الشيخ حسن الدمستاني
الشيخ حسن الدمستاني
سيرته
بلدته:
بلدته الأصل: قرية (عالي حويص) من قرى البحرين، و فيها قبر أبيه (الشيخ محمد) إلى جانب المسجد المحاذي لـ(عين حويص)]يقرأ: عبدالله بن أحمد، هامش أنوار البدرين، ص217[.
و بلدة استيطانه: قرية (دمستان) – بالدال المهملة المكسورة أولاً ثم الميم المفتوحة، ثم السين الساكنة، ثم التاء، بعدها الألف و النون أخيراً – و هي قرية صغيرة من قرى البحرين، و إليها نسبته]يراجع: البلادي ص217[ و جلّ أهلها فقرا، و أرضها زراية تسقى بالدلاء.
نسبته:
هناك بعض الاختلاف في تعدد آبائه، في ذكر و حذف بعضهم، فيما لدي من تاريخه، و لعل هذا الاختلاف ناشئ من اختصار مؤرخ و تطويل آخر في التاريخ لنسبه.. و تمشياً مع منهجي في البحث سأعرض لسلسلة آبائه من دون أن أحاول التوفيق بينها لأحافظ على الاختصار الذي ألتزمته.. و هي:
أ- في أنوار البدرين: حسن بن محمد بن خلف بن ضيف ]ص217[
ب- في أعيان الشيعة: حسن بن محمد بن علي بن خلف بن إبراهيم بن ضيف الله بن حسن بن صدقة ]الأمين العاملي، مطبعة الإتقان، 1365، الطبعة الأولى ج23 ص166[
ج- في الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة، حسن بن محمد ... ثم ينقل عن (تتميم الأمل ]للشيخ عبدالنبي القزويني[): أنه ذكره بعنوان (الشيخ محمد حسن) .. و ينقل عن (بعض إجازات الكلباسي، ذكر نسبه هكذا: الشيخ حسن بن علي بن علي بن خلف بن إبراهيم بن ضيف).
و ينقل عن إجازة ولد المترجم له (الشيخ أحمد) للشيخ أحمد الأحسائي (نسبه هكذا ... حسن بن محمد بن علي بن خلف بن إبراهيم بن ضيف الله) ]آغا بزرك (النجف: مخطوطة المؤلف) ص53[.
ولادته:
لم تؤرخ المراجع التي بين يدي لولادته، لا بذكر سنة مولده، و لا بما يدل عليها أمثال ذكر مدة عمره، أو حادثة معينة مؤرخ لها.
دراسته:
لم تؤرخ المصادر التي لدي لدراسة الدمستاني، و كل الذي ذكرته: إشارة إلى من يروي عنهم، و إلى من يروي عنه – كما سيأتي في دراسة شخصيته -.
و الذي أخاله: أن دراسته لا تختلف في نمطها عن نمط الدراسة المعاصرة له، و هي الدراسة الدينية التقليدية المعروفة، و التي لا تزال تسير على مناهجها و أساليبها الدراسات المعاصرة في أمثال النجف الأشرف، و قم، و المدينة المنورة.
معيشته:
كان الدمستاني يملك أرضاً في قرية سكناه (دمستان)، فيها بعض الزرع، و بعض النخيل، يعمل فيها بيده، معتمداً على ثمرها و نتاجها في حياته المعيشية، ... يقول في أنوار البدرين: (و لقد كان – يعني الدمستاني – مع ما هو فيه من الفضل و العلم يعمل بيده و يشتغل لمعيشته و عياله ... حدثني شيخنا العلامة الثقة المقدس الصالح الشيخ أحمد بن المرحوم الشيخ صالح (قدس): أنه وردت في زمانه مسائل من علماء أصفهان إلى البحرين ليجيب عنها علماؤها، و وصلت إلى حاكم البحرين من جهة العجم – يعني إيران – فأرسل رجالاً من عنده إلى علمائها ليجيبوا عنها، و من جملتهم الفاضل المذكور صاحب الترجمة (قدس)، فلما وصل رجال الحاكم إلى قريته دمستان، و هي قرية صغيرة، و أهلها فقراء، و أكثر أرضها تسقى بالدلاء، سألوا من رأوه عن الشيخ المزبور، فأتى بهم إلى رجل عليه خلقان من الثياب، يستقي دالية بالدلاء، و فيها بعض الزرع و النخيل، و عنده صبية تروس عليه، و قال لهم: هذا الشيخ الذي تسألون عنه، فلما أخبرهم بذلك ظنّوا أنه يهزأ بهم لما رأوا ما هو فيه، فضربوه و آذوه، فسمع الشيخ بما هناك، و رأى هيئة الحكام، فأتى إليهم، و سألهم عن ذلك، فأخبروه بمقصدهم، و أن هذا يهزأ بنا بإرشادنا إليك، فقال لهم: صدق، إنه لم يهزأ بكم، فما الذي تريدون؟ فقالوا: نريد الشيخ المجهتد الشيخ حسن الذي في هذه القرية ... فقال: و ماذا تريدون منه؟ فقالوا له: أرسلنا إليه الحاكم بمسائل واردة عليه من أصفهان ليجيب عليها ... فقال لهم: أن طلبتكم، فأتوني إياها، فتبين لهم أن هذا هو الشيخ و الذي أخبرهم صادق، فسلّموا عليه، و قبلوا يديه، و جلسوا معه في تلك الدالية، و أعطوه المسائل فرآها، و أمر تلك الصبية أن تأتي إليه بدواة و قلم، و كتب الجواب بحضرتهم من غيرة مراجعة، و أعطاهم إياها، فتعجّبوا من ذلك عجباً شديداً لما يعهدونه من زيادة التشخيص، و ظهور الأبهة عند علمائهم، و هذا بهذه الحالة) ]ص219[.
