تَحَجَّرَتِ الدُّنيا وما زلتَ مُمْرِعا = وعَقَّتْ فكنتَ المُضْمَحِلَّ تَضرّعا تناثرَ أهلوها على كلِّ وجهةٍ = إلى حيثُ أبوابُ الغوايةِ شُرّعا وهمُّوا سِراعًا بالأماني ورَمْيِها = فكانوا إلى مرمى الجهالةِ أسرعا وهل خَسِروا إلَّا لأنَّك فَوْتُهُمْ = ألا ساءَ جهدًا خابَ سعيًا وَمَنْ سَعى فما زلَّ مَنْ ألفى هواكَ صراطَهُ = وكفَّ الدَّواهي مُسْتَظِلُّكَ مَرْجِعا إليكَ جرى الباغونَ في شرِّ غايةٍ = فلم يجدوا إلَّا مقامَكَ مَطْمعا نصحتَ لهم في الصَّالحاتِ فقابَلوا = نداءَك جهلًا في النفوسِ تطبَّعا ((ألَسْنا مَوَاليكُمْ ورهطَ نبيِّكمْ = وأشرفَ ما أبقاهُ فيكمْ وأوْدَعا)) فما زِدْتَهم بالحقِّ إلا سَفاهَةً = ألا خَسِئوا صُمًّا وقُدِّسْتَ مُسْمِعا فما كانَ منهم أنْ يعُودُوا لرشدِهِمْ = وحاشاكَ أن تعطي صَغارًا وتخضعا فجرَّدت عزمًا لا يُرَدُّ قضاؤهُ = فصالَ بِهِمْ حصدًا رؤوسًا وأذْرُعا فكم جبلٍ يا سيِّدَ الصَّبْرِ مُقْسِمًا = لصبرِكَ يَهْوي خاشعًا مُتصدِّعا سقَيْتَ شفاهَ العادياتِ تَمَنُّعًا = وذقتَ كؤوسَ النائباتِ تجرُّعا فيا عاطشَ الأحشاءِ لم يُسْقَ شربةً = قِنا عطشَ الأخرى تباركتَ منبعا ومِنْ روعِ يومِ الحشرِ مولايَ نجِّنا = بحرمةِ مَنْ بالطفِّ سيقَ ورُوِّعا فأنتِ بعينِ اللهِ اذ جئتَ داعيًا = تمدُّ له كفّينِ خمسًا وأربعا فديتَ لهُ أهلًا ووِلْدًا وصحبةً = وجُدْتَ لهُ رأسًا وقلبًا وإصبعا فيا تربةً تهوى تنفُّسَها السَّما = ونجمًا أذلَّ النّاظرينَ تطلُّعا أرادوكَ أنْ تُمحى وذكرُكَ ينتهي = فعِشْتَ على عرشِ العُلا متربِّعا وكنتَ على مرِّ العصورِ مهيمِنًا = عَصِيَّا عَلى كيدِ العِدى متمنِّعا غزَوْتَ ديارَ النصرِ حيَّا وميِّتًا = فلم ترَ أبصارُ الدُّنى منكَ أشجعا ورثتَ عليًّا مِنْ عليٍّ شجاعةً = فما زلتما سيفًا على البغيِ مُشْرَعا أضاءتْ بكَ الأخرى واظلمَّت الدُّنى = فلم ندرِ جبريلٌ أبشَّرَ أم نعى فما أنتَ إلا للمحبِّ مفازةٌ = وإنَّا لأسمى بالمحبةِ مَوضعا فليسَ بنا خوفٌ إذا حانَ حينُها = فإنَّ لنا فيها شفيعًا مُشفَّعا أقولُ وقدْ أودَتْ بقلبي جراحُهُ = لعينيَّ قد آنَ الأوانُ لتجزعا أعينيَّ إن ضنَّ البكاءُ بمائِهِ = فضيفا حسينًا حيثُ نازعَ تدمعا إذِ الطعناتُ الظامئاتُ احتوشْنَهُ = فصافحَ أعناقَ الصِّفاحِ مودِّعا أيدرونَ مَنْ داسَتْ سنابكُ خيلِهِمْ = أحِلَّ مقامًا في السماواتِ أرفعا؟ أغارَ عليهِ الدهرُ مِنْ كلِّ جانبٍ = فلم يرَ إلَّا أن يردَّ ويدفعا فما هدَّه إلَّا فراقُ أخٍ لهُ = كبدرٍ قَضَى في الماءِ ظمآنَ موجَعا ونزفُ رضيعٍ في الإباءِ كعمِّهِ = فما شاءَ إلا جنةَ اللهِ مُرْضِعا فيا سيِّدي لا لن أفيكَ مدامعًا = ولو ينقضي عمري أسًى وتفجُّعا ودادُكَ يُجْزى عزَّةً ورضًا إذًا = لكَ الدينُ والدنيا ملكتَهما معا فهل أعينٌ تبكيكَ إلَّا تقرَّحتْ = وهل كبدٌ يهواكَ إلاّ تقطَّعا تقلَّدتَ قلبًا ما حبا اللهُ مثلَهُ = فما أبعدَ الإبحارَ فيهِ وأوسعا تدفَّقَ إيمانًا وحِلْمًا وحكمةً = وكنتَ بهِ عندَ الوغى متدرِّعا لهُ أعصرٌ دانت طريفًا وتالدًا = ومِنْ دمِهِ التاريخُ مسكًا تضَوَّعا فلولا حسينٌ لم ترَ الأرضُ سُجَّدًا = ولم تحضنِ الآفاقُ لولاهُ ركَّعا ولا أوجفَ الباكونَ للهِ خشيةً = ولا رمقوا الأسحارَ شاكينَ خُشَّعا فيا كوثرَ الهادي ومنَّةَ ربِّهِ = ويا كوكبًا بزَّ الكواكبَ أجمعا تَعودُ القوافي منكَ دافقةَ المُنى = وتشتاقُكَ الأقلامُ وحيًا ومربعا تعاليتَ ما للشعرِ فيك نهايةٌ = فلم أختتِمْ إلاّ رأيتُكَ مَطْلعا