معاجزه في النّاس مشهورة
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
مَن يَطلُبِ المَجدَ بِغَيرِ التَّعَبْ=لا بُدَّ أن يَيأسَ مِمَّا طَلَبْ
أنَّى إلى الوَداعِ في راحَةٍ=و مُرتَقى هامٍ عَوالي الرُّتَبْ
لا يَعتُبِ الدَّهرَ إذا مَضَّهُ=فَمَا على الدَّهرِ لَو إن عَتَبْ
قَد عِفتُ في المَجدِ نَعيمَ الوَطَا=و نَغمَةَ العُودِ و بِنتُ العِنَبْ
و الغادَةُ الحَسناءُ ما ضَرَّني=أو سَرَّني مِنها الرِّضا و الغَضَبْ
ما لَذَّتي إلَّا انتِقالي لَهُ=مِن ضَيِّقِ السَّرجِ لِخَشنِ القُتُبْ
كَم مِن هَجيرٍ قَد تَقَحَّمتُهُ=كأنَّما فيهِ شُواظُ اللَّهَبْ
و لَيلَةٍ لَيلاءَ قَد أظلَمَت=و الكَلبُ لا يُبصِرُ فيها الطَّنَبْ
سَلَكتُ في دَيجورِها سارياً=كأنَني السَّيلُ إذا ما انسَكَبْ
يُؤنِسُني سَيفي و رُمحي مَعاً=و سايِحٌ أجرَدُ رَخوُ اللُّبَبْ
لَيسَ بِها حِسُّ أنيسٍ سِوى=عَجيجُ نَضوَى مِن شَديدِ اللَّغَبْ
فَأَترُكِ الأبطالَ في يَومِها=تُطفي بِها الأنسُرُ حَرَّ السَّغَبْ
و رَدَّ مِن دُونِ أبياتِها=صِيَانَةُ العِرضِ و حِفظُ الحَسَبْ
فَهِمَّةُ الماجِدِ مِثلي إذا=حارَبَ في المَسلُوبِ لا في السَّلَبْ
شَغَفتُ بالمَجدِ فَلَم يَكفيني=مِيراثُ آبائي عَنِ المُكتَسَبْ
رَضيتُ بالذِّلَّةِ إن لَم أفُز=مِن دُونِ أقراني بِأَعلى الرُّتَبْ
كَمَا على الأقرانِ مِن قَبلِ قَد=فاقَ بِأَعلى المَجدِ أُمٍّ و أَبْ
أكُفُّهُم يَومَ النَّدى أبحُرٌ=مِن مَدِّها تَدفَقُ عَينُ الذَّهَبْ
و في الوَغَى نيرانُ حَتفٍ مَتَى=تَلقَ العِدا كالنَّارِ تَلقى الحَطَبْ
و إن عَلَت أقدامُهُم مِنبَراً=لِلوَعظِ يَتلونَ فَصيحَ الخُطَبْ
فَكَم قُلُوبٍ صَعبَةٍ قَد غَدَت=ذائِبَةً مِن رَهبٍ أو رَغَبْ
أو يَجلِسُوا يَوماً لِفَضلِ القَضَا=لَم يَترُكُوا الحَقَّ رِضَىً أو غَضَبْ
جَرياً على سُنَّةِ مَولاهُمُ=مُحَمَّدُ المُختارُ فَخرُ العَرَبْ
راقي السَّماواتِ إلى أن دَنَى=مِن رَبِّهِ شأناً و مِنهُ اقتَرَبْ
كَقَابَ قَوسَينِ و أدنى فَيَا=لِرُتبَةٍ فاقَت جَميعَ الرُّتَبْ
حَبَاهُ أخلاقاً كِراماً كَمَا=أدَّبَهُ جَلَّ بِحُسنِ الأدَبْ
ثُمَّ لَهُ فَوَّضَ أحكامَهُ=أمراً و نَهياً لَم يَخَف مِن عَتَبْ
و أنزَلَ اللهُ لِتَصْديقِهِ=القُرآنَ لا تَعرُضُ فيهِ الرِّيَبْ
