آمنة الصدر - بنت الهدى
آمنة الصدر
( بنت الهدى )
السيدة الجليلة العلوية الشهيدة آمنة الصدر المعروفة بـ « بنت الهدى » بنت آية الله الفقيه المحقق السيد حيدر الصدر ، أحد كبار علماء الإسلام في العراق .
اُمها من عائلة علمية مرموقة ، معروفة في الأوساط العلمية ، وهي اُخت المرجع الديني آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين .
أخواها : حجة الإسلام والمسلمين السيد إسماعيل الصدر ، وآية الله العظمى المرجع الديني الكبير والمفكر الإسلامي العظيم الشهيد محمد باقر الصدر ، نابغة زماننا هذا ، ومفجر الثورة الإسلامية في العراق . ذاً فالشهيدة بنت الهدى تنحدر من عائلتين علميتين معروفتين في جهادهما ومواقفهما البطولية .
ولدت رضوان الله تعالى عليها في مدينة الكاظمية المقدسة سنة 1357هـ ـ 1937 م ، وترعرعت في أحضان والدتها وأخويها ، إذ أن والدها كان قد فارق الحياة وعمرها سنتان .
نشأت في حجر الإيمان وحضن التقوى ، وقد تكفلت والدتها وأخواها بتعليمها وتربيتها ، فتعلمت القراءة والكتابة في بيتها دون أن تدخل المدارس الرسمية ، ثم درست النحو والمنطق والفقه وباقي المعارف الإسلامية ، واطلعت على المناهج الرسمية التي تدرس في المدارس ودرستها في بيتها ، وبذلك تكون قد جمعت بين الدراسة الحديثة وبين دراسة المعارف الإسلامية .
كانت رحمها الله ولِعَة بمطالعة الكتب غير مقتصرة على الكتب الإسلامية ، فقد تناولت كتباً غير دينية . ولأنها من عائلة فقيرة فقد كانت تستعير الكتب من هنا وهناك ، بل كانت تصرف ما يعطى لها من مبلغ بسيط لسد حاجاتها الضرورية في شراء بعض الكتب التي ترغب في قراءتها .
عرفت رحمها الله بالذكاء الوقاد ، وسرعة الحفظ ، وقابليتها الكبيرة على جذب النساء إليها بعذوبة لسانها ولطافة منطقها ، فلم تكن تراها امرأة وتسمع كلامها إلا واُعجبت بها واصبحت من مريداتها ، وبذلك فقد تخرج على يدها المباركة عدد غفير من النساء ، وأصبحن الآن من رائدات العمل الإسلامي النسوي ، يؤدين واجبهن التبليغي بإلقاء المحاضرات والدروس ، أو الكتابة في الجرائد والمجلات والنشريات الإسلامية .
كانت رحمها الله تستغل كل وقتها ، وتستفيد من كل شخصية يمكنها الإستفادة منها بطريقة أو اُخرى ، فكانت تستغل فراغ السيد الشهيد الصدر في أوقات راحته وتنهل من علمه ومعارفه الإسلامية .
وقد لعبت الشهيدة بنت الهدى رحمها الله دوراً فعالاً وملموساً في هداية الفتيات ـ وبالأخص العراقيات ـ ورجوعهن إلى التمسك بتعاليم الدين الحنيف ، فمن كان قريباً منها يعرف ذلك جيداً . فكم من فتاة بل عائلة كادت أن تخرج عن دينها وتصهرها الحضارة المستوردة من الغرب أو الشرق لولا وقوف الشهيدة بنت الهدى إلى جانبها وانقاذها من الغرق في عالم التبرج والرذيلة ، فكانت بحق رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق .
وقد عرفت بنت الهدى أن التبليغ في أوساط النساء يمكن أن يؤدي دوراً فعالاً في تقدم الحركة الإسلامية عموماً ، لذلك بخدها تعقد جلسات دورية في بيتها وفي بيوت اُخرى ، وبالتعاون مع بعض النساء المريدات لها ، واللواتي لهن اطلاع على مايجري في العراق من محاولات لافساد المرأة العراقية .
ولم تكتفِ الشهيدة بذلك ، بل كانت ـ وحين سماعها بوجود جماعة من النسوة في بيت معين ـ تسارع إلى الحضور في أوساط النساء عندما ترى أن الجو مناسب . فاستطاعت بعملها هذا ان تربي عدداً غفيراً من النساء ، حيث أصبحت كل واحدة منهن معلمة لمجموعة من الفتيات ، بل نستطيع ان نقول : إن رائدات الحركة الإسلامية النسوية ، والكوادر الموجودة منهن الآن هن ـ في الأغلب ـ تلميذات الشهيدة بنت الهدى .
ولم تكتف الشهيدة رحمها الله بهذا القدر من التبليغ ، بل تعدته إلى مجال أوسع وأكثر فائدة ، وهو مخاطبة الفتاة العراقية ، والعربية عموماً عبر مجلة « الأضواء » التي أصدرتها جماعة العلماء في النجف الأشرف .