في هذه القصة نفهم الدمستاني الإنسان الزاهد الذي لا يحاول أن يثرى – أو يعيش على الأقل – على حساب الغير، و إنما ينوء بكلّه بذاته و يتعيش بعمل يده، و بعرق جبينه، شأنه شأن الإنسان الحر، أو صاحب الفكرة السامية التي تدفعه إلى المحافظة على قدسيتها، و على كرامته، و إلى بثها و نشرها، و لو بأمثال هذه التضحيات بنعيم الحياة المرفّهة الهانئة، أو شأنه شأن العالم الذي يؤمن بأن العلم في الجوع و الدعة في الخشونة، و العزة في الاستغناء عمّا في أيدي الناس.
و هي ظاهرة قلما نفقدها في علمائنا الأسبقين، و بخاصة المسلمين العرب منهم، و لعل القصّة تلمح إلى ذلك في أخرياتها، في المقارنة بين مظهر الدمستاني في بساطة حياته المعيشية و خشونتها، و بين علماء الفرس في مظاهر الأبهة و التبريز.
و في عقيدتي: إن ملازمة أمثال هؤلاء العلماء لأمثال هذه الظاهرة إنما هو لإدراكهم أن الحاجة إلى الغير، و بخاصة في اللوازم المعيشية تستلزم شيئاً – قد يكثر و قد يقل – من المجاملة و انعدام الصراحة، و بديهي أن الصراحة هي الوسيلة الرئيسة في إظهار كلمة الحق، و إبراز قولة الصدق، اللتين هما أساس دعوتنا الإسلامية.
و ما دمت ملتزماً الإيجاز في بحثي هذا، سأترك محاولة التوسّع في دراسة هذه الظاهرة، في عواملها، و في نتائجها، و ملابساتها الأخرى، و في الإشارة إلى نقاط أُخر عرضتها هذه القصة، إلى عودتي إلى الحديث عن الموضوعة ثانية.
هيئته:
كانت هيئة الفقير الذي يعمل بيده، و يتعيش بعرق جبينه، و يحصل على الكفاف من قوته اليومي.
و لعلنا نلمس هذا من سكناه قرية (دمستان)، حيث مرّ بنا أنها قرية فقيرة صغيرة، و من القصة المتقدمة، التي تعرض لنا حياة الدمستاني في وضعية لا تختلف عن وضعية ساكن القرية الفقير، يسقي الدالية بيده، و يفلح الزرع و النخل بنفسه، تساعده في عمله هذا، صبيّة تشاركه شظف الحياة الفقيرة – وظني الكبير أنها ابنته – و يرتدي الخلقان من الثياب.
و فيما أخاله: إن تاريخنا لو كان من الاستيعاب و الشمول في تصوير حياة الدمستاني المعيشية مستوفياً لها، لرأيناه لا يختلف فيما يعرضه من تصوير لجوانب حياته الآخر، في المزرعة، و في البيت، و في أنحاء مجتمع قريته كلها، عن هذا الشيء القليل الذي عرضه، و لشاهدنا الدمستاني في هذه المجالات على الهيئة التي شاهده عليها رجال الحاكم الموفدين لأخذ جواب أسئلة أصفهان.
هجرته إلى القطيف:
كانت البحرين إلى ما قبل الاحتلال البريطاني كثيراً ما تُغزى من قبل الخوارج، و كثيراً ما يُغار عليها من قبل الأعراب و البُداة ... و كانت تلكم الغزوات و الغارات – في الأغلب – سبباً لهجرة العلماء منها إلى العراق و إيران و القطيف و غيرها.
و بسبب إحدى الحوادث التي وقعت على البحرين هاجر الدمستاني إلى القطيف، كما يستظهر الشيخ البلادي ]ص220[.
و فيما أخاله: إن الواقعة التي كانت عامل هجرته إلى القطيف هي حادثة غزو الخوارج و استيلائهم على البحرين سنة 1131هـ، فقد كانت سبب هجرة جملة من أعيان البحرين إلى القطيف، و ذلك في ضحوة اليوم العشرين من شهر صفر في السنة المذكورة ]يقرأ البلادي ص164[.
و في عقيدتي: إن إختيار الدمستاني و أمثاله من المهاجرين بلدة (القطيف) مهجراً لهم، إنما هو لما بينهم و بين أهالي القطيف من روابط عقائدية مذهبية، فقد كان أهالي القطيف شيعة يلتقون و إياهم في العقيدة و المذهب، و لما بين البحرين و القطيف من قرب المسافة، و يسر وسائل النقل.
و المصادر التي بين يدي تغفل الاستعراض لسيرة الدمستاني في القطيف، فهي لا تذكر أكثر من هجرته إلى القطيف ... الأمر الذي يجعل سيرة المترجم له حلقات تاريخية مبعثرة و غير متسلسلة، لفقدان حلقات أُخر، كان من المفروض على التاريخ ذكرها منتظمة في سلسلة واحدة تعرض سيرته من البداية إلى النهاية.
