احترفْتُ الحسينَ
شعرًا وفنًّا وصوتًا حزين
فكانَ الصلاةَ وكانَ الحياةَ
وكانَ الضياءَ على الخافقين
هناكَ أراهُ
يدلقُ الحبَّ وحيًا دفين
ويدنفُ مِنْ شفَتَيْهِ الزلالَ
ليعبقَ في الروحِ خُلدًا حزين
توضَّأَ شوقًا بماءِ الدماءِ
وأحرمَ عُشقًا إلى العالمين
رأيتُهُ يكبو على ركبتَيْهِ
ويجثو سجودًا على تربتين
وأسلَمِ للهِ حينَ اعتلى
نداءُ الشهادةِ في الخافقين
***
على تلَّةِ الحزنِ بينَ الخيامِ
وجدتُكَ سهمًا أصابِ اليقين
وخلتُكَ كفًّا تعيشُ القنوتَ
ويسكُبُ فيها الإلهُ الحنين
أيا قطعةَ اللهِ فوقَ الترابِ
فكيفَ غدًا يصابُ الجبين
وكيفَ تكونُ بفمِّ السيوفِ
وأنتَ على الأرضِ دونَ مُعين
رأيتُهُ سارَ إلى كربلاءَ
يسيرُ إلى الموتِ في مركبين
يلوحُ بصدرِهِ وشمُ الخلودِ
وفوقَ الجبينِ أرى حجرَيْن
تزمَّلَ بالموتِ شوقًا وعشقًا
ولفظًا يُرتِّلُ بالشفَتَيْن
يداعبُ نفسًا ستُلقى غدًا
وتمشي إلى الحتفِ في مفرقَيْن
طريقٌ يشقُّ سراطَ الحياةِ
وآخرُ شقَّ خلودَ الحسين
فكانَ يمدُّ الوجودَ امتدادًا
ويخلقُ دهرًا طِوالَ السنين
ويسمو عصيًّا على الإنقضاءِ
فيبقى الزمانُ ويبقى الحسين
أراكَ بدمعِ الثُكالى حزين
وفي الشهداءِ أراكَ ضمين
وفي شيبةِ الكهلِ أنتَ بياضٌ
وفي حضنِ أمي بقيتَ سنين
وفي المهدِ أبكي: حسينٌ حسين
فيلتاعُ حُبّكَ في الشَّفَتَيْن
إلى أنْ كبُرْتَ وصِرْتُ أناكَ
فأنتَ أنا وأنتَ الحسين
***
على تلَّةِ الحزنِ بينَ الخيامِ
رأيتُكَ تمشي شمالاً يمين
وعينُكَ نحوَ الفراتِ تدور
ولحظُكَ يرمقُ شيئًا ثمين
هناكَ بجنبِ الفراتِ هوى
على الأرضِ شهمًا بدونِ اليمين
ومنهُ العيونُ أتَتْها السِّهامُ
فصُوِّبَ عينًا وشُقَّ الجبين
وجنبُهُ جودًا عليها يداهُ
وبندٌ على الصدرِ مِنْهُ يبِين
على الحبِّ تمشي إليهِ سريعًا
وصوتُهُ دوَّى: حبيبي حسين
رأيتُكَ تمشي وقفرُكَ محني
وتُرمي بقاياكَ فوقَ الطَّعين
عليهِ تُريقُ الجفونَ دموعًا
ومنكَ اعتلى نحيبُ الأنين
***
على تلَّةِ الحزنِ بينَ الخيام
رأيتُكَ تحملُ ذاكَ الجنين
وخطوُكَ دونَ الفراتِ دنا
وزندُكَ يعصرُهُ للوَتِين
وديعًا هلوعًا جزوعًا حزين
عطيشًا ضحوكًا قصيرَ السنين
تفيضُ عليهِ حنانَ الربيعِ
ويُورِدُ خدَّيْهِ دمعًا سخين
كأنَّهُ يبكي وينعى أباهُ
ببُعْدِ المماتِ سيَبْقَى دفين
إلى أنْ تعالى إليهِمْ نَدَاكَ
بأنَّ الرَّضِيعَ يُريدُ المَعين
فأُسقيَ سهمًا عديلَ المنون
ليُلقى ذبيحًا بصدرِ الحصينِ (الحسين)
فغابَتْ دِمَاهُ بصدرِ السماءِ
وعُلِّقَ بالرمحِ رأسُ الجنين
***
على تلّةِ الحزنِ بينَ الخيامِ
رأيتُكَ ملقًى بجنبِ المَعِين
وحيدًا فريدًا قتيلَ السيوفِ
مُصابَ الجبينِ بدونِ مُعِين
على النهرِ ملقًى هناكَ الكفيل
يئنُّ لأنّكَ ملقًى طعين
وجسمُكَ فوقَ الترابِ اعترى
وسهمٌ توتَّرَ ثأرَ السنين
مِنَ الريحِ تسفي عليهِ الذّرى
وشاحًا يُغطّي الدماءَ بِطين
فديتُكَ فوقَ الترابِ طعين
ورأسُكَ فوقَ الرماحِ سفين
وصدرُكَ دونَ جَنانٍ بقى
بسهمٍ أتاهُ بكفِّ اللعين
وصدرٌ تهشَّمَ بالضابحاتِ
ورجلٍ تعدَّتْ على الأكرَمِين
هنا كانَ ثغرُ النبيِّ الكريمِ
وموضع سرّ الأله المُبين
هنا كانَ سرٌّ لموسى دفين
وعيسى ذبيحًا ويحيَى طعين