السيد باقر الهندي
السيد باقر ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الهندي الموسوي النقوي الرضوي النجفي ، عالم فاضل وأديب شاعر ظريف لطيف حسن الأخلاق حلو المعاشرة ذكي لامع نظم فأبدع وسابق فحلّق وله مراثي كثيرة في أهل البيت لا زالت تقرأ وتعاد في مجالس العزاء ويحفظها الجمّ الكثير من رواد المجالس حتى العوام ، سمعت من علماء النجف أنه كان إذا حدّث لا يملّ حديثه وينظم الشعر باللغتين الفصحى والدارجة ، فمن شعره قوله :
بزغت فلاح البشر من طلعاتها .. والسعد مكتوب على جبهاتها
بيض كواعب في شتيت ثغورها .. قد كان للعشاق جمع شتاتها
وافت كأمثال الظباء وبينها .. ذات الدلال دلالها من ذاتها
نجدية بدوية أجفانها .. سرقت من ألارام لحظ مهاتها
نشرت على أكتافها وفراتها .. شمسِ سمات الحس دون سماتها
كالبيض في سطواتها والسحر في .. وخزاتها والريم في لفتاتها
سلّت صحيفة مقلة وسنانة .. حتى رأينا الحتف في صفحاتها
وترجم له الخاقاني في شعراء الغري فقال : هو أبو صادق ينتهي نسبه إلى الإمام علي الهادي عليه السلام ، شاعر شهير وأديب كبير وعالم مرموق. ولد في النجف الأشرف 1284 ونشأ بها على أبيه وفي عام 1298 سافر بصحبة والده إلى سامراء لتلقى العلم من الإمام الشيرازي ثم رجع مع أبيه سنة 1311 وعندما حلّ في سامراء أخذ الفقه والاصول من بعض الأساتذة.
ذكره فريق من الباحثين منهم صاحب الحصون المنيعة ونعته بالعالم الفاضل الأديب الكامل ، المنشيء الشاعر وذكر جملة من أساتذته ، أقول وأعطاني المرحوم السيد حسين ولد المترجم له ورقة فيها ترجمة شاعرنا وقال لي : إني كتبتها بخطي وحسب ما أعرف عن المترجم له وفيها : العلامة الفقيه الحكيم المتكلم السيد باقر نجل آية الله السيد محمد الهندي. ولد في غرة شعبان 1284 ونشأ منشأ طيباً في زمن صالح وتعلّم القرآن والكتابة في مدة يسيرة وكان مولعاً بالامور الاصلاحية وله في ذلك مواقف مشهودة وله مؤلفات لم تزل مخطوطة نحتفظ بها ، منها رسالة في ( حوادث المشروطة ) فيها ما يهم رجال الاصلاح والدعاة المصلحين كما كتب في الأخلاق. وكان شديد الولاء لأهل البيت عليهم السلام عظيم التعلّق بمودتهم ، وفي الليلة الثالثة من جمادى الثانية في سني إقامتنا بسر من رأي ، رأى في المنام كأنه جالس بحضرة وليّ الأمر وصاحب العصر وهو في قصر مشيد فجعل يخاطبه قائلاً : سيدي هل يغيب عنك ما حلّ باسرتك الطاهرة ولو لم يكن إلا ما جرى على امك الزهراء ، فحنّ الإمام عليه السلام والتفت اليه قائلاً :
لا تراني اتخذتُ لا وعلاها .. بعد بيت الأحزان بيت سرور
ثم بكيا معاً حتى انتبهنا من النوم بصوت بكائه ونبهناه فقص علينا الرؤيا فاستشعر الوالد من ذلك صحة هذه الرواية ( يعني وفاة الصديقة في الثالث من جمادى الثانية ) لذا نظم على وزن هذا البيت قصيدته الشهيرة والتي أولها :
كل غدر وقول إفك وزور .. هو فرع عن جحد نص الغدير
واشار الى ذلك بقوله :
أفصبراً يا صاحب الأمر والخطب .. جليل يذيب قلب الصبور
كيف من بعد حمرة العين منها .. يا بن طه تهنأ بطرف قرير
فكأني به يقول ويبكي .. بسلوٍّ نزر ودمع غزير
واليك المقطع الأول من القصيدة :
كل غدر ، وقول إفك وزور .. هو فرع عن جحد نصّ الغدير
فتبصّر تُبصر هداك إلى الحق .. فليس الأعمى به كالبصير
ليس تعمى العيون لكنما تعمى .. القلوب التي انطوت في الصدور
يوم أوحى الجليل يأمر طه .. وهو سار أن مُر بترك المسير
حطّ رحل السرى على غير ماء .. وكلا في الفلى بحرّ الهجير
ثم بلّغهم وإلا فما بلّغتَ .. وحياً عن اللطيف الخبير
أقم المرتضى إماماً على الخلق .. ونوراً يجلو دجى الديجور
فرقى آخذاً بكفّ علي .. منبراً كان من حدوج وكور
ودعا والملا حضور جميعاً .. غيّب الله رشدهم من حضور
إن هذا أميركم ووليّ الأ .. مر بعدي ووارثي ووزيري
هو مولىً لكل مَن كنت مولاه .. من الله في جميع الامور
فأجابوا بألسن تظهر الطاعة .. والغدر مضمر في الصدور