في بوشهر:
يقول الشيخ آغا بزرك: (الشيخ حسن بن محمد الدمستاني من قرى البحرين، نزيل بوشهر، كما صرّح به في تتميم الأمل بعنوان الشيخ محمد حسن الدمستاني تشرفت بخدمته في يزد) ]الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة، ص53[.
من هذا الذي ينقله الشيخ آغار بزرك عن (تتميم الأمل) للشيخ القزويني نفيد، إن الدمستاني كان قد زار إيران و تجول في بعض بلادها – على الأقل – حيث قد تشرّف بخدمته الشيخ القزويني في (يزد)، و نزل في (بوشهر) كما يصرح به القزويني أيضاً، و ربما يقربه ما نعرفه من العلاقة بين أهالي البحرين و أهالي بلاد فارس من سواحل الخليج، و بخاصة بلدة (بوشهر)، فقد كانت منزلاً لعلماء من البحرين و غيرها.
وفاته و مدفنه:
يقول الشيخ البلادي: (توفي (قدس) في بلدة القطيف يوم الأربعاء الثالث و العشرين من شهر ربيع سنة 1181هـ، إحدى و ثمانين و مائة بعد الألف من الهجرة، صلّى الله على مهاجرها وآله، و دّفن في المقبرة المعروفة الحباكة) ]ص220[.
و يقول الشيخ آغا بزرك: (ذكر السيد محمد صادق بحر العلوم في الشذور الذهبية: إنه توفي الشيخ حسن الدمستاني في 1181،و دُفن بالحباكة في القطيف).
و الفرق بين التاريخ الذي يذكره البلادي و التاريخ الذي ينقله آغا بزرك عن بحر العلوم قرن كامل، الأمر الذي يلزمنا بتخطئة أحد التاريخين و بالتماس الشواهد من الوقائع التاريخية التي تدعم صحة تصويب التاريخ الآخر.
الذي توصلت إليه – في حدود مراجعاتي حول هذا الموضوع -: إن التاريخ الصحيح هو 1181هـ، و من الشواهد التي تدعمه ما يلي:
1- تاريخ جمع ديوانه – أعني الدمستاني – من قبل ابنه (الشيخ أحمد)، الذي يكتبه في آخره بعد ذكر اسمه و نسبه، و هو: في أواخر ذي الحجة الحرام سنة 1190هـ، و الذي دعا فيه – أعني التاريخ المذكور – لوالده بـ(قدس) مما يدلّ على سبق وفاته على التاريخ المذكور ]يقرأ: آغار برزك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج2، ص358[.
2- تاريخ فراغ الدمستاني من تأليف كتابه (انتخاب الجيد)، و هو: في 8 جمادى الأولى سنة 1173هـ، فمن البعيد جداً أن يمتدّ به العمر إلى ما بعد التاريخ المذكور مدة 108 سنوات.
3- تاريخ القزويني لكتابه (تتميم الأمل)، و هو: في سنة 1191هـ، فقد ترجم الدمستاني فيه و ترحم عليه، مما يدل على سبق وفاته على التاريخ المذكور.
4- رواية الدمستاني عن الشيخ عبدالله بن الشيخ علي البلادي البحراني المتوفّى عام 1148هـ في شيراز، كما يؤرخ له الشيخ البلادي في أنوار البدرين، فمن البعيد غاية البعد أن يروي الدمستاني عنه و بين وفاتيهما مدة 133 عاماً.
5- تاريخ كتابة منتخب علي بن إبراهيم البوري (و هي هذه المجموعة) في 26 ربيع الثاني 1200هـ مع ذكره فيه، و قوله في أكثر من موضع: (و له أيضاً تجاوز له عنه) مما يشير إلى وفاته قبل هذا التاريخ.
شخصيته
أقوال العلماء فيه:
ستنتظم دراستي جوانب من شخصية الدمستاني الثقافية في ناحيتها العلمية و الأدبية، أعرضها بشيء من الإيجاز، بعد نقل و عرض بعض أقوال المؤرخين و العلماء فيه، التي ربما سلّطت بعض الأضواء على شخصيته ... و لتكون مفتتح الحديث عنها ... منها:
1- قال الشيخ القزويني: (من أهل التحقيق و التدقيق).
2- و قال الشيخ البلادي: (العالم الرباني، و الفاضل الصمداني الكامل العلامة، المحقق الفهّامة، التقي النقي، الأديب المصقع)، و قال: (و كان هذا الشيخ (قدس الله روحه و طيب ريحه و نور ضريحه) من العلماء الأعيان، ذوي الإتقان و الإيمان، و خلص أهل الولاء والإيمان، زاهداً، عابداً، تقياً، ورعاً، شاعراً بليغاً، إن نظم أتى بالعجب العجاب، و إن نثر أتى بما يسحر عقول أُولي الألباب، قلّما يوجد مثله في هذه الأعصار في العلم، و التقوى، و البلاغة و الإخلاص في محبة الآل الأطهار – سلام الله عليهم آناء الليل و أطراف النهار – و من وقف على مصنّفاته و أشعاره، و ظاهر كلامه و أسراره، و فهم مراده عرف حقيقة مقداره، و علوّ مجده و فخاره).
