الشيخ محمد نصار
الشيخ محمد بن الشيخ علي بن ابراهيم آل نصار الشيباني أو الشبامي اللملومي النجفي المعروف بالشيخ محمد بن نصار.
لملوم قرية كانت على شاطيء الفرات ، اندرست في حدود 1220 ه وتفرق أهلها في البلاد لذهاب الماء عنهم بانتقال مجرى الفرات عنها ، سكن معظم أهاليها قرية الشنافية ، وكان والد المترجم له قد سكنها الى أن مات فيها ، كذا ذكر صاحب الحصون المنيعة.
توفي في جمادى الاولى سنة 1292 في النجف الاشرف ودفن في الصحن الشريف عند الرأس وهو من أسرة أدب وعلم ، أصلهم من لملوم سكنوا النجف لطلب العلم وتوفي منهم في طاعون سنة 1247 ما يقرب من أربعين رجلا طالبا للعلم وهم غير أسرة آل نصار المعروفين في النجف الذين منهم الشيخ راضي رحمه الله يسكنون محلة العمارة.
والمترجم له فاضل أديب له شعر باللغتين الفصحى والدارجة وقل ما ينعقد مجلس عزاء للحسين عليه السلام فلا يقرأ شعره الدارج. ولعل السر أن الناظم كان من أهل التقوى ، ولشدة حبه لاهل البيت سمى كل أولاده باسم علي وجعل التمييز بينهم في الكنية فواحد يكنى بأبي الحسن والثاني بأبي الحسين وهكذا.
أقول وأطلعني السيد ضاحي آل سيد هادي السيد موسى على مخطوطة بخطه ومن تأليفه المسمى ( لملوم قديما وحديثا ) ان الشيخ علي والد الشيخ محمد نصار قد أقام في ناحية الشنافية منذ هجرته اليها من ( لملوم ) وكان عالما فاضلا ، عاش حوالي ثمانين عاما الى أن توفي سنة 1300 ه.
وجاء في شعراء الغري : الشيخ محمد نصار بن الشيخ علي ابن ابراهيم بن محمد الشيباني اللملومي الشهير ب ( ابن نصار ) شاعر معروف وأديب شهير ذكره صاحب ( الحصون المنيعة ) فقال : كان فاضلا كاملا ، أديبا لبيبا ، شاعرا ماهرا ، حسن المعاشرة صافي الطوية صادق النية ، وكان أكثر نظمه على طريقة نظم البادية حتى نظم واقعة الطف من أولها الى آخرها على لغتهم يقرؤها ذاكروا مصاب الحسين (ع) في مجالس العزاء وله في هذا النظم القدح المعلى ، وكان رحمه الله من أخص أحبابي حين مهاجرتي من كربلاء ، أيام والدي وبقائي في النجف لتحصيل العلم ، وقد كان يتلو لي أغلب ما كان ينظمه في القريض ولكني كنت في شغل عن كتبه وثبته في الدفاتر ، ولم أقف على شيء منه حين كتابتي لهذه الترجمة سوى هذه الابيات في وصف ( سماور ) الجاي :
وأعجم غناني بصوت مركب .. من النار والماء النمير المصفق
حشاشته جمر الغضا وزفيره .. يطير شواظا عن لهيب محرق
وقد فك شدقيه فعض حمامة .. تزق بنيها بالمدام المروق
ومن نظمه في الغزل كما في مجلة العدل الاسلامي :
أمرقص القرطين في لفتاته .. رقص الحشى بضرام هجرك صالي
قسما بجيدك يا غزال وعرفه .. لقد أزدريت بجيد كل غزال
وأبيلجين تسايلا عن مرقص .. الاصداغ سيل الصبح تحت ليال
خوف الصدود كتمت عنك صبابتي .. وعن المخالط خيفة العذال
فأعر لساني السمع بثة وامق .. يشكو ضناه عسى ترق لحالي
شهد الوشاح عليك مذ أنطقته .. حقا بأنك مخرس الخلخال
وبقوس حاجبك النبال بريتها .. من نرجس وأرشتها لقتالي
ومن شعره في الغزل كما في شعراء الغري :
خلت من ظباء الابرقين ربوعها .. فهيهات يا عين المعنى هجوعها
أتألف رسل الابرقين مهابة الـ .. نفور وأيدي القانعين تروعها
وقفنا وللاحشاء رقص على الغضا .. وقد رقصت فوق النطاق فروعها
اودعها فوق الكثيب ومهجتي .. تودعها فوق الكثيب ضلوعها
أسائلها والعين عبرى متى اللقا .. فتعرب عن بعد التلاقي دموعها
عقارب صدغ لا يفيق لديغها .. ورقش جعود ليس يرقى لسيعها
ونبعة قد لا يقوم طعينها .. وأسياف لحظ لا يداوي صريعها
وخد أسيل روق الصون ماءه .. نزت كبدي منه فهاج ولوعها
ولما استقل الركب فاضت مدامعي .. وحلق من عين المعنى هجوعها
وقوله :
ومذ استقلوا ظاعنين وأيقن الـ .. ـفئتان أن هيهات يلتقيان
من كل أبلج لا تلين قناته .. عزت مدامعه لدى الحدثان
يستوقف العيس المثارة بعدما .. غنت حداة الركب بالاظعان
أمقوضين قفوا لصب ريثما .. يقضي لبانة قلبه الولهان
فاذا خدت أيدي المطي وكنتم .. ممن يقول بذمة الخلان
مروا برمل البان يوما علما .. عثر الزمان بنا برمل البان
استاف نفخة رمله العبق التي .. علقت بواديه من الاردان
واذا سجا الليل البهيم فانني .. اشتاقكم فقفوا على الكثبان
توفي رحمه الله في جمادي الاولى من عام 1292 وقد ناهز عمرة الستين ودفن في رأس الساباط من الصحن الشريف بين قبر المرحومين : ميرزا جعفر القزويني وقبر السيد حيدر الشاعر ، وخلف ولدين : الاكبر الشيخ جعفر كان في سلك أهل العلم ، والاصغر من الكسبة.
