مَنْ رُزِقَ التَّوفِيقَ يَتْلُو عَبَسَ
يُشْعِلُ في دَربِ الهُداةِ القَبَسَ
يَأتي بيومِ الحَشرِ مُسْتَبْشِرَا
وَوَجْهُهُ الضَّاحِكُ قدْ نُوِّرَا. (١)
قد عَبَسَ العَابسُ إذْ تَوَلَّى
لمَّا أتى الأعْمَى يقولُ قَولَا
لَعَلَّهُ جاءَ بِقصْدِ التَّزكيةْ
لكي تكونَ نفسُهُ مُهْتدِيَةْ. (٢)
تنفعُهُ الذكرى إذا تَذَكَّرَا
لكي يكونٌ صابرًا أو شاكِرَا. (٣)
واختلفوا في سببِ النزولِ
وَفُسِّرَ العابسُ بالرَّسُولِ. (٣)
وجعفرُ الصَّادقُ في البَيانِ
أنكرَهُ بِواضِحِ التِّبيانِ
وقالَ كانَ من بني أميَّةْ
العابسُ فَأوضَحَ القَضِيةْ
حينَ أتى لهُ ابنُ أمٍّ مَكتومْ
والعَبْسُ في وَجهِ الفَقيرِ مَذمُومْ
وإنَّ أحمدًا نبيٌ كريمْ
ذو خُلُقٍ بينَ البَرَايا عَظِيمْ.(٤)
أما مَنِ استغنى ومَنْ تَكبَّرْ
ذَكِّرْهُ، قد فَازَ الذي تَذَكَّرْ
إنْ أعرضَ السَّامعُ عن موعظَتِكْ
فأنتَ قد قُمتَ بمسؤوليَّتِكْ. (٥)
أمَّا الذي جاءَ بنفسٍ خَاشيةْ
فلا تقابلْهُ بنفسٍ لاهيةْ
مشغولةٍ عَنهُ بِما سواهُ
جاءَكَ يَسعى مُبتغاهُ اللهُ. (٦)
قد وُصِفَ القُرآنُ بالتذكرَةِ
خذْ مِنهُ أغْلى حِكمةٍ وعِبْرةِ
من دُونِ إكرَاهٍ ولا إجبَارِ
تعرَّضُوا لنَفحةِ الغفَّارِ
قرآنُنا في صُحفٍ مكرَّمةْ
سَاميةٍ مَرفوعةٍ مُعظَّمةْ
انزلَهُ اللهُ بأيدي سَفَرَةْ
مُؤتمنينَ، هُمْ كِرامٌ بَرَرَةْ. (٧)
مِن أيِّ شيء خُلِقَ الإنسانُ
من نُطْفةٍ ضَعيفةٍ تهانُ
صوَّرهُ ربُ السَّمَا فَقَدَّرَهْ
جحودُهُ دمٌّرَهُ ما أكفرَهْ
وربُّهُ الى السَّبيلِ يَسَّرَهُْ
أماتَهُ المُمِيتُ ثمَّ أقبرَهْ
جثتُهُ هامدةٌ في المَقبرَةْ
ثمَّ إذا شاءَ القديرُ أنشرَهْ.(٨)
فلينظرِ المرءُ إلى طَعَامِهِ
سبحانَهُ المُبدِعُ في نظامِهِ
والبَاقرُ قد فَسَّرَ الطَعَامَا
بالعِلمِ فابْعثُوا لهُ السَّلامَا
عِلمُكَ هل فكَّرتَ مِنْ أينَ أتى؟
فكنْ حريصًا مستقيمًا يا فَتَى
وإنَّما العِلمُ غِذاءُ الروحِ
فَلتَرْتَقِ في سُّلَّمِ الطُمُوحِ. (٩)
إلهُنَا صبَّ المِياهَ صبَّا
من السَّماءِ، الماءُ كانَ عَذْبَا
وخالقُ الرَّعدِ يشقُّ بَرْقَا
والأرضُ شَقَّها العَظِيمُ شَقَّا
سُبحانَهُ أنْبَتَ فيها الحَبَّا
أخرجَ منها عِنَبًا وقَضْبَا
والتِّينَ والزيتونَ والنخيلَا
حيثُ ترى جذعًا لها طَويلَا
قد أنبتَتْ فَاكِهةً وَأبَّا
والحَقلُ بالزُّروعِ كان خَصبَا. (١٠)
وفي غدٍ إنْ جاءتْ القِيامَةْ
ونفخةُ الصُّورِ لها علامةْ
وصخَّ صَوتُ الصُورِ في الأسْماعِ
صوتٌ شديدٌ كان بارتِياعِ
يوم يَفِرُّ المرءُ من أخيهٍ
من فَزَعٍ يَفِرُّ من أبيهِ
من أمهِ يَفِرُّ من صاحبتِهْ
يَفِرُّ من بَنيهِ من قَبيلتِهْ
فكلُّ فردٍ شأنُهُ يُغنيهِ
مَذهولُ من هولٍ يعيشُ فِيهِ. (١١)
هُناكَ تلتقي الوُجُوهُ المُسفرَةْ
سَعيدةً ضاحكةً مستبشرَةْ
أمَّا وُجوهُ الظالمينَ الكفرَةْ
سوَّدَها الذلُّ عليها غَبرَةْ
ظالمةٌ قد أرهَقَتْها قَتَرَةْ
ويْلٌ لكلِّ المجرمينَ الفَجَرَةْ. (١٢)
Testing
المصادر :
(١) في الأمثل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "من قرأ سورة "عَبَسَ" جاء يوم القيامة ووجهه ضاحك مستبشر"
(٢) في إشارة إلى قوله تعالى : ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَآءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3))
(٣) يراجع اختلاف المفسرين في سبب النزول في تفسير الأمثل في ديل الآية ابكريمة ( عبس وتولى).