3- و قال السيد العاملي: (كان عالماً فاضلاً، فقيهاً، محدثاً، رجالياً، محققاً مدققاً، ماهراً في علمي الحديث و الرجال، أديباً شاعراً) ]أعيان الشيعة، ج23 ص166[.
علمه:
تبرز شخصية الدمستاني العلمية في مجالات العقيدة، و الفقه، و الرجال و الحديث.
و سأتحدث عن هذه الجوانب بشيء من الاختصار، و في إطار معرفتي عنها:
في العقيدة:
للدمستاني بحوث كثيرة مستقلة في العقيدة (أصول الدين) دونها في مؤلفات خاصة، ذكرها مؤرّخوه، و هي:
1- رسالة في التوحيد.
2- أرجوزة في التوحيد.
3- منظومة في أصول الدين.
4- منظومة في نفي الجبر و التفويض.
5- أرجوزة في إثبات الإمامة و الوصية.
و سيأتي الحديث عنه في (مؤلفاته):
أما منهجه في هذه البحوث: أكان على طريقة الفلاسفة، أم على طريقة المتكلمين، أم على طريقة أخرى ؟
أما مدى قيمة بحوثه هذه عملياً و منهجياً ... فلم أوفّق إلى الوصول إلى النتيجة المطلوبة في هذا المجال لعدم وقوفي على المؤلفات المذكورة، و لعدم وقوفي على تقييم أو نقد علمي لها ... و ظني: أنها بحوث قيّمة، من نمط بحوث عصر مؤلفها و مدرسته، استنتاجاً من المركز الثقافي الذي كان يشغله الدمستاني بين أقرانه و زملائه من معاصريه، و من قيمة شخصيته العلمية، التي قيمها مؤرخوه من العلماء.
في الفقه:
كان الدمستاني فقيهاً مجتهداً، يلتزم منهج الإخباريين في طريقة فتواه.
لم يكن بين يدي من مؤلفاته أو كتاباته أو رسائله في الفقه، وفق المنهج الإستدلالي، التي يفيد منها الباحث – عادة – مدى فقاهة المترجم له، فيعطي رأيه فيه على ضوء دراسته لها ... و لم يكن لدي صور من إجازات أساتذته له – فيما إذا كانت – التي هي بمثابة الشهادة للمجاز إليه ببلوغه درجة الاجتهاد و الفقاهة كلّما أعرفه في هذا المجال: إنه مجاز في الرواية – كما سيأتي – أما أن إجازته في الرواية تتضمّن الشهادة باجتهاده، فما لا أعرف عنه شيئاً لعدم وقوفي على صورة الإجازة.
و الذي أفدت منه فقاهة الدمستاني و اجتهاده هو ما يأتي:
1- أقوال العلماء فيه – و التي نقدم بعضها – و نصهم على فقاهته.
2- تصديه للإفتاء مع اتفاق مؤرخيه و عارفيه على ورعه و تقواه مما يكشف: أن تصديه للإفتاء كان عن إحرازه اجتهاده و فقاهته.
3- و نلمسه من محتوى القصة المتقدمة في موضوع (عيشته)، حيث صرّح فيها الموفدون من قبل حاكم أصفهان باجتهاده، و حيث أرسلوا إليه من قبل حاكم البحرين على اعتبار أن الأسئلة التي كانت معهم استفتاءات شرعية.
4- عده ذا مذهب في الفقه، يكشف: أن الدمستاني وصل إليه نتيجة الاجتهاد، كما ألمح إليه الشيخ البلادي في ترجمة (الشيخ علي الجدحفصي البحراني) عند ذكره فتواه بطهارة الماء القليل، و عدم انفعاله بملاقاة النجاسة ... قال: (و له – يعني الجدحفصي – رسالة في طهارة الماء القليل بملاقاة النجاسة، كما ذهب إليه ابن أبي عقيل و جنح إليه جماعة من متأخرّي المتأخرين، كشيخنا البهائي و الكاشاني و الشيخ سليمان الماحوزي البحراني و الفاضل الشيخ حسن الدمستاني و غيرهم) ]ص226، و قد وقفت على مخطوطة من الرسالة المشار إليها يقول فيها مؤلفها عليّ بن عبدالله بن يحيى البحراني: (قد ظهر لي بعد التتبع التام لأخبار أئمتنا (ع) و بعد قطع النظر عمن قال و النظر إلى ما قيل: طهارة الماء القليل، كما هو مختار ابن أبي عقيل، و كذلك المحدث الكاشاني و العلامة الشيخ سليمان البحراني و الفاضل الشيخ حسن الدمستاني ... الخ)، راجع ص1 (بقلم أحمد بن صالح بن طعان البحراني سنة 1272هـ.[.
5- رسالته في استحباب الجهر بالتسبيح في الأخيرتين، و سيأتي البيان عنها في مؤلفاته.
و منه نفهم أن الدمستاني كان عالماً في علوم العربية، أمثال: متن اللغة، و الصرف، و النحو، و البلاغة، و في علم المنطق، و في أصول الفقه بالمقدار الذي تعد فيه المذكورات مقدمات و وسائل لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها و استقائها من مصادرها.
