راعني العيد في عاشوراء
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أَطَلتُ وُقُوفي في مِنىً فالمُحصَبِ=لِتَذكارِ آثَارِ النّبيِّ المُهَذَّبِ
فأزعَجَني شَوقٌ إليهُ مُبرَّحٌ=و أطرَبَني حَتَّى يَكَادُ يَطيرُ بيْ
فَطِرتُ مع البَازيْ على كُورِ ناقَةٍ=تَطيرُ بُخُفَّيْهَا الحصى خَلْفَ مَنكَبيْ
فأمسَيتُ في خُمٍّ هِلالَ مُحرَّمٍ=فَبِتُّ بِمِيقاتَينِ مُشجٍ و مُطرِبِ
مَكَانُ سُرورٍ في زَمانِ كآبَةٍ=و ذَلِكَ مِمَّا لَيسَ يَخفى على الغَبيْ
و لو قُلتُ كُلُّ مِنهُما باعِثً الأسى=لِكُلِّ وَليٍّ مُخلِصٍ لَم أُكَذَّبِ
و ذاكَ بأنَّ النَّصَّ لم يَبقَ مُبرَمَاً=كَما هُوَ بَل حَلَّتهُ أيدِيْ التَّعَصُّبِ
و زُحزِحَ رَبُّ الحقِّ عَن مُستَحِقِّهِ=و قَرَّب هِ مَن لم يَكُن بالمُقَرَّبِ
و ذاكَ أصلُ الخُلفِ في الدِّينِ و العَمَى=عَنِ الحَقِّ و الإرجَافِ في كُلِّ مَذهَبِ
و حُسبَانُ ظَنِّ المُخطِئِينَ إصَابَةٌ=و ظَنُّ مُصيبِ الحَقِّ غَيرُ مُصَوَّبِ
فَمِنْ ذاكَ أنَّي ظِلتُ أطلِبُ طَيبَةً=و لم يَنحَرِف عَن ذَلِكَ القَصدِ مَطلَبيْ
فَزِرتُ بِعاشورَ النَّبيَّ فَراعَنيْ=ظُهُورُ شِعارِ العِيدِ في حَضرَةِ النّبيْ
فَقُلتُ و لَم أملِك مِنَ الغَيظِ مَنطِقِيْ=ثُبُوراً و تَثريباً لَكُم أهلَ يَثرِبِ
مَتَى صارَ عاشوراءُ عيداً لِمُسلِمٍ=و قَد غُيِّبَ الإسلامُ في جُنحِ غَيهَبِ
و مَن يَجعَلِ العاشُورَ عَيدَاً عُقَيبَ ما=جرى فيهِ غَيرُ النَّاصِبِ المُتَعَصِّبِ
أقَلبُ رَسولِ اللهِ ذو فَرَحٍ بِمَا=جَنَاهُ العِدَا أم ذو أسَىً مُتَلَهِّبِ
ألا يَستَحي مَنْ لا يُواسِيهِ في الأسى=على آلِهِ مِنْ زَيِّ عيدٍ و مَلعَبِ
لَقَد حَقَّ لِلعيدَينِ أن يَتَحَوَّلا=إلى مأتَمي حُزنٍ و نَوحٍ و مَندَبِ
أمِن بَعدِ ذَبحِ السِّبطِ ظُلماً مِنَ القَفَا=على ظَمَإٍ يَلتَذُّ مَولَىً بِمَشرَبِ
و يَأخُذُ حَظَّاً مِن وِسَادٍ و رأسُهُ=بِكَفِّ سَنَانٍ في سِنَانٍ مُكَعَّبِ
و يَأوي إلى لِينِ الفِراشِ و جِسمُهُ=يُرَضُّ بِرَكضِ الخَيلِ في بَطنِ سَبْسَبِ
و أخفَيتُ نَفسي داخِلاً في غِمَارِهِمْ=و لَم آلُ جُهدَاً في خَفَاءِ تَنَحُّبِيْ
و وَجَّهْتُ وَجهيَ لِلنَبيِّ مُعَزِّيَاً=لَهُ بابنِهِ الظَّامي الذَّبيحِ المُسَلَّبِ
و ظَلتُ أُناجِيهِ خَفيّاً و أشتَكيْ=مَليَّاً و مِدرارُ الدُّموعِ كَصَيِّبِ
لَكَ الأجرُ يا خَيرَ الوَرَى بابنِكَ الَّذي=شَغَفتَ بِهِ عَن كُلِّ ما لَكَ مُعجَبِ
و تُكثِرُ مِن تَقبيلِهِ و ارتِشافِهِ=على النَّحرِ و الثَّغرِ المُنيرِ المُشَنَّبِ
و أسلَمتَ إبراهيمَ لِلمَوتِ دُونَهُ=فِداءً إلى أن حَلَّ مِنهُ بِمَنشَبِ
لَكَ الأجرُ فيمَن كانَ جِبريلُ يَشتَهيْ=مُنَاغاتِهِ فِعلَ المُحِبِّ المُرَحِّبِ
و مَن كانَ ميكائِيلُ يُحرِّكُ مَهدَهُ=لِيَسكُنَ فيهِ مَن بُكَاً و تَقَلُّبِ
و مَن نالَ صَلصَائِيلُ مِن رَبِّهِ بِهِ=رِضاهُ و ما الدَّاعي بِهِ بمُخَيَّبِ
و فُطرُسُ مَكسُورُ الجَنَاحِ إذ اشتَكَى=فَقُلتَ لَهُ امسَحهُ على ذلِكَ الصَّبيْ
فَلُقِّبَ مَعتُوقُ الحُسَينِ و قَلَّمَا=يُفارِقُ جَهلاً ما إذا لَم يُلَقَّبِ
رَمَتهُ بِحَربٍ حِزبُ حَربٍ تَقَاضِيَاً=لِأَسلافِهِم أهلِ القُلَيبِ المُكَبْكَبِ
فَغُودِرَ في الرَّمضَاءِ شِلوَاً مُجَدَّلاً=ذَبيحَاً كَذَبحِ الكَبشِ مِن غَيرِ مُوجِبِ
و حُزَّ عنَادَاً مِن قَفاهُ كَريمُهُ=و أصبَحَ ذا خَدٍّ خَضيبٍ مُتَرَّبِ
وَشِيلَ بِهِ في الرُّمحِ كالشَّمسِ كُلَّمَا=دجَى اللَّيلُ أخفَى ضَوْؤُهُ كُلَّ كَوكَبِ
و رُضَّ برَكضِ الخَيلِ صَدراً و مَنكِبَاً=تَقَدَّسَ مِن صَدرٍ عَظيمٍ و مَنكِبِ
ألَم يَدرِ مُجريهَا على الصَّدر ما حَوَى=مِنَ العِلمَ و السِّرِّ المَصونِ المُحَجَّبِ
و صِرتُ إلى الزَّهراء أبكي مُعَزياً=لَهَا بِبَنيها مُوجِزاً غَيرَ مُطْنِبِ
لَكِ الأجرَ يا بِنتَ النَّبيِّ على الَّذي=رُزيتِ فَحَقٌّ أن تَنوحي و تَندِبِيْ
فَفَرخُكِ يا زَهراءُ بالطَّفِّ قد قضى=ذَبيحاً و لَم يَظفُر بِماءٍ فَيَشرَبِ
و ظَلَّ اليَتَامَى تَستَغيثُ بِهِ فَلَمْ=يُجِبهَا فَظَلَّت تَستَغيثُ بِزَينَبٍ
تُحَاوِلُ خَوفَ السَّبي و السَّلبِ مَهرَبَاً=و قَد عَلِمَت أن لَاتَ سَاعَةَ مَهرَبِ
فَسِيقَت على عُجفِ المَطَايَا حَوَاسِرَاً=عَرَايَا بِغَيرِ الحُزنِ لَم تَتَجَلبَبِ
و سِيقَ عليُّ بنُ الحُسَينِ مُغَلغَلاً=عَليلاً ذَليلاً فَوقَ أَعجَفِ أجرَبِ
فَيَا فَاطِمُ الزَّهراءُ حَقَّ لَكِ البُكَا=و حَبسِ الرَّزَايَا في الفُؤَادِ المُرَعَّبِ
و إن تَتَسَلَّي تَستَريحيْ فإنَّ مَنْ=تَظَلُّ الرَّزَايَا نَصبَ عَينَيهِ تُنصَبُ
فَقَدرُكِ عِندَ اللهِ إن تَتَوَجَّعِيْ=و إن تَصبِرِي سَامٍ على كُلِّ مَنصِبِ
و أَمَّا مَوَاليكُم فَمَوعِدُ صَبرِهِمْ=ظُهُورُ الإمامِ القائِمِ المُتَرَقِّبِ
و إغمَادُ سَيفِ الحَقِّ في خُصَمَائِهِ=و صَلبُ طَواغيتِ النِّفاقِ بِيَثرِبِ
أَرَى حَسَنَاً مَولاهُ أَيَّامَ صَلبِهِم=فَفيهِ شِفَاءٌ لِلفُؤَادِ المُعَذَّبِ
أَيَا مَن بِهِم فَاضَ الوُجُودُ على الوَرَى=مِنَ المَبدَإِ الفَيَّاضِ مُنُّوا بِمَطلَبيْ
بأنْ تَقبَلُوا مِنِّي قَريضَ مَديحِكُمْ=و أن تَشفَعُوا في الصَّفحِ عَنِّي و عَن أبيْ
و أُمِّي و إِخوَانِيْ وَوِلْدِيْ و كُلِّ مَنْ=أَمِتُّ بِهِ من حِزبِكُم أو يَمُتُّ بيْ
عَلَيكُمْ سَلامُ اللهِ ما دارَ دائِرٌ=على قُطبِهِ مِن أطلَسٍ أو مُكَوكَبِ