(٤) قال في الأمثل : والرأي الثّاني في شأن نزولها: ما روي عن الإمام الصادق (ع): "إنّها نزلت في رجل من بني اُميّة، كان عند النّبي، فجاء ابن اُم مكتوم، فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه عبس وأعرض بوجهه عنه، فحكى اللّه سبحانه ذلك، وأنكره عليه"... وقال في الأمثل : ويحتجّ الشريف المرتضى على الرأي الأوّل، بأنّ ما في آية (عبس وتولّى) لا يدل على أنّ المخاطب هو النّبي (ص)، حيث أنّ العبوس ليس من صفاته مع أعدائه، فكيف به مع المؤمنين المسترشدين! ووصف التصدّي للأغنياء والتلهي عن الفقراء ممّا يزيد البون سعة، وهو ليس من أخلاقه (ص) الكريمة، بدلالة قول اللّه تعالى في الآية (رقم 4) من سورة (ن)، والتي نزلت قبل سورة عبس، حيث وصفه الباري: (وإنّك لعلى خلق عظيم).
(٥) في إشارة إلى قوله تعالى : (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) قال في الأمثل : ويستمر العتاب...: (أمّا من استغنى)، مَنْ اعتبر نفسه غنياً ولا يحتاج لأحد. (فأنت له تصدّى)، تتوجّه إليه، وتسعى في هدايته، في حين أنّه مغرور لما أصابه من الثروة والغرور يولد الطغيان والتكبر، كما أشارت لهذا الآيتان (6 و 7) من سورة العلق: (... إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى). (وما عليك ألاّ تزّكّى)، أي في حين لو لم يسلك سبيل التقوى والإيمان، فليس عليك شيء. فوظيفتك البلاغ، سواء أمن السامع أم لم يؤمن.
(٦) في إشارة إلى قوله تعالى : وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)). قال في الأمثل : ويأتي العتاب مرّة اُخرى تأكيداً: (وأمّا مَنْ جاءك يسعى)، في طلب الهداية...(وهو يخشى) (5)، فخشيته من اللّه هي التي دفعته للوصول إليك، كي يستمع إلى الحقائق ليزكّي نفسه فيها، ويعمل على مقتضاها. (فأنت عنه تلهى) ويشير التعبير ب "أنت" إلى أنّ التغافل عن طالبي الحقيقة، ومهما كان يسيراً، فهو ليس من شأن من مثلك، وإنّ كان هدفك هداية الآخرين، فبلحاظ الأولويات، فإنّ المستضعف الظاهر القلب والمتوجه بكلّه إلى الحقّ، هو أولى من كلّ ذلك الجمع المشرك. وعلى أيّة حال: فالعتاب سواء كان موجه إلى النبيّ (ص) أو إلى غيره، فقد جاء ليكشف عن اهتمام الإسلام أو القرآن بطالبي الحق، والمستضعفين منهم بالذات.
(٧) في إشارة إلى قوله تعالى : (كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ (12) فِى صُحُف مُّكَرَمَة (13) مِّرْفُوعَة مُّطَهَّرَة (14) بِأَيْدِى سَفَرَة (15) كِرَام بَرَرَة (16)).
(٨) في إشارة إلى قوله تعالى : ( قُتِلَ الاِْنْسِنُ مَآ أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَىِّ شَىء خَلَقَهُ (18) مِنْ نُّطْفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنْشَرَهُ (22))
(٩) في إشارة إلى قوله تعالى : (﴿فَلْيَنْظُرِ الاِْنْسَنُ إِلَى طَعَامِهِ (24))، قال في الأمثل : ومن هذه الروايات ما روي عن الإمام الباقر (ع) في تفسير الآية، إنّه قال: "علمه الذي يأخذه عمن يأخده".
(١٠) في إشارة إلى قوله تعالى : (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبَّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الاَْرْضَ شَقَّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبَّاً (26) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُونَاً وَنَخْلاً (29) وَحَدَآئِقَ غُلْباً (30) وَفَكِهَةً وَأَبَّاً (31) مَتَعاً لَكُمْ وَلاَِنْعَمِكُمْ (32))
(١١) في إشارة إلى قوله تعالى : ( فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37))
(١٢) في إشارة إلى قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذ عَلَيٌهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)).