الشيخ كاظم السبتي السهلاني
الشيخ كاظم السبتي السهلاني
( 1258هـ - 1342هـ )
الشيخ كاظم سبتي السهلاني
هويته النسبية :
انه الشيخ كاظم بن الشيخ حسن بن الشيخ علي بن سبتي السهلاني الحميري المؤسس الأول لأسرة آل السبتي الأسرة الأدبية والخطابية المعروفة في النجف الأشرف التي انفردت بلقبها الجديد ونالت استقلالها من اللقب السهلاني الشامل في أواخر القرن الثالث عشر الهجري .
ويعتبر شيخنا المترجم هو الزعيم الأول الذي شيّد صرح المجد الشامخ وبنى الكيان الباذخ لبيته وأفراد أسرته وارتقى بهم إلى مستوى البيوتات العلمية والأدبية المرموقة .
يقول الشيخ محبوبة في ماضي النجف وحاضرها : هو زعيم البيت والباني لمجده والغارس لنبعته وهو أول من عرف بالنجف واشتهر بها ، كان والده رجلاً فقيراً ذاكراً لم تكن له سمعة ولا معروفاً بين أقرانه وولده المترجم أشهر منه كسا بيته سمعة وجعله في مصاف البيوت الأدبية (1) .
فهو إذاً عربي قح من آل سهلان الطائفة الفراتية المعروفة والتي ينتسب إليها الحجة العالم المعاصر الشيخ محمد جواد السهلاني وأولاده ، فهذه الأسرة من العروبة في الصميم .
وربما تشم في تراجم آل السبتي رائحة الأعاجم أو توحي بعض شخصياتهم بشوائب غير عربية فما ذلك إلا نتيجة النزوح من مواطنها الأصلية في الفرات وسكنوا المدن واختلطوا بالجاليات الوافدة من غير العرب ومصاهرة البعض منها والامتزاج معها والتأثر بأساليبها ولهجاتها . وقد أشار إلى ذلك صاحب كتاب ماضي النجف وحاضرها بقوله : (فتضائلت تلك المسحة العربية بعد أن دخلوا الحضارة واختلطوا بغيرهم وصاهروا بعض النازحين إلى النجف من غير العرب فأثرت المصاهرة على سماتهم ولهجاتهم) (2) .
ولادته ونشأته :
في حاضرة العلم والثقافة وعاصمة الدين والمعرفة النجف الأشرف ولد شيخنا المترجم عام 1258 هـ 1838م من أبوين كريمين في بيت إيمان وتقوى ، وشاءت المقادير أن تختطف منه حدب أبيه وهو لما يزل في طفولته المبكرة فينشأ يتيماً لا كفيل له سوى والدته التي أحسنت تربيته وتصدت لكفالته .
لقد كان بيته فقيراً وأبوه معوزاً فلم يخلف له صفراء ولا بيضاء فبادرت أُمّه عندما شبّ ولدها لتعلمه مهنة الصياغة على يد أحد الصاغة الموثوقين وهو السيد حسن السلطاني الصائغ لشعورها باستعداد ولدها وفطنته ونباهته ، ولكن اندفع تلقائياً يحفظ أدب الطف وتفاعل مع الشعر الحسيني قراءة وحفظاً وهو في كنف أستاذه الصائغ ، وكان يعيش في أعماقه طموحاً كبيراً وولعاً عارماً بفن الخطابة الحسينية وحباً كبيراً لهذه الخدمة فانتقل من فن الصياغة التبر إلى فن صياغة الكلم وتتلمذ بذلك على أحد مشاهير خطباء عصره . حتى نبغ وتفوق ودخل سجل الخالدين خطيباً مؤسساً ورائداً عملاقاً في مؤسسة المأتم الحسيني .
دراسته :
كان خطيبنا المترجم من أكابر العلماء وأعاظم الحفاظ وقد تدرج بتحصيل العلوم الدينية على أفاضل الأساتذة في جامعة النجف الأشرف وبعد أن أنهى المقدمات والسطوح في العلوم العربية والفقهية والأصولية حضر الأبحاث العالية في الحلقات الخارجية عند جهابذة المجتهدين كالشيخ محمد حسين الكاظمي ، والشيخ محمد طه نجف ، والشيخ لطف الله المازندراني ، وواصل دراسته بجد وعزيمة وهمة عالية حتى نال درجة الاجتهاد فأصبح يشار إليه بالتقدم العلمي والفضل والفضيلة .
