النَّازِعَاتُ فَضْلُها جَلِيُّ
مِيزانُ مَنْ يقرؤُها وَفيُّ
حِسابُهُ يَسيرُ في القِيامةْ
يومٌ بهِ سَتكثُرُ النَّدَامَةْ
قارؤُها سَوفَ يكونُ ريَّانْ
في موتِهِ وبَعثهِ والجِنانْ. (١)
مَلائكٌ تَنزعُ طَائِعينا
أرْوَاحَ كُفارٍ ومُجرِمينا
والنَّازِعَاتُ تَنزعُ الأروَاحَا
بشدَّةٍ إذا المنونُ لاحَا. (٢)
والمؤمنونَ روحُهُم خفيفةْ
تَخرجُ في مشاهدٍ لطيفةْ
تُخرِجُها ملائكٌ رحيمةْ
حيثُ قلوبُهُمْ بدَتْ سَليمةْ
والنَّاشطاتُ أدَّتِ المُهمَّةْ
لمُؤمنٍ كَانَ الغفورُ همَّهْ. (٣)
والسَّابحاتُ قد أتتْ سَرِيعةْ
ملائكٌ سابقةٌ مُطيعةْ. (٤)
وخالقُ الحياةِ والمماتِ
أقسَمَ ربي بالمُدَبراتِ
فُسِّرتِ الآياتُ بالنُّجومِ
وبالمجاهدينَ في الهُجُومِ. (٥)
تَرقَّبُوا إن أتَتِ الراجِفةْ
والصيحةُ الثانيةُ الرادفةْ
قلوبُ قومٍ حينَها وٌاجِفةْ
وفي اضطرابٍ قد بَدَتْ خَائفةْ
أبصارُها من خوفِها خاشعةْ
مَرعوبةٌ هَائمةٌ ضَائعةْ. (٦)
كانتْ تقولُ وهي مُستهترَةْ
هلٰ نحنُ مَردودونَ في الحافرةْ؟
أجسادُنا سوفَ تكونُ باليةْ
عظامُنا سوف تكونُ خاويةْ
نَعمْ تعودونَ بأمرِ الخالقِ
مَن أبدعَ الخلقَ بماءٍ دَافقِ. (٧)
بزجرةٍ واحدةٍ وظاهرَةْ
سوفَ تكونونَ بٱرضِ الساهرَةْ
عُدتمْ لنا لساحةِ القيامةْ
يومٌ بهِ لا تنفعُ النَّدامةْ. (٨)
وهلْ سمعتَ ما جَرَى لمُوسى
وهو الكَليمُ كلَّمَ القُدُوسَا
وربُّهُ ناداهُ في وادي طُوَى
إذهبْ إلى فِرعونَ إنَّهُ طَغَى
وقلْ لَهُ قولًا لطيفًا لينَا
كَي يتَزَكَّى ويكونَ مؤمنَا
كَي يَهتدي لِرَبِّهِ ويَخْشَى
والظالِمُ الطَّاغي يكونُ وَحشَا
أراهُ مُوسى آيةَ الإلهِ
كَذَّبَ كانَ بالغُرورِ لَاهِ
ثم عَصَى الربَّ العَظيمَ الأحَدَا
ولم يَكُنْ مُستَسْلمًا مُوَحِدَا
عَصَى وأدبرَ اللئيمُ يَسْعَى
لَمُ يُجْدِهِ الوَعظُ الكَرِيمُ نفعَا
رَبْكمُ الأعْلى أنا يقولُ
كَذَّبَ إذ جَاءَ لهُ الرَّسولُ
كانتْ لهُ عاقبةُ النَّكَالِ
دنيا وأخرَى كانٌ في ضَلالِ
فاعتبِرُوا من هذه العِظَاتِ
وفكروا في نَكْبَةِ الطُغاةِ. (٩)
إنَّ الذي قدْ رَفَعَ السَّمَاءَا
أحْكَمَهَا وأبدَعَ البِنَاءَا
ولَيلَها أغْطَشَ بالظَّلَامِ
وأخْرَجَ الضُّحَى إلى الأنَامِ
والأرضُ بانبسَاطةٍ دَحَاها
انعامُنا تاكلُ من مَرعَاهَا
وأخْرَجَ المَاءَ وأرسى الجِبالْ
ثابتةً سبحانَهُ ذو الجَلالْ
لقادرٌ أن يبعثَ الأمواتَا
وان يبثَّ فبهمُ الحَياة. (١٠)
إن جاءتِ القيامةُ العظيمةْ
يَندمُ مَنْ أفعالُهُ لَئيمةْ
هل خافَ من ذنوبٍهِ وهل وَعَى
يومئذٍ يذكرُ ما كانَ سَعَى
ويلّ لهُ بُرِّزتِ الجحيمُ
لمنْ يَرَى وهولُها عَظيمُ. (١١)
وإنَّها المأوى لكلِّ طَاغِ
غرَّتهُ دنياهُ وكلِّ بَاغِ
أمَّا الذي خَافَ مَقامَ ربِّهِ
وخَافَ من عصيانِهِ وذنبِهِ
ومَن أتى مُخالفًا هَواهُ
تلكَ الجنانُ أصبحتْ مَأواهُ. (١٢)
قالوا متى الساعةُ يا مُحمدْ؟
وعِلمُها عندَ الإلهِ الأوحدْ
وإنَّما تتذرُ مَن يَخْشَاهَا
دُنياكمُ قد بَلغتْ مَدَاهَا
كأنَّكُم لم تَلبثُوا فيها سُوى
عشيةً قد انقضتْ أو الضُّحَى. (١٣)
Testing
(١) قال في الأمثل: وروي عن النّبي (ص)، أنّه قال: "من قرأ سورة والنازعات لم يكن حبسه وحسابه يوم القيامة إلاّ كقدر صلاة مكتوبة حتى يدخل الجنّة". وعن الإمام الصادق (ع) ، أنّه قال: "مَن قرأها لم يمت إلاّ ريّان، ولم يبعثه اللّه إلاّ ريّان، ولم يدخله الجنّة إلاّ ريّان".