و الجِذعُ قَد حَنَّ إلَيهِ كَمَا=كَلَّمَهُ ذيبٌ و ظَبيٌ و ضَبْ
و سَبَّحَ الحَصباءُ في كَفِّهِ=بِمَنطِقٍ يَصدُرُ مِنهُ العَجَبْ
و فاضَ مِن أنمُلِهِ بارِدٌ=حَتَّى كَفَى الجَيشَ و رَوَّى القِرَبْ
و أشبَعَ الآلافَ مِن جُزءِ شاةٍ=و قَد شَواها بَعضُ تِلك العَرَبْ
و انحَنَتِ النَّخلَةُ مُنقادَةً=إلَيهِ كَي يأخُذَ مِنها الرُّطَبْ
و رَدَّ ماءَ البِئرِ مِن بَعدِ ما=كانَ أُجاجاً في مَذاقِ الضربْ
و جاءَهُ يَشكو بَعيرٌ و قَد=ضَرَّ بِهِ الجوعُ و طولُ التَّعَبْ
فانتَصَفَ المُختارُ مِن أهلِهِ=إلَيهِ فارتَدَّ نَبيلَ الأرَبْ
و شَقُّهُ البَدرَ وَ رَدَّ العَصا=مُورِقَةً و البيرُ لَما نَضَبْ
أفاضَهُ بالماءِ سَيحاً على=وَجهِ الثَّرَى كالبَحرِ حينَ انسَكَبْ
مَعَاجِزٌ في النَّاسِ مَشهُورَةٌ=كالشَّمسِ قَد حَلَّت بأعلى الرُّتَبْ
فَلَيسَ في النَّاسِ لَهُ مُشبِهٌ=إلا أخوهُ المُرتضى المُنتَجَبْ
قَرينُهُ في كُلِّ أعمالِهِ=و عِلمِهِ الفَيضِيِّ و المُكتَسَبْ
يَجري مَعَ المُختارِ مِن آدَمٍ=لِجَدِّهِ الأعلى بِأعلى نَسَبْ
ما غالَبَ الأبطالَ في مَوقِفٍ=في حَومَةِ المَيدانِ إلَّا غَلَبْ
و رُدَّتِ الشَّمسُ لَهُ بَعدما=غابَت و أدَّى ما عَلَيهِ وَجَبْ
و قاتِلُ العَمرَينِ يَومَ الوَغَى=و ذائِقٌ مَرحَبَ طَعمَ العَطَبْ
ما فَغَرَت داهِيَةٌ كاشِرٌ=أنفاسُها تُحرِقُ نارَ اللَّهَبْ
إلَّا التَقاها واطِئاً خَدَّها=و مُلصِقاً مَعطَسَها بِالتُّرَبْ
و ما عَجيبٌ مِثلُ ذا الأمرِ مِن=مُظهِرِ قَهرِ اللهِ يَومَ الغَضَبْ
يا حُجَّةَ اللهِ على خَلقِهِ=و الآيَةَ الكُبرى و أقوى سَبَبْ
و العُروَةَ الوُثقى و كَهفَ الوَرَى=و مَلجَأَ الخائِفِ مِمَّا اكتَسَبْ
و قاسِمَ الجَنَّةِ و النَّارِ ما=بَينَ الَّذي عادَى و مَن قَد أحَبْ
عَرَفتُ عَليَاكَ يَقيناً و لَم=أكُن كَمَن قَلَّدَ جَداً و أبْ
أحمَدُ مَولاكَ كَثيرُ الخَطَا=إلَيكَ مِمَّا قَد جَنَاهُ هَرَبْ
أتاكَ مَولاكَ مُدِلّاً على=جُودِكَ يَرجو الفَوزَ في المُنقَلَبْ
كَذاكَ آبائي و مَن مَتَّ بي=أصلاً و فَرعاً و إلَيَّ انتَسَبْ
و سامِعٌ أو قارِئٌ نَظمَ ما=حَبَّرتُ فيكُم يا سُماةَ الرُّتَبْ
و سَلَّمَ اللهُ عَلَيكُم مَتى=دَعا بِكُم داعٍ و نالَ الأرَبْ