خطابته :
انطلقت خطابته من الأساس العلمي الرصين ، وتعامل مع مجتمعه وجمهوره في أبحاثه ومحاضراته ومحاكماته التاريخية وعروضه الأدبية وسائر شؤونه المنبرية معاملة الأديب الخبير والعالم البصير والخطيب القدير .
فقد كانت الألفاظ رهن إشارته والكلمات طوع إرادته والفصاحة حلف لسانه والبلاغة وقوة المنطق إلف بيانه ، يقتنص الشوارد ، ويتفنن في الوصول إلى المصادر والموارد ، محدث مدهش ، وخطيب مذهل ، عذب الحديث عملاق الخطابة ، قس الفصاحة ، توغل في فنون الأدب والخطابة بالإضافة إلى ملكاته العلمية حتى تربع على عرش المنبر الحسيني بجداره واستحقاق وتسلم زمام الخطابة بكفاءة واقتدار حتى ذاع صيته ولمع نجمه واشتهر اسمه في الأوساط العلمية والاجتماعية خطيباً مفوهاً وعالماً مبرزاً ومحدثاً ماهراً ومتكلماً لبق اللسان جميل الأسلوب رصين العبارة قوي الحجة واسع الاطلاع متنوع المعارف .
تلقى خطابته المنبرية عن طريق الخطيب الشيخ محمد الطريحي أحد مشاهير الخطباء الذي تخرجت على يديه كوكبة من لوامع الخطباء والذاكرين . فيعد الطريحي أستاذه الأول في الفنون المنبرية والأساليب الخطابية .
ولقد مرت الإشارة إلى تصريحات بعض الأعلام في الاشادة بطاقاته الخلاقة وقابلياته المدهشة في خدمة المنبر الحسيني وهنا أسجل هذه اللقطة وأدون هذه الوثيقة عن شخصية علمية وأدبية عاصرته وحضرت في مجالسه ودونت انطباعها عن ملكات شيخنا المترجم تلك هي شخصية الشيخ جعفر محبوبة حيث يقول : كنت أحضر مجالسه في عشرة المحرم في دار آل بحر العلوم وكان هذا المجلس هو مجلس النجف العام تجتمع في المئات من النفوس والمترجم يرقى المنبر بعد أن يرقاه قبله أربعة أو خمسة من شيوخ الذاكرين وكلهم يقرأ في موضوع خاص فلا يتركون ما يخص ذلك الموضوع شاردة ولا واردة إلا وذكرها حتى يستعين البعض منهم بالمراسيل والأخبار الضعاف والمنامات فإذا رقى المنبر جاءنا بشيء جديد لم نسمعه ممن كان قبله وأخذ حقه من الابكاء فكان السبق له وحقاً أقول إنه مخترع ومبتدع في فن الخطابة (3) .
ولعل من الطريف ما نقله الأستاذ السيد جواد شبر يقول : مضيت بصحبة أبي وكنت في العقد الأول من عمري إلى مأتم حسيني عقد في دار الخطيب السيد سعيد الفحّام بمناسبة تجديد داره الواقعة في محله المشراق في النجف الأشرف ، وكان الوقت عصراً ولما دخلنا الدار وجدناها تغص بالوافدين فقال لي أبي : اصعد أنت على الطابق العلوي ، فكنت في مكان لا يمكنني من الاطلالة على الطابق الأرضي المنعقد فيه المحفل فسمعت خطيباً ابتدأ يهدر بصوته الجمهوري ونبراته المتزنة قائلاً : ومن خطبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : دار بالبلاء محفوفة ، وبالغدر معروفة ، لا تدوت أحوالها ، ولا يسلم نزالها ، أحوال مختلفة ، وتارات متصرفة ، العيش فيها مذموم ، والأمان منها معدوم ... إلى آخر الخطبة . ثم حانت مني التفاتة وإذا بصاحب الدار الخطيب الفحام جالس معنا مذهولاً يضرب على فخذه ويردد : ما هذا الافتتاح يا شيخ كاظم !! ما هذا الفأل يا شيخ كاظم !! وإلى جانبه أحد أقاربه يهدأ عليه ، ولما أتم الشيخ خطابه لاموه على هذا الافتتاح والتشاؤم وفعلاً هو معيب ، فاعتذر قائلاً : شيء جرى على لساني ، وكأن كل شيء غاب عني إلا هذه الخطبة فافتتحت بها .
