يا سيّد الماء (في مولد سيدنا أبي الفضل العباس بن علي ع) مرتضى الشراري العاملي
يا سيّدَ الماء
في مدح مولانا أبي الفضل العباس
عليه السلام
قبّلْ مِدادَكَ سعداً أيّها الورقُ = و راقص الشمسَ والأقمارَ يا أفُقُ
وانشرْ جناحَك يا طيرَ الهدى فرَحاً = وضُعْ كما لم تكن قد ضُعْتَ يا عَبَقُ
واستمهلي الشمسَ يا بسماتِ فرحتِنا = يُغني عن الشمسِ في بسماتِنا الألَقُ !
إنَّ الوفاءَ بهذا اليوم مولدُه = فيفرح الفجرُ، والإصباحُ، والغسَقُ
أبو الفضيلةِ والفضلِ الذي رُزِقتْ = به الفضائلُ فانحلّتْ لها الحَلَقُ
عشيرةٌ جلُّها الأقمارُ، إنْ قمرٌ = ينمازُ فيها، و وسْطَ النورِ يأتلقُ
فتلك مرتبةٌ في الحُسنِ باسقةٌ = الخَلْقُ يسطعُ حُسْناً فيها، والخُلُقُ
عبّاسُنا قمرٌ، لو قد بدا قمرٌ = في جنبِه، فَلَما مالتْ له العُنُقُ
كلُّ المكارمِ قد أمّتْ سفينتَهُ = تخشى إذا انتبذتْ يجتاحُها الغرَقُ
يا كافلَ الشمسِ، مذْ فارقتَ قبّتَها = غابتْ سريعاً، وغطّى وجهَها الشفقُ
فارقتَ زينبَ، لولا الدينُ ما غَمضتْ = عيناكَ عنها. وما الأرواحُ تفترقُ
يا ذا الكفيلُ الذي كادت مروءتُه = تُحييهِ إذ أمستْ الصرخاتُ تنطلقُ
واللهِ لولا الردى ما قلقلوا وتَداً = من الخيامِ ولا كانت ستحترقُ
لكنْ مشيئةُ حقٍّ جلَّ مُبرِمُها = سرُّ التفوّقِ بالتسليمِ مُلتصِقُ
نحارُ فيك، أبا الفضلِ الذي فَرَقتْ = منه الجيوشُ، وهانتْ عنده الفِرقُ
تأتي الفراتَ بثغرٍ دكّهُ عطَشٌ = فلم تذقْهُ، وعذبُ الماءِ يأتلقُ !!
لأنّ سبطَ رسولِ الله في ظمأٍ = والشاربُ الماءَ قبلَ السبطِ مُختلِقُ
هذا الوفاءُ بعبّاسٍ كخافقِهِ = غذّاه، حتى انتهى من صدرِه الرَمقُ
وقد تخلّدَ بين الناس يصحبُهم = يفنى الزمانُ، ويبقى ذكْرُه العبِقُ
يا سيّدَ الماءِ، لو قدْ ذُقتَ باردَه = ما كنتَ أنتَ، ولا كنتَ الذي عَشِقوا
هيهاتَ يا ابنَ أميرِ المؤمنينَ، ومَنْ = كفّاهُ مُذْ خُلِقا والفضلُ يندفِقُ
نهرُ الفراتِ، وإنْ لم تُسْقَه فلقد = سقيتَ ماءَه فضْلاً نبعُه غَدَقُ
يا مالئَ الجودِ للعطشى، فمُذ سُكِبتْ = لم يعطشِ الدمعُ في الآماقِ، والحُرَقُ
كم ذا تفجّرَ من نهرٍ إذِ انسكبتْ = فذا إباءٌ، وذا هدْيٌ، وذا ألَقُ
جعلتَ جودَكَ يا عبّاسُ قافيةً = للماءِ، إنْ ذُكِرتْ فالوابلُ الغَدِقُ
أمَّ البنينَ، ولو ما كان مِن وَلَدٍ = إلّا أبو الفضلِ، فالعلياءُ والبلَقُ
فكيف والنُجُمُ الأبطالُ إخوتُه = فذا المقامُ الذي هيهات يُلتَحقُ
لو قد أردتُ سريعَ الشِّعرِ لاندفعتْ = خيلُ القريضِ من الأضلاعِ تنعتقُ
لكنْ أنقّبُ عن معنىً يليقُ به = وسوف يعجزُ حتى الشاعرُ الحذِقُ
طفقتُ أنظرُ نحو الطفِّ أسألُه = بعضَ البلاغةِ، علَّ الشعرَ ينفتقُ
فعانق الطفُّ، كلُّ الطفِّ، قافيتي = أنّى نظرتُ فقد حارتْ بيَ الحَدَقُ
كلُّ البقاعِ أتتْ للشعرِ، وازدحمتْ = تروي معاجزَ مَن إبطاؤُه سَبَقُ
النهرُ طأطأ، والشطآن قد سجدتْ = والإنسُ والجنُّ والأملاكُ قد شَهَقوا
فما رأَوْه أعاجيبٌ بلا عددٍ = وليس من عَجبٍ لو أنهم صُعِقوا
أمّا الشجاعةُ: فالعبّاسُ سيّدُها = وغمدُ سيفِه: فالأحشاءُ والعُنُقُ
مع كلِّ برقٍ بدا من سيفِه هطلتْ = له الرقابُ، وصار الكفرُ يحترقُ
كأنّه الجيشُ لا فرداً يفرّقُهم = لا السيفَ لكنْ لهيبَ الشمسِ يمتشقُ
تلك الفضائلُ لا أسفارَ تجمعُها = يجري المدادُ وإنْ قد أُتخِمَ الورقُ!
أرِقتُ أعجبُ من ماءٍ أريقَ، وما = أُريقَ من مُقلٍ فيه، ومَن رَشَقوا
لو أنهم علموا أنّ الدماءَ لها = ما ليس للسيفِ من نصرٍ لما حَمِقوا
لكنْ أُمِدَّ لهم في غيِّهم، ولقد = توهّموا النصرَ في الوقتِ الذي مُحِقوا
أرِقتُ أنقشُ للعبّاسِ قافيةً = تحلو القوافي له، والنقشُ، والأرَقُ
نجدّدُ الروحَ بالذكرِ الشذيِّ له = والروحُ ثوبٌ، بلا خيطِ الهدى، خَلِقُ
والقاف تسعدُ إذْ غنَّتهُ قافيةً = والبحرُ بَسْطٌ، فلا رهْوٌ، ولا قَلِقُ
قبل القصيدةِ فالقرطاسُ من وَرَقٍ = وبعدَ ذِكرِكَ يا عبّاسُ فالوَرِقُ
يا مَن وَثِقتَ بعبّاسٍ لمسألةٍ = فأنتَ مثلُ الذي بالمُصطفى يثِقُ
بابُ الحوائجِ، لاينفكُّ يبذلُها = فدأبُه الفتحُ والأبوابُ تنغلِقُ
يا سيّدي طلبي أن لا يُرى طلبي = فأنتَ تدري و دأبُ المرءِ ينزلقُ
تسبيحُ ربّي وحبّي للأُلى نَسَقٌ = فرْدٌ، وبلسمُ روحي ذلك النَّسَقُ