ عاذلتي=بجذوةٍ أو لعلَّ السهمَ يُصليها أقلّبُ الطرفَ لا داراً أٌسائله=ولا رسوماً عسى أشكو لعافيها أبيتُ والليلُ بالظلماءِ ملتحفٌ=والأرضُ بالثلج قد غطّت روابيها مثلَ السّليم ضجيعَ الهم ِّمفترش=جمرَ الضلوعِ فتكويني وأكويها وقد يعنُّ صدى صمتٍ فيحسبهُ=سمعي سميراً سعى للنفسِ يلهيها فاستفيقُ على الأنفاسِ لاهبُه=سوطُ العذابِ وذاك الصمتُ يذكيها وتستهلُّ مصوناتٌ أضَنُّ به=لوقفةٍ عند من أهواهُ أبديها حسرى فتعرف كم قاسيتُ من سَقَمٍ=وبالمدامع حسبي أن أحيّيها لا يعرفُ الحبَّ من ذاقت نواظرُهُ=طعمَ المنام وما ذابتْ مآقيها ومنْ يَرَ العشقَ في طرفٍ به حَوَرٌ=أوْ قدِّ بانٍ فقد أعياهُ تشبيها فما لقيسٍ سوى ليلاهُ من شُغُلٍ=في كلِّ شيءٍ يرى ليلى فيبكيها ولا يُلامُ أخو عبسٍ إذا برقت=بيضُ السيوفِ بومْضٍ من تجلّيها أنْ يوسعَ السيفَ لثماً أو يعانقهُ=فإنما العشقُ أنْ تفنى بما فيها إني سلكتُ دروبَ العشقِ مُرديةً=والعشقُ بالنفسِ دون الموتِ يلقيها وما شقيتُ فلي شوقٌ يؤانسني=في وحشةِ الدربِ أو ذكرى أناجيها برغم ما ذقتُ من دهرٍ أكابدُهُ=شتّى الصروفِ وأسقام ٍأقاسيها ولي من الأمسِ أشجانٌ تكدِّر لي=سوانحَ الصَّفْو إنْ مرّتْ بناديها والخالياتُ من الأيامِ قد رحلتْ=ملأى الهموم وقد أودتْ دواهيها لم يُبْق لي الدهرُ في الأفراح من وَطَرٍ=حتى كأنّي بلا قلبٍ ألاقيها لا أرتجي الدهرَ يوماً أن يُسالمني=وآل أحمدَ بالأرزاء يرميها آلُ الرسول وهم أهلُ الكِسا وبهم=باهى الملائكَ فوق العرشِ باريها هم حيدرُ الطهرِ والزهراءُ فاطمةٌ=والمجتبانِ من الدنيا لهاديها ريحانتا أحمدٍ أبناءُ زهرتهِ=خيرُ الورى بعدَهُ مَنْ ذا يُدانيها؟ من أنزل اللهُ في القرآن حبَّهمُ=فرضاً على الناسِ دانيها وقاصيها مَنْ أذهبَ الرّجسَ عنهم ثمَّ طهَّرهم=من كلِّ موبقةٍ لطفاً وتنزيها سادوا البريَّةَ في علمٍ وفي عملٍ=سلِ المكارمَ من أزجى غَواديها؟ عِدْلُ الكتابِ ولولا سَيْبُ نائلِهِم=لم يرعوِ الناسُ عن غيٍّ يُداجيها الناطقونَ إذا آياتُهُ صمتَتَ=والراشدونَ إلى أقصى مَراميها قد خصَّها الله بالقرآنِ إذ ورثتْ=أجرَ الرسالةِ عن فخرٍ ليجزيها وهم إلى الله أبوابٌ مفتَّحةٌ=وبابُ حِطّةَ في أمنٍ تُحاكيها فُلْكُ الأمانِ لأهل الأرضِ من غرقٍ=تباركَ الله مُجريها ومُرسيها لم ينجُ كنعانُ إذ آوى إلى جبلٍ=وإنّما الماءُ قد غطّى رواسيها وقد نجا نوحُ بالفلكِ التي حملت=من كلِّ زوجينِ واخُسْراً لجافيها وهم نجاةُ الورى من كلِّ غائلةٍ=لم تُبقِ للدينِ والدنيا عَواديها وما نجا من لظى من كان شانِئَه=ولا عدتْ جنّة من كان راجيها جزاهمُ اللهُ أجراً كلَّ مَكْرُمَةٍ=مَنْ ذا مِنَ الخلقِ في فضلٍ يُباريها؟ قد باهل الله نجراناً بفضلهمُ=إذ لم يكن في الورى شأواً يضاهيها فاختار بين النساءِ الطهرَ فاطمةً=والشبَّرينِ من الأبنا ثقفّيها ونفسَهُ حيدراً أكرمْ بحيدرةٍ=فخابَ نجرانُ وانصاعتْ لداعيها وخيَّبَ الشركَ من بالبيتِ مولدُهُ=وتلك أكرومةٌ سبحانَ موليها قد خصَّها اللهُ بالمولى أبي حسنٍ=دون الخلائقِ فازدانتْ براعيها واستبشرَ البيتُ إذ أمَّتهُ فاطمةٌ=وداعيَ اللهِ بالبشرى يوافيها وافترَّ عن آيةٍ للآنَ ظاهرةٍ=هيهاتَ ما تلكمُ الأستارُ تخفيها تنبيكَ أنَّ لأهلِ البيتِ مرتبةً=فوق المراتبِ لا تُرقى مَراقيها ذي مريمٌ حينما وافته خائفةً=إذ جاءها الطَّلْقُ هلا كان يؤويها؟ هزّي إليك بجذعِ النَّخلِ والتمسي=سَقْطَ الثمارِ بذا أضحى يناديها أما لعيسى نبيِّ اللهِ من خطرٍ=يسمو بمريمَ حيث البيتُ يحميها؟ جاءته فاطمُ والبشرى تلكلِّله=تاجاً من الفخرِ والدنيا تغنّيها تدعو الإلهَ بقلبٍ مؤمنٍ لَهِجٍ=وخالقُ الكونِ سَمْتَ البيتِ يدنيها فضمَّها البيتُ والأملاكُ محدقةٌ=ترقَّبُ الوعدَ إنَّ الوعدْ آتيها فشعَّ في الكعبةِ الغرّاءِ مُشْرِقٌه=نوراً لنائرةِ الطغيانِ يطفيها تفتَّق البيتُ عن وجهٍ بطلعتهِ=يُغني عن الشمسِ في لطفٍ يضاهيها وأسفرَ الافقُ عن شمسٍ يجلّلُه=وجهُ الوصيِّ وبالأنوارِ يَقريها بهيبةٍ تُطرقُ الابصارَ لا رَمَد=وإنما الشمسُ لا تبدو لرائيها رأى الإلهَ فلم يسجدْ إلى صنم=وكيف يسجدُ من وافى ليُفنيها من سبَّحَ اللهَ قبل الخلقِ في حُجُب=مع النبيِّ لِذاتِ الله تنزيها وقبل آدمَ كان النورَ متّحد=بنورِ أحمدَ توحيداً لمُنشيها ترشَّح الخلقُ من نورَيْهما فبد=مثلَ الأظلّةِ والإمكانُ يحويها فالممكناتُ وقد جاءت على رُتَبٍ=من الكمالِ ظِلالُ النورِ تحكيها تسترفدُ الفيضَ من إشراقِ طلعتِهِ=ثرّاً من اللطفِ عن فقرٍ ليغنيها تبارك الله إذ أولى أبا حسنٍ=ذاتاً لها الوصفُ لا يحوي تناهيها لا يُدرَكُ الوصفُ في ذاتٍ لها صورٌ=شتّى معالمُها والغيبُ يطويها في كلِّ شيءٍ له سرٌّ سرى فغدت=من ملكِهِ فهو دون السرِّ يُجليها هذا الوصيُّ وخيرُ الناسِ قاطبةً=من بعد أحمدَ قد وافى ليهديها فبارك المسجدُ الأقصى بمولدِهِ=الكعبةَ الطهرَ إذ تمَّت معاليها وأقبلتْ تحمل التوحيدَ فاطمةٌ=وأقبل المجدُ محبوراً يُهنّيها أمُّ الكرامِ وفرعُ الطيبِ من أسدٍ=وجدُّها هاشمٌ بالبرِّ يُصفيها خيرُ البنين لها طه فتغمره=سَيْبَ الحنانِ بفضلٍ من تفانيها إن قال أمّاهُ لبَّتهُ مُسارِعَةً=وإنْ دعتهُ إلى أمرٍ يُلَبّيها غذَّتهُ عطفاً بما جادت خلائِقُه=ولم يزل يرتوي من عذب صافيها حتى إذا حُمِّلَ الهادي أمانتهُ=وأُنزلَ الوحيُ بالآياتِ، يُمليها جاءته دونَ نساءِ العالمينَ وقد=شاءَ الإلهُ بفضل السَّبقِ يوليها تتلو خديجةَ إيماناً وسابقةً=دونَ النساءِ وهذا الفضلُ يكفيها وهاجرتْ في سبيلِ الله حاملةً=همَّ الرسالةِ إذ باتت تُراعيها وحُمّلت في حصار الشِّعْبِ ما حملت=من المكارهِ في صبرٍ تقاسيها قاست كما زوجُها، فالله شاهدُه=والصبرُ رائدُها والرشدُ ساعيها هذا أبو طالب حامى بمنعته=عن النبوّة في قومٍ يُجاريها ومثله كان أهلُ الكهف إذ نصرو=دين الإلهِ وذا الفرقانُ يُبديها آووا إلى الكهفِ في صمتٍ وأمرهُمُ=عن الأنام خفيٌّ لا يماريها إنّ الحصافةَ وضعُ الشيء موضعَهُ=ويُبلغُ النفسَ ما شاءت أمانيها تلكم قريشٌ ترى المختارَ من كثبٍ=يُبيد ما ساءه منها فيخزيها ظنّت بهاشم ظنَّ السّوء فابتدرت=إلى الرسالة بالعدوان ترميها ظنّت بأنَّ رسولَ الله يسلبه=باسم النبوّة مجداً في مغانيها فعاجلته بغدرٍ لا قرارَ له=إلا بهاشمَ أن تُبدي فتُفنيها وجاء دورُ أبي الكرّار مُستلب=ما كان يُقلقها أو كان يُغريها فأضمر الدينَ كي يحمي بقيَّته= من كلِّ نائبةٍ من بأس شانيها إنّ السياسةَ إن أبدت قوادمَه=للناظرين فقد أخفت خَوافيها ما ساد بالمال في قومٍ مبادؤهم=قامت عليه وما جازت مَباديها وإنما ساد بالأخلاقِ فانبجست=عينُ النباهةِ في حلمٍ يُداريها وساس منها نفوساً لا شفاءَ له=علّ الزمان من الأدواءِ يَشفيها رعى النبيَّ ولم يُسلمْهُ منفرد=للضّارياتِ ولنْ يخشى تحدّيها حامى وراعى وما لانت عزيمتُهُ=ما كان بالكفر بل بالرشد يُمضيها لِمْ لا يُعينُ على المختار متَّخذ=درب السّلامةِ من ذا لا يُرجّيها؟ أودى به الهمُّ والأيام عابسة=في وجههِ السّمْحِ ما أنكى لياليها!

Testing
عرض القصيدة