(٢) في إشارة إلى قوله تعالى : (وَالنَّزِعَاتِ غَرْقاً)، قال في الأمثل : إنّ القسم المذكور يتعلق بالملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفّار والمجرمين، ولكون تلك الأرواح قد رفضت التسليم للحق، فيكون فصلها عن أجسادها بشدّة.
(٣) في إشارة إلى قوله تعالى: (وَالنَّاشِطَتَ نَشْطاً)، قال في الأمثل : ويتعلق كذلك، بالملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين برفق ويُسر، وسرعة في إتمام الأمر.
(٤) في إشارة إلى قوله تعالى : (وَالسَّابِحَتِ سَبْحاً) قال في الأمثل : والملائكة التي تسرع في تنفيذ الأوامر الإلهية.
(٥) قال في الأمثل : الأوّل: إنّ القسم المذكور يتعلق بالملائكة الموكلة بقبض أرواح الكفّار والمجرمين، ولكون تلك الأرواح قد رفضت التسليم للحق، فيكون فصلها عن أجسادها بشدّة. ويتعلق كذلك، بالملائكة الموكلة بقبض أرواح المؤمنين برفق ويُسر، وسرعة في إتمام الأمر. والملائكة التي تسرع في تنفيذ الأوامر الإلهية. ثمّ الملائكة التي تتسابق في تنفيذ الأوامر الإلهية. وأخيراً، يتعلق القسم بالملائكة التي شؤون العالم بأمره سبحانه وتعالى.
الثّاني: تعلق القسم بالنجوم التي تغرب من اُفق لتنتقل إلى اُفق آخر وبحركة دائبة لا تعرف السكون. فبعض منها تمشي الهوينا، والبعض الآخر واسعة الخطوات. وتراها سابحة في السماء. وتتسابق فيما بينها. وأخيراً، تشترك في تدبير اُمور الكون، بما لها من تأثيرات، (كنور الشمس وضياء القمر بالنسبة إلى الأرض).
الثّالث: تعلق القسم بالمجاهدين في سبيل اللّه، أو بخيولهم الخارجة من أوطانهم بعزم شديد لتجول في ميادين القتال بنشاط وتمكن.و... تتسابق فيما بينها... مع الجول والتسابق تعمل على إرادة وتدبير اُمور الحرب.
(٦) في إشارة إلى قوله تعالى :( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرِّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَومَئِذ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَرُهَا خَشِعَةٌ (9))
(٧) في إشارة إلى قوله تعالى : (يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحَافِرَةِ (10) أَءِذَا كُنَّا عِظَماً نَّخِرَة (11) قَالُواْ تِلْكَ إِذَاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
(٨) في إشارة إلى قوله تعالى : ( فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13) فإِذَا بِالسَّاهِرَةِ (14).
(١٠) في إشارة إلى قوله تعالى : ( ﴿ءَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَهَا (29) وَالاَْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَهَا (32) مَتَعاً لَّكُمْ وَلاِءَنْعَمِكُمْ (33)) وقال في الأمثل : وابتدأ الخطاب باستفهام توبيخي (لمنكري المعاد) هل أنّ خلقكم (وإعادتكم إلى الحياة بعد الموت) أصعب من خلق السماء: (أأنتم أشدُّ خلقاً أم السماء بناها) والآية في واقعها جوابٌ لما ذكر من وقولهم في الآيات السابقة: (أإنّا لمردودون في الحافرة) - أي هل يمكن أن نعود إلى حالتنا الاُولى - فكلّ إنسان ومهما بلغت مداركه ومشاعره من مستوى، ليعلم أنّ خلق السماء وما يسبح فيها من نجوم وكواكب ومجرّات، لهو أعقد وأعظم من خلق الإنسان... وإذاً فَمَن له القدرة على خلق السماء وما فيها من حقائق، أيعقل أن يكون عاجزاً عن إعادة الحياة مرّة اُخرى إلى الناس؟!
(١١) في إشارة إلى قوله تعالى : ﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطَّامَةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الاِْنْسَنُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36).