وذكره صاحب التكملة فقال : عاشرته ورافقته مدة فحمدت صفاته خفيف الروح رقيق الحاشية ، كثير الدعابة الى تقى وديانة وتمسك بالشرع جدا.
ومن طريف ما حدث به انه قال : قصدت قبر الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان في سنة 1285 ه فامتدحته بقصيدة وأنا في الطريق على عادة الشعراء في قصدهم الملوك ، وأكملتها قبل دخولي المشهد الشريف بيوم واحد ، وكان مطلعها :
يا خليلي غلسا لا تريحا .. أوشكت قبة الرضا أن تلوحا
ومنها قوله :
ان قبرا لا طفت فيه ثراه .. منع المسك طيبه أن يفوحا
قال رحمه الله :
فلما دخلت المشهد الشريف وزرته ونمت تلك الليلة ، رأيت في منامي الامام الرضا عليه السلام جالسا على كرسي في روضته الشريفة فسلمت عليه وقبلت يديه فرحب بي وأدناني ، وأعطاني صرة ، وقال افتحها ففيها مسك أذفر ففتحتها فوجدت فيها فتاتا لا رائحة له ، فقلت لا رائحة له ، فتبسم الرضا (ع) وقال : ألست القائل :
ان قبر لا طفت فيه ثراه .. منع المسك طيبه أن يفوحا
فهذا مسك أذفر منع طيب ثرى قبري رائحته. فانتبهت وأنا فرح بما شاهدت.
ومن قوله في رثاء الامام الحسين (ع) :
ان قبر لا طفت فيه ثراه
يا مدلجا في حندس .. الظلماء بكرا مقحما
ان شمت لمعة قبة .. المولى فعرج عندما
واخضع فثمة بقعة .. خضعت لادناها السما
واحث التراب على الخدود .. وقل أيا حامي الحمى
يا مخمدا يوم الوغى .. لهب الوطيس اذا حمى
ومفلقا هام العدى ..ان سل أبيض مخذما
ومنظما صيد الورى .. ان هز أسمر لهذما
قم فالحسين بكربلاء .. طريدة لبني الاما
قد أمه جيش به .. رحب البسيطة أظلما
مقتادة شعث النواصي .. كل أجرد أدهما
فتقاسمتها السمهرية .. والمواضي مغنما
وغدا ابن احمد لا يرى .. الا القنا والمخذما
فهنالكم أم العدى .. بطل البسالة معلما
وقال في العقيلة زينب الكبرى :
هاج وجدي لزينب اذ عراها .. فادح في الطفوف هد قواها
يوم أضحت رجالها غرضا للنبـ .. ـل والسمر فيه هاج وغاها
ونعت بين نسوة ثاكلات .. تصدع الهضب في حنين بكاها
آه والهفتاه ماذا تقاسي .. من خطوب تربو على ما سواها
ولمن تسكب المدامع من عين .. جفا جفنها لذيذ كراها
ألنهب الخيام أم لعليل .. ناحل الجسم أم على قتلاها
أم لاجسامهم على كثب الغبـ .. ـراء مخضوبة بفيض دماها
أم لرفع الرؤوس فوق عوالي الـ .. ـسمر أم رض صدر حامي حماها
أم لاطفالها تقاسى سياق الـ .. ـموت أم عظم سيرها وسراها
أم لسير النساء بين الاعادي .. ثاكلات يندبن يا آل طاها
وهي ما بينهن تندب من قد .. ندبته الاملاك فوق سماها
ووجدت في بعض المخطوطات الحسينية ملحمة كبيرة للشيخ محمد نصار في الامام الحسين عليه السلام ، على وزن ملحمة الدمستاني ، وأولها :
شيعة المختار نوحوا واندبوا فخر الفخار .. بدموع جاريات من أماقيها غزار