في علم الرجال:
يقول الأمين العاملي: (كان – يعني الدمستاني - ... رجالياً ... ماهراً في علمي الحديث و الرجال).
و ربما أفاد العاملي هذا – و كذلك مؤرخو الدمستاني الآخرون – من كتاب الدمستاني في علم الرجال، المعنوَن بـ(تنبيهات الأديب في رجال التهذيب) – أي تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي – تأليف العلامة السيد هاشم التوبلي البحراني، فقد كان – كما يظهر من تعريفهم له – كتاباً قيّماً من ناحية علمية ...
و فيما يبدو لي أن قيمته العلمية إنما كانت لتضمنه (فوائد جليلة و تنبيهات جميلة في علم الرجال لم توجد في غيره).
في علم الحديث:
يقول الأمين العاملي: (كان – يعني الدمستاني - ... محدثاً ... ماهراً في علمي الحديث و الرجال).
روايته:
الذي وقفت عليه أن الدمستاني كان يروي عن ثلاثة، هم:
1- الشيخ محمد الفاراني البحراني.
2- الشيخ عبدالله ابن الشيخ أحمد البلادي البحراني.
3- الشيخ حسين بن محمد بن جعفر الماحوزي البحراني.
و الأخيران يرويان كلاهما عن سليمان ابن الشيخ عبدالله الماحوزي البحراني.
و الطرق التي يروي عنها الشيخ سليمان الماحوزي، يسلسلها مع الترجمة لرواتها الشيخ يوسف آل عصفور البحراني في كتابه (لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين)، و هو يشترك مع الدمستاني في الرواية عن الأخيرين. و منها:
1- الماحوزي ... عن الشيخ سليمان بن علي بن سليمان بن راشد بن أبي ظبية، عن الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد بن علي المقناعي الأصيبعي، ... و عن الشيخ علي بن سليمان بن درويش بن حاتم البحراني القدمي الملقب بـ(زين الدين)، عن بهاء الملّة و الحق و الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي الجبعي، عن والده عزّ الدين الحسين ابن الشيخ عبدالصمد بن محمد الحارثي الهمداني الجبعي، عن جملة من المشايخ، منهم – و هو أعظمهم و أشهرهم - : زين الدين علي بن أحمد (الشهيد الثاني).
2- الماحوزي ... عن الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد بن يوسف المقابي، عن جملة من المشايخ، منهم: والده الشيخ محمد بن يوسف، عن الشيخ علي بن سليمان القدمي البحراني، ... و منهم: السيد محمد مؤمن الحسيني الأسترابادي، عن السيد نور الدين علي ابن السيد علي بن أبي الحسن، عن اخويه: أخيه لأبيه شمس الدين السيد محمد، و أخي لأُمه جمال الدين أبي منصور الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني.
3- الماحوزي ... عن الشيخ محمد بن ماجد بن مسعود البحراني الماحوزي عن محمد باقر المجلسي.
4- الماحوزي ... عن السيد هاشم التوبلي، عن جملة، منهم: السيد عبدالعظيم انب السيد عباس الأسترابادي ... و منهم: الشيخ فخر الدين طريح النجفي.
و طرق العلماء الذين وقفت السلسلة عندهم أمثال: الشهيد الثاني و المجلسي، و الشيخ طريح النجفي، معروفة لدى أرباب الحديث و الرجال، و عند أصحاب الإجازات، و مدوّنة في رسائلهم و موسوعاتهم و بخاصة المتأخرين منهم.
و للتعرف على تراجم و سير و أحوال هؤلاء الرواة المذكورين، و على قيمة كل راوٍ منهم من حيث الوثاقة و عدمها، يرجع إلى كتب التراجم و الرجال و الإجازات الإمامية، و بخاصة المدونات المتأخرة، أمثال: لؤلؤة البحرين، و أنوار البدرين، و أعيان الشيعة، و طبقات أعلام الشيعة.
و يروي عن الدمستاني: ولده الشيخ احمد الدمستاني، كما في إجازته للشيخ عبدالمحسن اللويمي، و الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيين.
مؤلفاته:
كنت أود تأخير البحث عن مؤلفاته و آثاره العلمية و الأدبية إلى آخر الرسالة، لأنها نتاج شخصيته، غير أن عدم وقوفي و اطّلاعي على شيءٍ منها، و اعتمادي على تعريف مؤرخيها لها جعلني أبحثها بعد التعريف بالجانب العلمي لشخصيته لأنها – عدا كتاب الأسفار – ترتبط بالناحية العلمية ارتباطاً يكاد أن يكون كليّاً فيما يبدو لي.
و في ضوئه: فما أعرضه في بحثي هنا هو تعريف و تقييم مؤرخيها لها، و هي:
1- (انتخاب الجيد من تنبيهات السيد)، و هو منتخب و ملخص كتاب (تنبيه الأريب في إيضاح رجال التهذيب) – أي تهذيب الأحكام في معرفة الحلال و الحرام للشيخ الطوسي – تأليف السيد هاشم التوبلي البحراني المتوفى عام 1107هـ.
أوله: (الحمد لله الذي وطّد قباب الشرع الشريف بالكتاب المبين و السنة الزاهرة).
فرغ منه في 8 جمادى الأولى سنة 1173هـ.
