نزْفٌ تَأَلَّقَ
وَازْدَهَى وَأَضَاءَ
جَعَلَ التُّرَابَ يُجَاوِزُ الْجَوْزَاءَ
وَتَلأْلأَتْ قَطَرَاتُهُ
بَيْنَ الثَّرَى
وَتَوَاتَرَتْ عَبْرَ السِّنِينَ ضَيَاءَ
حُمِّلْتَ يَا هَذَا الزَّمَانُ
دُمُوعُنَا
وَلَكَمْ سَتَحْمِلُ لِلْحُسَيْنِ بُكَاءَ
فِي عَتْمَةِ الْجَبَرُوتِ
أَقْبَلَ ثَائرًا
وَكَأَنَّ رِحْلَتَهُ انْقَضَتْ إِسْرَاءَ
مُتَوَشِّحًا بِجَلالِهِ
يَمْشِي إِلَى
عَتَبَاتِ مِيتَتِهِ خُطًى سَمْحَاءَ
يَا نَازِفًا
تَحْتَ الرِّمَاحِ مُضَرَّجًا
هُمْ ضَرَّجُوكَ لِتَسْكُنَ الْعَلْيَاءَ
مَنْ يَبْذُلُونَ نُفُوسَهُمْ بِأَكُفِّهِمْ
صَدَقُوا فَهُمْ لا يُنْفِقُونَ رِيَاءَ
لا يَرْتَدِي الْحُرُّ الْكَرِيمُ
ثِيَابَهُ
إِلا مُطَرَّزَةً أَسًى وَدِمَاءَ
قَطَرَاتُ نَزْفِكَ يَا حُسَيْنُ
نُجُومُنَا
كَمْ بَدَّدَتْ فِي لَيْلِنَا الظَّلْمَاءَ
وَبِهِ اهْتَدَى الشُّهَدَاءُ
لَمَّا أَقْبَلُوا
يَرِثُونَ عَنْكَ الْمِيتَةَ الْعَصْمَاءَ
وَكَتَمْتَ أَنَّاتِ الْجِرَاحِ
تَرَفُّعًا
فَإِذَا جِرَاحُكَ تَحْتَوِيكَ شِفَاءَ
مَنْ يَكْتُم الآهَاتِ صَبْرًا
رَدَّدَتْ
آهَاتِهِ تِلْكَ الذُّرَى
أَصْدَاءَ
دَاسَتْ سَنَابِكُ خَيْلِهِمْ
أَضْلاعَهُ
فَازْدَادَ بَيْنَ ضُلُوعِنَا خُيَلاءَ
لَمْ يَقْتُلُوكَ
وَإِنَّمَا أَنْتَ الَّذِي
تَهَبُ الْمَنَايَا مِنَّةً وَسَخَاءَ
لَمْ يُظْمِئوكَ
فَأَنْتَ سِبْطُ الْمُصْطَفَى
لا تَسْتَسِيغُ سِوَى الْجِنَانِ سِقَاءَ
لَمْ يُرْهِبُوكَ
فَهُمْ جَمِيعًا أُرْهِبُوا
لَمَّا نَزَفْتَ مِنَ الْجِرَاحِ إِبَاءَ
وَرَأَوا دِمَاءَ الْمُصْطَفَى
مَمْزُوجَةً
بِدَمِ الْحُسَيْنِ وَأَبْصَرُوا الزَّهْرَاءَ
وَبَدَا عَلِيُّ فِي
جَلالِ جِرَاحِهِ
شَمْسًا تَشِعُّ كَرَامَةً وَنَقَاءَ
وَيَرَى الْحُسَيْنَ مُضَرَّجًا
فَيَقُولُهَا:
أَحْسَنْتِ يَا زَهْرَاءُ لِي الأَبْنَاءَ
أَحْسَنْتِ إذْ رَبَّيْتِ طِفْلاً
أُمَّةً
أَنْشَأْتِهِ بِنُبُوَّةٍ إِنْشَاءَ
أَحْسَنْتِ يَا زَهْرَاءُ
إِذْ عَلَّمْتِهِ
كَيْفَ الشَّهَادَةُ تَصْنَعُ الأَحْيَاءَ
أَحْسَنْتِ يَا زَهْرَاءُ
إِذْ أَطْعَمْتِهِ
مِنْ حِنْطَةِ الصَّبْرِ الْمُبِينِ غَدَاءَ
وَعَصَرْتِ غَيْمَ الْكِبْرِيَاءِ
لأَجْلِهِ
وَسَقَيْتِهِ ... مَا ذَاقَ فُوهُ الْمَاءَ
وَنَسَجْتِ يَا زَهْرَاءُ
مِنْ نُورِ الضُّحَى
بُرْدًا لِيَحْمِلَهُ الذَّبِيحُ لِوَاءَ
حَمَلَ اللِوَاء
فَكَانَ نُورًا سَاطِعًا
فِي كَفِّهِ نُورٌ إِذَا يَتَرَاءَى
يَا وَارِثًا أَلَقَ الشَّهَادَةِ
كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ...
