أَطَلتُ وُقُوفي في مِنىً فالمُحصَبِ=لِتَذكارِ آثَارِ النّبيِّ المُهَذَّبِ فأزعَجَني شَوقٌ إليهُ مُبرَّحٌ=و أطرَبَني حَتَّى يَكَادُ يَطيرُ بيْ فَطِرتُ مع البَازيْ على كُورِ ناقَةٍ=تَطيرُ بُخُفَّيْهَا الحصى خَلْفَ مَنكَبيْ فأمسَيتُ في خُمٍّ هِلالَ مُحرَّمٍ=فَبِتُّ بِمِيقاتَينِ مُشجٍ و مُطرِبِ مَكَانُ سُرورٍ في زَمانِ كآبَةٍ=و ذَلِكَ مِمَّا لَيسَ يَخفى على الغَبيْ و لو قُلتُ كُلُّ مِنهُما باعِثً الأسى=لِكُلِّ وَليٍّ مُخلِصٍ لَم أُكَذَّبِ و ذاكَ بأنَّ النَّصَّ لم يَبقَ مُبرَمَاً=كَما هُوَ بَل حَلَّتهُ أيدِيْ التَّعَصُّبِ و زُحزِحَ رَبُّ الحقِّ عَن مُستَحِقِّهِ=و قَرَّب هِ مَن لم يَكُن بالمُقَرَّبِ و ذاكَ أصلُ الخُلفِ في الدِّينِ و العَمَى=عَنِ الحَقِّ و الإرجَافِ في كُلِّ مَذهَبِ و حُسبَانُ ظَنِّ المُخطِئِينَ إصَابَةٌ=و ظَنُّ مُصيبِ الحَقِّ غَيرُ مُصَوَّبِ فَمِنْ ذاكَ أنَّي ظِلتُ أطلِبُ طَيبَةً=و لم يَنحَرِف عَن ذَلِكَ القَصدِ مَطلَبيْ فَزِرتُ بِعاشورَ النَّبيَّ فَراعَنيْ=ظُهُورُ شِعارِ العِيدِ في حَضرَةِ النّبيْ فَقُلتُ و لَم أملِك مِنَ الغَيظِ مَنطِقِيْ=ثُبُوراً و تَثريباً لَكُم أهلَ يَثرِبِ مَتَى صارَ عاشوراءُ عيداً لِمُسلِمٍ=و قَد غُيِّبَ الإسلامُ في جُنحِ غَيهَبِ و مَن يَجعَلِ العاشُورَ عَيدَاً عُقَيبَ ما=جرى فيهِ غَيرُ النَّاصِبِ المُتَعَصِّبِ أقَلبُ رَسولِ اللهِ ذو فَرَحٍ بِمَا=جَنَاهُ العِدَا أم ذو أسَىً مُتَلَهِّبِ ألا يَستَحي مَنْ لا يُواسِيهِ في الأسى=على آلِهِ مِنْ زَيِّ عيدٍ و مَلعَبِ لَقَد حَقَّ لِلعيدَينِ أن يَتَحَوَّلا=إلى مأتَمي حُزنٍ و نَوحٍ و مَندَبِ أمِن بَعدِ ذَبحِ السِّبطِ ظُلماً مِنَ القَفَا=على ظَمَإٍ يَلتَذُّ مَولَىً بِمَشرَبِ و يَأخُذُ حَظَّاً مِن وِسَادٍ و رأسُهُ=بِكَفِّ سَنَانٍ في سِنَانٍ مُكَعَّبِ و يَأوي إلى لِينِ الفِراشِ و جِسمُهُ=يُرَضُّ بِرَكضِ الخَيلِ في بَطنِ سَبْسَبِ و أخفَيتُ نَفسي داخِلاً في غِمَارِهِمْ=و لَم آلُ جُهدَاً في خَفَاءِ تَنَحُّبِيْ و وَجَّهْتُ وَجهيَ لِلنَبيِّ مُعَزِّيَاً=لَهُ بابنِهِ الظَّامي الذَّبيحِ المُسَلَّبِ و ظَلتُ أُناجِيهِ خَفيّاً و أشتَكيْ=مَليَّاً و مِدرارُ الدُّموعِ كَصَيِّبِ لَكَ الأجرُ يا خَيرَ الوَرَى بابنِكَ الَّذي=شَغَفتَ بِهِ عَن كُلِّ ما لَكَ مُعجَبِ و تُكثِرُ مِن تَقبيلِهِ و ارتِشافِهِ=على النَّحرِ و الثَّغرِ المُنيرِ المُشَنَّبِ و أسلَمتَ إبراهيمَ لِلمَوتِ دُونَهُ=فِداءً إلى أن حَلَّ مِنهُ بِمَنشَبِ لَكَ الأجرُ فيمَن كانَ جِبريلُ يَشتَهيْ=مُنَاغاتِهِ فِعلَ المُحِبِّ المُرَحِّبِ و مَن كانَ ميكائِيلُ يُحرِّكُ مَهدَهُ=لِيَسكُنَ فيهِ مَن بُكَاً و تَقَلُّبِ و مَن نالَ صَلصَائِيلُ مِن رَبِّهِ بِهِ=رِضاهُ و ما الدَّاعي بِهِ بمُخَيَّبِ و فُطرُسُ مَكسُورُ الجَنَاحِ إذ اشتَكَى=فَقُلتَ لَهُ امسَحهُ على ذلِكَ الصَّبيْ فَلُقِّبَ مَعتُوقُ الحُسَينِ و قَلَّمَا=يُفارِقُ جَهلاً ما إذا لَم يُلَقَّبِ رَمَتهُ بِحَربٍ حِزبُ حَربٍ تَقَاضِيَاً=لِأَسلافِهِم أهلِ القُلَيبِ المُكَبْكَبِ فَغُودِرَ في الرَّمضَاءِ شِلوَاً مُجَدَّلاً=ذَبيحَاً كَذَبحِ الكَبشِ مِن غَيرِ مُوجِبِ و حُزَّ عنَادَاً مِن قَفاهُ كَريمُهُ=و أصبَحَ ذا خَدٍّ خَضيبٍ مُتَرَّبِ وَشِيلَ بِهِ في الرُّمحِ كالشَّمسِ كُلَّمَا=دجَى اللَّيلُ أخفَى ضَوْؤُهُ كُلَّ كَوكَبِ و رُضَّ برَكضِ الخَيلِ صَدراً و مَنكِبَاً=تَقَدَّسَ مِن صَدرٍ عَظيمٍ و مَنكِبِ ألَم يَدرِ مُجريهَا على الصَّدر ما حَوَى=مِنَ العِلمَ و السِّرِّ المَصونِ المُحَجَّبِ و صِرتُ إلى الزَّهراء أبكي مُعَزياً=لَهَا بِبَنيها مُوجِزاً غَيرَ مُطْنِبِ لَكِ الأجرَ يا بِنتَ النَّبيِّ على الَّذي=رُزيتِ فَحَقٌّ أن تَنوحي و تَندِبِيْ فَفَرخُكِ يا زَهراءُ بالطَّفِّ قد قضى=ذَبيحاً و لَم يَظفُر بِماءٍ فَيَشرَبِ و ظَلَّ اليَتَامَى تَستَغيثُ بِهِ فَلَمْ=يُجِبهَا فَظَلَّت تَستَغيثُ بِزَينَبٍ تُحَاوِلُ خَوفَ السَّبي و السَّلبِ مَهرَبَاً=و قَد عَلِمَت أن لَاتَ سَاعَةَ مَهرَبِ فَسِيقَت على عُجفِ المَطَايَا حَوَاسِرَاً=عَرَايَا بِغَيرِ الحُزنِ لَم تَتَجَلبَبِ و سِيقَ عليُّ بنُ الحُسَينِ مُغَلغَلاً=عَليلاً ذَليلاً فَوقَ أَعجَفِ أجرَبِ فَيَا فَاطِمُ الزَّهراءُ حَقَّ لَكِ البُكَا=و حَبسِ الرَّزَايَا في الفُؤَادِ المُرَعَّبِ و إن تَتَسَلَّي تَستَريحيْ فإنَّ مَنْ=تَظَلُّ الرَّزَايَا نَصبَ عَينَيهِ تُنصَبُ فَقَدرُكِ عِندَ اللهِ إن تَتَوَجَّعِيْ=و إن تَصبِرِي سَامٍ على كُلِّ مَنصِبِ و أَمَّا مَوَاليكُم فَمَوعِدُ صَبرِهِمْ=ظُهُورُ الإمامِ القائِمِ المُتَرَقِّبِ و إغمَادُ سَيفِ الحَقِّ في خُصَمَائِهِ=و صَلبُ طَواغيتِ النِّفاقِ بِيَثرِبِ أَرَى حَسَنَاً مَولاهُ أَيَّامَ صَلبِهِم=فَفيهِ شِفَاءٌ لِلفُؤَادِ المُعَذَّبِ أَيَا مَن بِهِم فَاضَ الوُجُودُ على الوَرَى=مِنَ المَبدَإِ الفَيَّاضِ مُنُّوا بِمَطلَبيْ بأنْ تَقبَلُوا مِنِّي قَريضَ مَديحِكُمْ=و أن تَشفَعُوا في الصَّفحِ عَنِّي و عَن أبيْ و أُمِّي و إِخوَانِيْ وَوِلْدِيْ و كُلِّ مَنْ=أَمِتُّ بِهِ من حِزبِكُم أو يَمُتُّ بيْ عَلَيكُمْ سَلامُ اللهِ ما دارَ دائِرٌ=على قُطبِهِ مِن أطلَسٍ أو مُكَوكَبِ