و هو كتاب فريد في بابه من احسن ما كتب فيه ... و فيه فوائد جليلة، و تنبيهات جميلة في علم الرجال لا توجد في غيره.
2- (تحفة الباحثين في أصول الدين)، و في ذريعة: (التحفة) و لعله سماها (تحفة الباحث)، و هي أرجوزة نظمها لابنه الشيخ أحمد، و رتّبها على خمسة مباحث، كل مبحث في أصل من أصول الدين الخمسة، و أولها:
حمداً لواجب الوجود الأحد القادر العدل الحكيم الصمد
إلى:
و بعد فالراجي لعفو ذي المِنَنِ فتى أبي الفضل محمد الحسن
إلى:
فهاكها تحفة كل باحث في خمسة من غرر المباحث
و هي منظومة جليلة في غاية البلاغة و البراعة.
3- منظومة في نفي الجبر و التفويض.
4- أرجوزة في إثبات الإمامة و الوصية.
5- أرجوزة في التوحيد: تزيد على مئة بيت، و هي غير تحفة الباحثين المتقدمة.
6- رسالة في استحباب الجهر بالتسبيح في الأخيرتين، و في أنوار البدرين: رسالة في الجهر والإخفات، و لا سيما في الأخيرتين، مفيدة جيدة.
7- رسالة في التوحيد ... و ربما كانت رسالة في الأصول التي ذكرها الشيخ البلادي بقوله: (و له رسالة في الأصول في غاية البلاغة و الأحكام).
8- (أوراد الأبرار في مآتم الكرار)، و يسمى في البحرين و بلدان سواحل الخليج العربي بـ(الأسفار)، لاشتماله على أسفار حسب ترتيب المؤلف له – كما سيأتي - .
أوله: (الحمد لله الذي جعل تلاوة مصائب الشهداء أوراد الأبرار).
مرتّب على خمسة أوراد، و كل ورد على ثلاثة أسفار، و بعد كل سفر قصيدة من شعره.
ألّفه ليقرأ منه خبر وفاة الإمام أمير المؤمنين (ع)، و قد جعل الورد الأول لما يقرأ في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان و هي ليلة الفوز بالشهادة، و الثاني في يومها، و الثالثة في ليلة العشرين و الرابع في يومها، و الخامس في ليلة الحادي و العشرين و هي ليلة الوفاة لكنه لم يمهله الأجله لإتمامه، فبرز من قلمه إلى آخر السفر الأول من الورد الرابع، فتمّمه معاصره الشيخ محمد بن أحمد بن إبراهيم آل عصفور البحراني، فألحق به السفرين الثاني و الثالث من الورد الرابع، و تمام الأسفار الثلاثة للورد الخامس.
و هو كتاب جيد عديم النظير.
أدبه:
الواقع أن دراستي عن أدب الدمستاني غير شاملة ولا معمّقة، فلا أستطيع في ضوئها نفده و تقييمه و وضع الدمستاني الأديب في مركزه الأدبي بين أبناء جيله الأدباء.
و محاولتي في هذا المجال تستند إلى الاستنتاج، و بخاصة في التعريف بنثره، لعدم قرائتي شيئاًمنه، حيث لم أقف على شيء من مؤلفاته. أما في الشعر: فالذي لديّ منه نماذج قليلة لعدم عثوري على ديوانه، أخال أنها تمثل النمط العالي من شعره ... فالرأي الذي أعطيه لهذه النماذج نقداً و تقييماً لا أستطيع تعميمه لجميع شعره، إذ ربما كان في شعره الذي لم أقرأه ما هو أعلى في قيمته الأدبية، و ربما كان الأمر معكوساً ... إلا أن الذي أستطيع أن أقوله – هنا – مطمئناً كل الاطمئنان إلى ما استنتجته من رأي ]و بخاصة بعد وقوفي على جملة من قصائده[، هو أن أدب الدمستاني من نمط المستويات العالية في مضمونه و شكله .. و أن نثره – بصورة خاصة – يرتفع بلاغة و أسلوباً إلى المستوى العالي في النثر العلمي، و النثر الأدبي، المتعارف لدى العلماء الأدباء من معاصريه ... و أن روعة نثره أدبياً تتجلّى في كتابه (أوراد الأبرار في مآتم الكرار) بسبب مفعول عاطفة التقديس لأهل البيت (ع)، و عاطفة الاسى لفجائهم، اللتين تملآن نفسيات الشيعة و اللتين يعيشون إطارهما النفسي و الانفعالي.
هذا كل ما أقوى أن أقوله في نثره.
شعره:
أما شعره ... فالذي يذكره مؤرخوه: هو ان كل شعره كان في أهل البيت (ع) كما سيأتي في الحديث عن ديوانه.
و في ضوئه نستطيع أن نعده في شعراء الطف.
و فيما يبدو لي – من النماذج المعروضة بين يدي – أن شعر الدمستاني من نمط شعر مدرسة الطف في تلكم الفترة، حيث كانت منتشرة بين النجف و كربلاء و الحلة و عاملة، و الأهواز، و البحرين، و القطيف، و الإحساء، لما بين هذه المدن من روابط عقائدية و فكرية و تفاعل في المجالين العلمي و الأدبي.
و التي من أقطابها: السيد حيدر الحلي، و الحاج هاشم الكعبي.
