غُصنٌ مِن غابةِ الغيبِ
سنة 2016
زرَعْتَ في حُلْمِ بُستانِ الإبا شجرَكْ=فكربلاؤكَ للعَطشى غَدَتْ مطرَكْ
في عرصةِ الطَّفِّ ماءُ النَّهْرِ منجرحٌ=يشتاقُ مِنْ بينِ فرسانِ السَّما قمرَكْ
وظَلَّ يشتلُ في الأصداءِ ذاكرةً=كالوحْيِ يَخضرُّ معنًى إذا عَبرَكْ
وكانَ دولابُ عاشوراءَ في عَجَلٍ=يدورُ .. لكنَّهُ قد باتَ منتظِرَكْ
كانَ الزَّمانُ بعيرًا ماشيًا أبدًا ..=وعند يومِكَ مضطرًّا هناكَ بَرَكْ
سَهِرتَ، كانَ دويُّ النَّحلِ ليلتَها=يَلمُّ مِن رمشِ قرآنِ الدُّجى سَهرَكْ
ربطتَ سيقانَ جسْمِ الليلِ فاتَّأَدَتْ=وخبَّأتْ بينَ طيَّاتِ الرُّؤَى ظفرَكْ
تغمِّسُ الصَّمتَ في ماءِ الفراغِ إلى=أن حدّثَ الصَّمتُ في إيمائِهِ نهَرَكْ
موّالُ عرفانِكَ المخبوءُ سالَ على=أرضِ العراقِ، ففاضَتْ أغنياتُ بُرَكْ
غنّى الخلودُ بقيثارِ الدِّما بطلًا=فاختارَ مِنْ بينِ أوتارِ السَّما وتَرَكْ
تسوَّرَتْ نغماتُ الغيبِ إذ دَلقتْ=قِيثارةُ الطفِّ ما ينتابُها جُدُرَكْ
تستافُ ذاكرةُ العرشِ الذي اقتطفَتْ=ألحانُهُ ملكوتًا أبيضًا زهَرَكْ
وطيفُ خِنْصَرِكَ المبتورِ تبذرُهُ=ذكرى ترتِّلُ أحلامَ الأسى ذكرَكْ
أوحى النجيعُ بعرْصاتِ الطفوفِ إلى=نبوَّةٍ منْ إباءٍ قُدِّسَتْ سِوَرَكْ
حفَرْتَ بئرَكَ في تُرْبِ الظّلالِ لكي=يزورَ زمزمُ ضوءِ المنتهى حُفَرَكْ
عبَّأتَ بلُّورَ بوحِ الظلِّ مِنْ قَصصٍ=توقَّدتْ حينَ مسَّتْ في اللّظى سمَرَكْ
وثَمَّ جِلْدُ جحيمٍ يقشعرُّ إذا=تلتْ ملامحُ عاشورائِها خبَرَكْ
فكنتَ مِنْ جسْمِ عاشوراء ظَهْرَ هُدًى=وفي الظهيرةِ رُزءُ الشَّطِّ قد كسَرَكْ
عفوًا، أهلْ قلتُ: إنَّ الظهرَ منكسرٌ=فالانكسارُ صمودًا دبَّ وابتكرَكْ
يُقالُ : إنكَ كونٌ قد غدا بشرًا=فزَّ الملائكُ فيهُ خالَطُوا بشَرَكْ
ناديتُ مارِدَ اشعاري ليُسعفنِي=وكفُّ شِعْري بفانوسِ الخيالِ فرَكْ
تفصّدتْ مُدُنُ الرُّؤيا وقد قَبَضَتْ=مِنْ تحتِ صاهلِ غيبٍ جامحٍ أثرَكْ
سفائنُ الوجْدِ صَوْبَ الطفِّ تُبحرُ في=بحْرِ المجازِ إلى أنْ عانَقَتْ جزرَكْ
غاصَ الشُّعورُ بقيعانِ الخيالِ ومِنْ=محَارِ دمعٍ وفكرٍ يجتلي دُرَرَكْ
تذوَّقتْ طعمَ ريحٍ حامضٍ رئةٌ=لم تستسِغْ مِنْ جَنى أنفاسِها عِبَرَكْ
يظلُّ ظمآنَ مَنْ لم يرتشِفْ ظمأً=وَغامضًا كلُّ مَنْ لم يكتشِفْ ثمرَكْ
أشاعكَ اللهُ للأكوانِ نافذةً=ضوئيةً ضلَّ مَنْ في مذهبٍ حصَرَكْ
دنَا سؤالٌ نُحاسِيٌّ إلى لُغتي .. هلْ=في المعاجمِ إعجازٌ فيختَصِرَكْ؟
هل استشاطتْ بصدْرِ الخلْدِ فكرتُهُ=حتَّى تَمَسَّ بميقاتِ النُّهى فِكَرَكْ؟
خبَّأتَ صوتَكَ في جيبِ الرِّياحِ، فهلْ=طلعْتَ سيفًا، رأيتُ اللهَ قد شهَرَكْ؟
ما احتزَّ شمْرٌ بوادي كربلا عُنقًا=بل إنَّ نارَ المعالي بَخَّرتْ شَمِرَكْ
في الصَّدرِ غابةُ غيبٍ قيلَ قد طُحِنتْ=وحافرُ الخيلِ في تِربانها نَثَرَكْ
جهدتُ أرمقُ .. والمرآة ُ ترسُفُ في=دُخانِ ألوانِها، لِمْ لا أرى صُوَرَكْ؟
حدّقْتُ حدّقتُ حتَى مقلتي ارتَبَكَتْ=هلَّا أعَرْتَ لعينَيْ خاطري نَظَرَكْ
أودُّ أُبصرُ ما معنى حقيقتِكُمْ=جفنِي صغيرٌ فهل يَقوى يَرَى كِبَرَكْ؟