فما أن علمت بنت الهدى بأن العدد الأول سيصدر حتى بادرت وكتبت فيه مقالاً لطيفاً وظريفاً تحث فيه الفتاة المسلمة على الالتزام بتعاليم الدين الحنيف وعدم الانجرار وراء الغرب والشرق . واستمرت رحمها الله في الكتابة في هذه المجلة التي لعبت دوراً بارزاً في تنمية وتقدم الحركة الإسلامية في العراق .
واضافة لما تقدم فقد كانت الشهيدة بنت الهدى تشرف على مدارس الزهراء عليها السلام في النجف الأشرف والكاظمية . وتُعد مدارس الزهراء عليها السلام من أعمال « جمعية الصندوق الخيري الإسلامي » ، وهي أكبر المؤسسات الجهادية التي تشكلت في العراق عام 1958 م ، متبنية أهداف الاسلام الحنيف في كافة لجانها التعلمية والثقافية والاجتماعية والطبية ، وبجميع فروعها القائمة في البصرة والديوانية والحلة والكاظمية وبغداد حيث كان مركزها فيها.
ولم تقتصر الشهيدة في عملها التبليغي على إلقاء المحاضرات والدروس ، والكتابة في مجلة الاضواء الإسلامية ـ بالرغم ما لهذين المنبرين من دور كبير في توعية الفتيات المسلمات وجعلهن أقرب إلى عقيدتهن ورسالتهن الإسلامية ـ بل تعدته إلى مجال أوسع ورحاب أكبر ، وهو كتابة القصة الإسلامية الهادفة والتي تستطيع بواسطتها أن توصل صوتها ودعوتها إلى أكبر عدد من النساء في العالم العربي .
فبدأت بكتابة القصة ، آخذة بنظر الاعتبار أولوية الهدف وثانوية الجانب الفني ، مخالفة في ذلك بعض الأدباء العراقيين اللذين كانوا يعيرون أهمية كبرى للجانب الفني ويفضلونه على الهدف .
وقد أشارت رحمها الله إلى هذه النظرة الخاطئة عند الاُدباء بقولها : استحال بعض اُدبائنا مع كل الأسف إلى مترجمين وناشرين لا أكثر ولا أقل ، أفكارهم غريبة عنهم ، بعيدة عن واقعهم ومجتمعهم ، تستهويهم الصيحة ، وتطربهم النغمة ، وتسكرهم الرشفة ، فيغنون بأمجاد الأعداء وهم في غفلة ساهون ، ويهللون للأفكار السامة وهم لا يكادون يفقهون منها شيئاً ، وقد تشبعوا بالثقافة الأجنبية التي أدخلها الاستعمار الى بلادنا منذ عهد بعيد (1) .
اذاً فكتابتها للقصة لم تكن عن هواية أو احتراف ، بل لهدف معين وهو مخاطبة الجيل الناشيء بأسلوب قصصي بسيط ، وايصال التعاليم الاسلامية إليه بهذا الاسلوب البسيط وقد أشارت رحمها الله إلى هذا المعنى بقولها : إن تجسيد المفاهيم لوجهة النظر الاسلامية في الحياة هو الهدف من هذه القصص الصغيرة (2) .
وقالت أيضا : فلست قصاصة ولا كتابة للقصة ، بل إني لم أحاول قبل الآن أن أكتب قصة (3).
وقامت دار التعارف للمطبوعات مؤخراً بطبع قصصها كاملة في ثلاث مجلدات صغيرة وهي تحتوي على :
1 ـ الفضيلة تنتصر .
2 ـ ليتني كنت أعلم .
3 ـ امرأتان وجل .
4 ـ صراع مع واقع الحياة .
5 ـ لقاء في المستشفى .
6 ـ الخالة الضائعة .
7 ـ الباحثة عن الحقيقة .
8 ـ كلمة ودعوة .
9 ـ ذكريات على تلال مكة .
10 ـ بطولة المرأة المسلمة .
11 ـ المرأة مع النبي ( ص ) .
ولم تكن الشهيدة بنت الهدى رحمها الله شاعرة محترفة أو مكثرة ، ولم تكتب الشعر عن هواية ، بل وجدت نقصاً ثقافياً سائداً في ذلك الوقت ، وهو عدم خوض المرأة المسلمة مجال كتابة الشعر الهادف الذي يسمو بصاحبه إلى أعلى درجات الرحمة والرضوان ، لذلك أخذت على عاتقها كتابة مقاطع شعرية لا قصائد تعبر من خلالها عما يهيج في خاطرها ، وعما تعانيه المرأة المسلمة من انحطاط في مستواها الثقافي الديني .
وقد أعدمها رئيس حزب البعث السابق صدام حسين في عام 1980 مع شقيقها بعد تعذيب مستمر.
____________
(1) مجلة الاضواء ، العدد التاسع ، السنة الاُولى ، ربيع الثاني 1380 هـ ، تشرين الأول 1960 م .
(2) مقدمة « صراع من واقع الحياة » .
(3) مقدمة « الفضيلة تنتصر » .