و في عقيدتي: أن المركز الذي تتفرع منه، و تلتقي عنده خطوط هذه المدرسة هو (النجف الأشرف)، فإنه بالإضافة إلى كونه معهداً علمياً، هو بيئة شعرية، تفتح المجال، و تبعث المناسبة، و تفرض الموسم، فتهيء الجوّ الشعري، و تعد العوامل الكافية لإنشاء الشعر، و لخلق الشاعر.
و ربما كان العامل الأهم – هنا – هو طبيعة فاجعة الطف، و مدى تأثيرها النفسي في إثارة عاطفة الولاء لأهل البيت (ع) عند الشيعة، نتيجة عمق شعورهم بمأساتها، و بعد إحساسهم بوقع آلامها، و بخاصة في مواسم ذكراها، و مجالات تعظيم شعائرها.
فهو – أعني شعر الدمستاني – لا يختلف في مميزاته و خصائصه الأدبيه عن طابع و لون خصائص و مميزات شعر تلكم المدرسة، كما سنلمسه في الدراسة الآتية لقصيدته اللامية المشهورة، لدى متتّبعي و هواة شعر الطف.
1- قصيدته اللامية التي مطلعها:
من يلهه المرديان المال و الأمل لم يدرِ ما المُنجيان العلم و العملُ
جو القصيدة:
تبدأ القصيدة بالدعوة إلى الزهد في الدنيا و التعنيف بالعصاة و اللاهين، و إلى الأخذ بهدي العقل، و اقتفاء سيرة أولياء الله في الزهد و العبادة، ثم تخلص إلى واقعة الطف عن طريق ذكر نوع من سيرة أولياء الله، و هو أنهم لا يبكون إلا على قتلى الطف.
فالقصيدة في هذا الجو، تسير وفق المنهج التقليدي المتبع في شعر تلكم المدرسة: البدء بموضوعٍ ما، ثم التخلص إلى موضوع المناسبة.
أسلوبها الأدبي:
مشبّعة بالوجوه البلاغية، و المحسنات البديعية، التي تدرس و يتعرف عليها في أمثال: كتب السكاكي و التفتازاني.
فأسلوبها – إذن – الأسلوب البلاغي التقليدي، و نلمسه في أمثال الوجوه التالية:
1- التقسيم، و التقسيم و الجمع – و هما نوعان من أنواع المحسنات المعنوية البديعية – و نقرؤهما في الأبيات الآتية:
إن ينطقوا ذكروا، أو يصمتوا فكروا أو يغضبوا غفروا، أو يقطعوا وصلوا
أو يوزنوا رجحوا، أو يظلموا صفحوا أو يسألوا سمحوا، أو يحكموا عدلوا
*
سدّ إذا اتّسقوا، أسد إذا افترقوا شهب إذال اخترقوا الأبطال و اقتتلوا
2- السجع، و نقرؤه في الأبيات التالية:
فالعقل معتصم، و الوهم متّهم و العمر منصرم، و الدهر مرتحل
يدعون ربهم، في فك عنقهم من رقّ ذنبهم، و الدمع منهمل
*
خمص البطون طوى، ذبل الشفاه ظماً عمش العيون بكاً، ما عبّها الكحل
*
ذاقوا الحتوف، بأكناف الطفوف على رغم الأنوف، و لم تبرد لهم غلل
*
و الشمر مشتغل، في ذبحه عجل و السبط منجدل، يدعو و يبتهل
3- التشطير: و نقرؤه في البيتين التاليين:
و الطعن مختلف فيه و مؤتلف و النحر منعطف و العمر منبتل
و الجسم مضطرب بالنجع مختضب و القلب ملتهب ما بلّه بلل
4- المبالغة في المدح: و نقرؤها في البيت الآتي:
نحف الجسوم فلا يدرى إذا ركعوا قسي نبل هم أم ركع نبل؟
5- التضمين: و نقرؤه في الأبيات الآتية، حيث ضمنها محتويات من خطبة للإمام علي (ع) في وصف المتقين، و من خطبة أخرى ... و هي: (أجسادهم نحيفة ... اما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن ... يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم ... و أما النهار ... ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى، و ما بالقوم من مرض، و يقول قد خولطوا، و لقد خالطهم أمير عظيم، لا يرضون من أعمالهم القليل، و لا يستكثرون الكثير ...)]نهج البلاغة، الخطبة 188[ ... (مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء) ]الخطبة رقم 117[.