يقول السيد شبر : وكأن تفاؤله وتشاؤمه حقاً فلقد اصيب الخطيب الفحام بمرض عضال عجز عنه الاطباء حتى قضى عليه وعمت النكبة جميع من في الدار واصبحوا كأمس الدابر ، ويظهر لي أن الخطيب سبتي كان مؤمناً تتمثل فيه صفات المؤمن الكامل الإيمان .... (4) .
وهكذا تسنم الذرى واعتلى قمة المجد من بين مشاهير القراء وأساطين الخطباء حتى طبقت شهرته الأقطار والأمصار العراقية وغيرها من دول الخليج وإيران وسوريا فارتقى أعوادها وأحيا محافلها باحياء القلوب وتأجيج المشاعر وتوجيه المجتمع وتربية النشأ باسلوبه التربوي ونشاطه الثقافي وطاقاته الخطابية .
وانطلقت خطابته في النجف الأشرف وكانت مجالس العراق تتوق ان يكون السبتي خطيبها المفلق ومشردها المتفوق وواعظها المتألق ، ونظراً لأهميته الدينية في رفد المجتمع بمقومات الخلق والاستقامة والتوجيه العام دعته نخبة من أعيان بغداد ووجهائها للانتقال من النجف والاقامة بين ظهرانيهم في بغداد لينهلوا من عطاءه ويستفيدوا من علومه فأجاب طلبهم ولبى دعوتهم وانتقل بأسرته إلى بغداد وأقام فيها يسحر العقول ويدهش الألباب بصدقة وإخلاصه وورعه وتقواه .
ولما استوحشت النجف لفراغ مكانه وشعرت بمسيس الحاجة لوجوده خاطبته ثلة من علمائها وأعيانها وطلبت إليه العودة إلى موطنه لملأ مكانه الشاغر وكان من بين الشخصيات التي تصدت لإرجاعه من بغداد إلى النجف بعض زعماء الدين ، كالشيخ محمد طه نجف والسيد محمد بحر العلوم والحاج جعفر الششتري فآمن بأرائهم ونزل عند رغباتهم وعاد إلى بلده محفوفاً بالعز والتبجيل وأقام فيه حتى وفد على ربه .
شعره :
لا شك أن الشعر هو الافراز الطبيعي للشعور المرهف والذهن المتوقد ، وحركة الأدب والشعر في النجف الأشرف حرمة متأصلة انبثقت منذ انبثاق الحوزة العلمية منذ عدة قرون حيث لابد لطلبة العلوم الدينية من حفظ الشواهد الشعرية والاستشهاد بها والتوغل في معانيها وخصوصاً في شواهد النحو والبلاغة والبيان التي تعتبر من أوائل ما يتفاعل معها طلبة العلوم الدينية ، ومن ثم يتمركز الذوق الشعري وينقدح الشعور الأدبي ، هذا فضلاً عما يرفده المنبر الحسيني ومأساة الطف من غرر القصائد وأجزل الأشعار ، إضافة إلى النوادي الشعرية والحلقات الأدبية في المناسبات العامة والخاصة التي كانت تعقد في النجف الأشرف فيتبارى فيها الادباء ويتسابق فيها الشعراء فيدلو كل بدلوه ويطرح بضاعته في تلك الأسواق الأدبية إذ ليس ما يشغل الوقت من وسائل الرفيه المعاصرة كالتلفزيون والفيديو والستلايت والانترنيت وسواها ، فالمجتمع وخصوصاً الديني لا يعرف وسيلة للتسلية والترفيه سوى الأدب والشعر فيبادر لإحياء المناسبات الاجتماعية من زواج أو تأبين أو ختان أو ارتداء الزي الديني أو دار جديدة أو قدوم من سفر بعقد المحافل والمهرجانات الأدبية وهذا ما ألفته النجف ، وقد خرجت هذه المحافل فطاحل الشعراء وأعلام الأدباء . وكان من بينهم خطيبنا المترجم الذي جمع بين القواعد الرصينة الثلاثة العلم والشعر والخطابة لخدمة المنبر الحسيني .
لقد كان العلامة الخطيب السبتي شاعراً بارزاً أحرز اعجاب الأدباء والباحثين ، وقد قوم شعره الإمام كاشف الغطاء في تقديمه لديوان سحر بابل وسجع البلابل بقوله : (وله ديوان شعر كبير أكثره من السلس الجاري وفيه مقدار من الحسن الجيد ، وقد وقفت عليه فرأيت أكثره فيما هو نعم الزاد والذخيرة له من مدايح النبي المختار وأهل بيته الأطهار ومراثيهم وأنواع النياحات عليهم بأوزان مختلفة وطرق متعددة) (5) .