بايعوه وبعدها طلبوا البيعة .. منه ، لله ريب الدهور
وقوله في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من رائعة تتكون من 90 بيتاً وهذا المقطع الأول :
ليس يدري بكنه ذاتك ما هو .. يا بن عمّ النبي إلا الله
ممكن واجب حديث قديم .. عنك تنفى الأنداد والأشباه
لك معنى أجلى من الشمس لكن .. خبط العارفون فيه فتاهوا
أنت في منتهى الظهور خفيّ .. جلّ معنى علاك ما أخفاه
قلت للقائلين في أنك الله .. أفيقوا فالله قد سوّاه
هو مشكاة نوره والتجلّي .. سرّ قدس جهلتم معناه
قد براه من نوره قبل خلق .. الخلق طراً وباسمه سماه
وحباه بكل فضل عظيم .. وبمقدار ما حباه ابتلاه
أظهر الله دينه بعلي .. أين لا أين دينه لولاه
كانت الناس قبله تعبد الطاغوت .. رباً ، والجبتُ فيهم اله
ونبيّ الهدى إلى الله يدعو .. هم ولا يسمعون منه دعاه
سله لما هاجت طغاة قريش .. مَن وقاه بنفسه وفداه
مَن جلا كربه ومَن ردّ عنه .. يوم فرّ الأصحاب عنه عَداه
مَن سواه لكل وجه شديد .. عنه مَن ردّ ناكلا أعداه
لو رأى مثله النبي لما .. وآخاه حياً وبعده وصّاه
قام يوم الغدير يدعو ، ألا من .. كنت مولى له فذا مولاه
ما ارتضاه النبي من قِبلِ النفس .. ولكنما الاله ارتضاه
غير أن النفوس مرضى ويأبى .. ذو السقام الدوا وفيه شفاه
وقوله مفتخراً من قصيدة ضاع أكثرها وهذا مطلعها :
لو لم تكن جُمّعت كل العلى فينا .. لكان ما كان يوم الطف يكفينا
يوم نهضنا كأمثال الأسود به .. وأقبلت كالدبى زحفاً أعادينا
جاؤا بسبعين ألف سل بقيتهم .. هل قاومونا وقد جئنا بسبعينا
وقال في إحدى روائعه رائياً آية الله العظمى الميرزا حسن الشيرازي وأولها :
خلا العصر ممن كان يصدع بالأمر .. فدونك دين الله يا صاحب العصر
أيحسن أن يبقى كذا شرع أحمد .. بلا نهي ذي نهيٍ مطاع ولا أمر
عَفاً لكِ سامراء كم فيك غيبة .. تغضّ جفون الدين منها على جمر
ففي الغيبة الاولى ذعرنا ولم نقم .. وفي الغيبة الاخرى أقمنا على الذعر
مرض في أواخر شهر ذي الحجة الحرام من سنة ثمان وعشرون بعد الثلثمائة والألف من الهجرة وانتقل إلى جوار ربه أول يوم من المحرم من السنة التاسعة والعشرين بعد الثلثمائة والألف ودفن بجوار والده في دارنا التي نحن فيها الآن وإلى ذلك أشرتُ بقولي في رثائه :
نفسي فداؤك من قريب نازح .. أوحشتني إذ صرتَ من جيراني
أعقب من الأولاد : العلامة السيد صادق والعلامة السيد حسين وهذان السيدان عاصرتهما وزاملتهما وهما من أطيب الناس سيرة وأسلمهم سريرة سألتهما عن عمر أبيهما فقالا : قضى وعمره 45 عاماً ورثاه الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة أولها :
أتى الافق مبرياً فقيل هلاله .. ولو قيل قوس صدّقته نباله
ورثاه شقيقه العلامة الكبير شيخ الأدب السيد رضا الهندي بقصيدة أولها :
ما كا ضرّ طوارق الحدثان .. لو كان قبلك سهمهن رماني
يا ليت أخطاك الردى أو أنه .. لما أصابك لم يكن أخطاني
ومنها :
يا أولاً في المكرمات فما له .. فيها وعنها في البرية ثاني
يا واحداً فيه اتفقن مكارم .. لم يختلف في نقلهن اثنان
يا لهجة المداح بل يا بهجة .. الارواح بل يا مهجة الايمان
بمَ يشمت الأعداء بعدك لا غفوا .. إلا على حسك من السعدان
ببقاء ذكرك في الزمان مخلّداً .. أم بالفناء ، وكل حيٍ فان
فليشمتوا فمصاب آل محمد .. مما يسرّ به بنو مروان
فارقتنا في شهر عاشوراء .. فاتصلت به الأحزان بالأحزان
نبكي المغسّل بالقراح وتارة .. نبكي المغسلَ بالنجيع القاني
وننوح للمطويّ في أكفانه .. أو للطريح لقىً بلا أكفان
ترجم له الشيخ السماوي في الطليعة قال : كان فاضلاً في جملة من العلوم حسن المعاشرة مع طبقات الناس فمن قوله :
أُحدّث نفسي إنني إن لقيته .. أبثّ اليه ما أُلاقي من الضرّ
فلما تلاقينا دهشت فلم أجد .. عتاباً فأبدلت المعاتيب بالعذر
وأرخ وفاة والده الحجة السيد محمد بقوله :
يا زائراً خير مرقد .. له الكواكب حُسّد
سلم وصلّ وأرخ .. وزر ضريح محمد