ألا ترى أولياء الله قد هجرت طيب الكرى في الدياجي منهم المقلُ
يدعون ربهم في فك عنقهم من رقّ ذنبهم و الدمع منهملُ
نحف الجسوم فلا يدرى إذا ركعوا قسي النبل هم أم ركع نبلُ
خمص البطون طوى ذبل الشفاه ظما عمش العيون بكا ما عبّها الكحلُ
6- التخلص: و نقرؤه في البيت التالي:
ولا يسيل لهم دمع على بشر إلا على معشر في كربلا نزلوا
الشعر التصويري:
و نقرأ في هذه القصيدة نوعاً من الشعر يصوّر جانباً من المعركة، و لعلّ الدمستاني من أوائل من نظمه من شعراء الطف، إن لم يكن أوّلهم ... اقرأ:
لهفي لزينب تسعى نحوه ولهاً .. قلب تزايد فيه الوجد و الوجلُ
فمذ رأته سليباً و الشمال على .. معنى شمائله من نسجها شملُ
هوت مقبلة منه المحاسن و الحـ .. ـسين عنها بكرب الموت مشتغلُ
تدافع الشمر عنه باليمين وبالشـ ... ـمال تستر وجهاً شأنه الخجلُ
تقول: يا شمر لا تعجل عليه ففي .. ذبح ابن فاطمة لا يحمد العجلُ
أليس ذا ابن عليّ و البتول و من .. بجده ختمت في الأُمّة الرسلُ
أبى الشقي لها إلا الخلاف و هل .. يجدي عتاباً لأهل الكفر أو عذلُ
و مر يحتزّ رأساً طالما رسو .. ل الله مرتشفاً من نحره قُبَلُ
و نقرأ هذا اللون و المحتوى من الشعر التصويري في قصيدة حسينية للحاج هاشم الكعبي، ... و ربما كان قد جارى أو اقتفى فيها أثر قصيدة الدمستاني المذكورة، مما يجعلنا نعدّ الدمستاني من أساتذة مدرسة الشعر التصويري في شعر الطف ... يقول الكعبي:
و جاءت لشمرٍ ابنة فاطمٍ .. تعنفه عن فعله و تعذلُ
تدافعه بالكف طوراً و تارةً .. إليه بطه جدها تتوسلُ
أيا شمر مهما كنت في الناس جاهلاً .. فمثل حسين لست يا شمر تجهلُ
أيا شمر: هذا حجة الله في الورى .. أعد نظراً يا شمر إن كنت تعقلُ
أيا شمر: لا تعجل على ابن محمد .. فذو وتر في مثله ليس يعجلُ
و مر يحز النحر غير مراقب .. من الله لا يخشى ولا يتوجّلُ
و قد حاول بعضهم أن يعد هذا اللون من النظم الحسيني شعراً تمثيلياً، و أن يعتبر الشاعر الكعبي أوّل من قاله.
و الذي انتهيت إليه في دراسته عن (ثورة الحسين في الشعر العربي)]راجع العدد 3 من مجلة (النجف) – كلية الفقه – السنة 2[ أن الشعر التمثيلي لم يدخل شعر الطف إلا بعد دخوله الشعر العربي العام في العصر الحديث عن طريق أحمد شوقي و عزيز أباظة و خالد الشواف و غيرهم.
و إن هذا اللون من النظم لا نستطيع أن نعدّه أكثر من شعر تصويري للمعركة أو بجانبٍ منها، و هو ليس بالجدير إلا في الشعر الحسيني، و ذلك لأنه يمتدّ مع بدايات الشعر العربي في الجاهلية، فقد قرأنا مثله في شعر امرئ القيس و غيره.
و قد خمس هذه القصيدة انه الشيخ أحمد الدمستاني.
قصيدته المربعة:
و هي من قصائده المشهورة عند قارئي و هواة شعر الطف أيضاً ...
يتألف كل مقطع منها من أربعة أبيات، ينتهي كل بيت من أبياتها الثلاثة الأولى بقافية، و ينتهي البيت الرابع بقافية القصيدة، اقرأ مطلعها:
أحرم الحجاج عن لذّاتهم بعض الشهور .. و أنا المحرم عن لذاته كل الدهور
كيف لا أحرم دأباً ناحراً هدي السرور .. و أنا في مشعر الحزن على رزء الحسين
و الذي أخاله – في حدود قراءتي لشعر الطف -: إن الدمستاني أول من نظم هذا النوع من الشعر، و قد جاراه جملة من الشعراء فيه، منهم: الشيخ حسن البلادي البحراني بقصيدته التي مطلعها:
أحرم الحجاج أياماً ببعض الأشهرِ .. و أنا المحرم لو عمرت كل الأدهرِ
حيث إن الوقت عاشورا بكل الأعصرِ .. و كذا كل مكان كربلا ذبح الحسين
و منهم: الشيخ سليمان البحراني الملقب بالتاجر بقصيدته التي مطلعها:
حجة الله إمام الثقلين .. جرد السيف لثارات الحسين
رزء آبائك أدمى المقلتين .. و أسال العين فوق الوجنتين
و بقصيدته الأخرى التي مطلعها:
سل الطف عن ركب به حفّ موكب .. من الملأ الأعلى ينوح و يندب
متى سيرت فيه لكوفان زينب .. و بالرغم هل طيفت بمصرع قتلاها
و قصيدة الدمستاني المشار إليها، تتضمن نظم مقتل سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، و لعلّها أول ملحمة شعرية نظمت في واقعة الطف، و بهذا الأسلوب الخاص.
ديوانه:
جمع شعره ابنه (الشيخ أحمد) في مجلد مشتمل على (109) صفحات في كل صفحة (15) سطراً، كتبه بخطه.
أوّله:
هو السعد وافى مقبلاً أي إقبال .. بوصل حبيب كان يؤثر بالبالي
و كل قصائده في مديح و رثاء المعصومين من أهل البيت (ع)، و قد ألحق ابنه شعره ذاته في آخر ديوان أبيه ...
انتهى من تدوينه في أواخر ذي الحجة عام 1190هـ، و لا يزال ديوانه مخطوطاً حتى الآن.
و الحمد لله رب العالمين.