وذكر الخاقاني في شعراء الغري ان ديوان الشيخ السبتي يقع في ستة آلاف بيت من الشعر وقد رتب على حروف المعجم وجاء في أوله من حرف الهمزة قوله :
ضاقت بك الدنيا فهل لك ملجأ .. تأوي به عنها فانك ملجأ
جاء معظمه في مدح النبي (ص) والأئمة الاثني عشر (ع) وفي رثائهم ، وفيه عدة قصائد في رثاء فاطمة الزهراء ، كما فيه عدة مراثي لسيدنا مسلم بن عقيل والعباس بن علي بن أبي طالب وقد رثى فريقاً من العلماء والأعيان ...
وفيه فصول تتضمن بعض التواريخ للمشاهد المكرمة ، كما فيه بعض الشعر في الحماسة والفخر .
ويتخلل الديوان شعر قاله بمناسبات لا تزال تردد صداها الأندية الحاضرة ، وشعر المناسبات لا يخلو من روعة ومرونة لما فيه من ارصاد النكتة ، فمن ذلك ما جرى له وهو على المنبر في دار الشاعر الشيخ محمد حسن سميسم حيث أقام بمناسبة تجديدها ثلاثة أيام عصراً مأتماً للإمام الحسين (ع) وفي خلال قراءته دخل المجلس السيد حسن والد معالي السيد عبد المهدي المنتفكي ، وكان ضخم الجسم فلم يجد له موضعاً يكفل راحته فجلس في مكان واستعان بالاتكاء على عصاه فانكسرت .
ولما شاهد صاحب المجلس ذلك جاءه بعصا جميله كانت لأبيه الشيخ هادي وقدمها له وقال : هذه حبوة من أبي احبوك بها ، وكان الشيخ كاظم يشاهد هذا الوضع وقد طلب منه قبلاً إمامة كهرب كانت لأبيه فأعتذر انها غير موجودة أو أنها من مخلفات أبيه التي يجب أن يحتفظ بها كذكرى له ، فارتجل هذه الأبيات الثلاثة في أثناء القراءة وضمنها هذه النكتة وها هي :
بنئت ان عصا موسى لقد وهبت .. بـداركم وهي دار بالندى عمرت
فظلت أسأل هل عينٌ بها انفجرت .. لكم وكم من عيون بي قد انفجرت
بـانت نـبوتكم للناس امس فسل .. عن الإمامة هل للصاحب ادخرت
ولعل القارئ لم يفته ما في البيت الأخير من مجال التورية وفن التعريض ، ولما ان سمع الشيخ محمد حسن ارجأ الجواب إلى اليوم الثاني وقدم له الإمامة مشفوعة بهذه الأبيات الثلاثة على الروي والقافية قوله :
أبــت إمـامتنا إلا أبـا حـسنٍ .. أهـلاً لها فلذا عن غيره استترت
وقـد رأت كـفه البيضاء ساطعة .. جـاءت تقبل تلك الكف وافتخرت
قـالت أبـو حسنٍ نعم الإمام فها .. إمامة الحق في كفيه قد ظهرت (6)
وهذه القصيدة في رثاء سيد الشهداء عليه السلام واستنهاض الهاشميين :
بـرغم المجد من مضر سراة .. سـرت تـحدو بعيسهم الحداة
سـرت تطوي الفلا بجبال حلم .. تـخف لـها الجبال الراسيات
كـرام قـوضت فـلها ربوع .. خـلت فغدت تنوح المكرمات
وبـاتت فـالمنازل يـوم بانت .. طـوامس والمدارس دارسات
تـحن لـها وفي الأحشاء نار .. تـأجـج والـمدامع واكـفات
أطـيبة بـعدها لا طبت عيشاً .. وكنت حمى الورى وهي الحماة
وكـنت سـما العلى وبنو علي .. بـدور هـدى بافقك ساطعات
أُبـاة سـامها الـحدثان ضيماً .. ولـم تـهدأ على الضيم الأباة
أتـهجر دار هـجرتها فتقوى .. وتـأنس بـالطفوف لـهم فلاة
بـدت فـتأججت حرباً لحرب .. ضـغائن في الضمائر كامنات
يـخوض بها ابن فاطمة غمارا .. تـظل بـها تـقوم السابحات