مَا كَانَتِ اسْتِثْنَاءَ
إِنَّ الشَّهَادَةَ خُبْزُكُمْ
بَلْ مَاؤُكُمْ
لا تَرْتَضُونَ سِوَى النَّزِيفِ رُوَاءِ
بَلْ أَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ
آلَ مُحَمَّدٍ
الْحَامِلِينَ شَرِيعَةً بَيْضَاءِ
الْعَابِرِينَ
إِلَى خُلُودِ شُمُوخِهِمْ
الْقَابِضِينَ عَلَى التُّقَى أُمَنَاءَ
الْبَاسِمِينَ
إِذَا الْمَنَايَا أَقْبَلَتْ
الصَّادِقِينَ مَقُولَةً وَدِمَاءَ
السَّالِكِينَ الْمُسْتَحِيلَ
طَرِيقَهُمْ
الرَّافِضِينَ الْغُولَ وَالْعَنْقَاءَ
الْلابِسِينَ الْمَجْدَ
ثَوْبًا طَاهِرًا
أَوْ مِيِتَةً فِي عِزِّهِمْ غَرَّاءَ
الْمُطْعِمِينَ
إِذَا السَّحَائِبُ أَجْدَبَتْ
وَالْمُحْسِنِينَ إِذَا الزَّمَانُ أَسَاءَ
السَّائِرِينَ
إِلَى نَعِيمِ حُتُوفِهِمْ
شُهَدَاؤُكُمْ كَمْ شَيَّعُوا شُهَدَاءِ
الْوَائِدِينَ الْفِتْنَةَ الْكُبْرَى
إِذَا سَقِمَ الزَّمَانُ
اسْتَأْصَلُوا الأَدْوَاءَ
السَّائِحِينَ
الْوَاصِلِينَ لِرَبِّهِمْ
لا يَبْتَغُونَ سِوَى رِضَاهُ جَزَاءَ
الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ
شَهَادَةً
وَيُسَبِّحُونَ بِحَمْدِهِ أَشْلاءَ
الْعَاشِقِينَ الْعَفْوَ
فِي الْفَتْحِ الْمُبِينِ ...
لِعِشْقِهِ أَطْلَقْتُمْ الطُّلَقَاءَ
الْبَاسِطِينَ إِلَى الزَّمَانِ أَكُفَّهُمْ
يَسْخونَ، مَا مَلُّوا قِرًى وَعَطَاءَ
مَنْ ذَا يُعَلِّمُنِي الْبُكَاءَ عَلَى فَتًى
مِنْ هَؤُلاءِ
فَأُغْرِقَ الْبَطْحَاءَ؟
إنَّا تُعَزِّينَا السِّنِينُ
لِفَقْدِهِ
مَنْ ذَا سَيَقْبَلُ فِي الشَّهِيدِ عَزَاء؟
عَيْنُ الأَسَى تَبْكِي..
أَضَرَّكَ دَمْعُهَا
أَمْ خِلْتَهُ لا يَسْتَحِقُ بُكَاءَ؟!
وَعَلامَةُ الإيمَانِ
بِابْنِ مُحَمَّدٍ
ألاّ تُكِنَّ لأَدْمُعِي الْبَغْضَاءَ
إِنْ كُنْتَ تَجْهَلُ مَنْ حُسَيْنُ
فَسَلْ دَمًا
أَبْهَى مِن الْقَمَرِ الْمُنِيرِ تَرَاءَى
وَسَلِ النَّسِيمَ
بِكَرْبِلاءَ فَِعْطُرُه
مَا زَالَ يَغْمُرُ طِيبُهُ الأَرْجَاءَ
وَسَلِ الشَّهَادَةَ
فَهيَ تَوْأَمُهُ الَّتِي
كَانَتْ تُصَاحِبُهُ صَبَاحَ مَسَاءَ
هُوَ مَنْ سَقَى الدُّنْيَا الْفُرَاتَ
بِعِلْمِهِ
وَبَنُوهُ مَاتُوا فِي الْعِرَاقِ ظِمَاءَ
فَرْعٌ مِن الْغُصْنِ
الَّذِي قَْد أَوْرَقَتْ
فِيهِ الشَّهَادَةُ عِزَّةً وَإِبَاءَ
سَنَظَلُّ نَنْزِفُ لِلْحُسَيْنِ
دُمُوعَنَا
عَلَّ الْبُكَاءَ يُجَمِّعُ الأَشْلاءَ
إِنَّ الْبُكَاءَ صَلاتُنَا
بِجُفُونِنَا
إِنْ لَمْ تُؤَدُّوا حَاضِرًا فَقَضَاءَ
أَرَأَيْتَ لَوْ فَارَتْ
بِحَارُ دُمُوعِنَا
لَرَأَيْتَ مَوْجًا جَاوَزَ الْجَوْزَاءَ
وَإِذَا حُرِمْنَا
أَنْ نَنَالَ شَهَادَةً
فَعَسَى الشَّهَادَةُ أَنْ تَكُونَ بُكَاءَ
فَدَمُ الْحُسَيْنِ
قَصِيدَةٌ فِي نَزْفِهَا
كَمْ أَعْجَزَتْ قَطَرَاتُهُ الشُّعَرَاءِ
قَبْرُ الْحُسَيْنِ
هُوَ المْدَى
مَا حَدَّقَتْ
عَيْنَانِ إِلا تَعْشَيَانِ سَنَاءَ
قَبْرُ الْحُسَيْنِ
هُوَ الْقُلُوبُ تَفَطَّرَتْ
وَالنَّبْضُ صَارَ زِيَارَةً وَدُعَاءَ
مَا زَالَ نَهْرُ النِّيلِ
يَجْرِي
أَدْمُعًا
وَيَفِيضُ عِرْفَانًا لَهُ وَوَفَاءَ
وَأَتَيْتُ أَمْزِجُ
دَمْعَ مِصْرَ بِأَدْمُعِي
لَبَّيْتُ مِنْ قَبْلِ النِّدَاءِ نِدَاءَ