أصيب وما مضى للحتف حتى .. تـثلمت الـصفاح الـماضيات
وقـد ألـوى عن الدنيا فظلت .. تـنوح بـها عـليه النائحات
تـعج الـكائنات عـليه حزناً .. وحـق بـأن تـعج الـكائنات
إلـى جـنب الفرات بنو علي .. قضت عطشاً ألا غاض الفرات
تـسيل دمـاؤها هدراً وتمسي .. تـغـسلها الـدماء الـسائلات
وتـنبذ في هجير الصيف عنها .. سـل الرمضاء وهي بها عراة
أهـاشم طـاولتك أمـي حتى .. تـسل عـليك منها المرهفات
فـأنتم لـلمخوف حمىً ومنكم .. تـروح فـي الخدور مخدرات
أحـقاً ان بـين الـقوم جهراً .. كـريـمات الـنبي مـهتكات
بـلوعة ذات خـدر لو وعتها .. لـصدعت الـجبال الشامخات
وفاته :
في ليلة الجمعة بآخر شهر ربيع الأول من سنة 1342 هـ رحل الخطيب السبتي إلى بارئه ووفد إلى جواره وحمل نعشه على الأكف ورفع على الرؤوس بتشييع مهيب وموكب كئيب ، وارتجت النجف الأشرف لوفاته وبكته الجماهير بدل الدموع دما ، وشاركت مختلف الطبقات العلمية والدينية والاجتماعية والسياسية في تشييع جنازته بالأسف والأسى ، حتى أنزلوه في ملحودة قبره وفي روضة ضريحه بالجهة الشرقية قريباً من القبلة في مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الصحن الشريف .
ثم انعطفت الجماهير الثاكلة المفجوعة لتقديم مراسم العزاء لعقبه وأنجاله الكرام وهم الشيخ محمد والشيخ علي والشيخ حسن والشيخ جعفر والشيخ هادي ومحمود ومهدي وانبرى الأدباء والشعراء في مراثيهم وتواريخهم فمن ذلك ما رثاه ولده الشيخ حسن وأرخه العلامة الشيخ راضي آل ياسين صاحب كتاب صلح الحسين :
مـنابر الـدين فـي مآتمها .. تـنوح حـتى قـيام قائمها
تـبكي على فيلسوفها أسفاً .. من يرشد الخلف في مآتمها
تـندب قـوّامها التقى أسىً .. لما هوى اليوم عن قوائمها
ظـلّت فـرادى بـه مشتتةً .. تندب شجواً من بعد ناظمها
فـقال مـذ أعولت مؤرخها .. (عزّ عزاها بعد فقد كاظمها)
كما رثاه الأستاذ الخطيب الكبير الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة جاء مطلعها :
أيّ فـؤاد عـليك لـم يذب .. وأيّ عـين بالدمع لم تصب
فـيا لرزء عن مثله عقمت .. أمُّ الـخطوب العظام والنوب
ادمى عيون بني النبي أحمد .. والصهر علي والعترة النجب
ورثاه الشيخ مهدي الحجار فقال :
لم تحي يامرء في سمع وفي بصر .. ألا لـتحيي مـنك الـقلب بالعبر
هـما دلـيلاك ان الدهر ذو غير .. وان أجـالنا تـأتي عـلى قـدر
هـل بعد كاظم ذو وعظ مواعظه .. فـي القلب تثبت مثل النقش في
يـا واعـظاً أصبحت فينا منابره .. كـأنها الـفلك الـخالي من القمر
وكذلك رثاه السيد محمد آل شديد قائلاً :
مذ صوت الناي بفقد الكاظم .. اورى الضرام بقلب أهل الكاظم
أصمى القلوب بفقده وبنعيه .. نثر الدموع وعجز فكر الناظم
ورثاه الشيخ كاظم السوداني والشيخ محمد حسن آل سميسم وغيرهم شعراً ونثراً وحزناً وأسفاً .
(1) ـ ماضي النجف وحاضرها 2 / 339 .
(2) - المصدر السابق 2 / 336 .
(3) ـ نفس المصدر 2 / 340 .
(4) ـ أدب الطف 9 / 74 .
(5) ـ سحر بابل وسجع البلابل ص287 .
(6) ـ سحر البيان وسمر الجنان ص419 .