كتابة على قبر دعبل الخزاعي
طهّرتَ حرفَكَ ..
لم تُرِقْ أوتارَه في رفدِ قافيةِ الدماءْ
وضّأتَ ثغرَكَ من سحاباتِ السماءْ
ونأيتَ عن تلك المسارحِ كلِّها
وعرفتَ أنّ الليلَ والشيطانَ ما خلفَ الستارة ْ
عيناكَ لا في الوجهِ يا دعبلْ
عيناكَ ما بين الضلوع ْ
عيناكَ نافذتا منارة ْ
رأت السفائنَ كلَّها
رأت الحطامَ جميعَهُ
رأت التشوّه َ والندوبَ وقيحَها
تحتَ الوجوهِ
وتحت سِحْر الأقنعة ْ
رأت العفونة َ خلفَ أطنانِ الطلاءْ
عرفتْ بأنّ الوهمَ ينخرُ في نفيسِ الأمتعة ْ
عيناكَ نافذتا منارة ْ
عرفت بأنَّ سفينة ً فرداً
هي وحدها بين السفائنِ كلِّها
ترسو على الجوديِّ
ترسو في استواءْ
فهجرتَ كلَّ سفينةٍ
في الشرقِ أو في الغربِ
لم تعبأْ بها
بل عبْتَ كلَّ سفينةٍ متزعزعة ْ
لا أنّكَ المغرورُ يا دعبلْ
بل طبعُكَ الفنّانُ لا يهوى الحطامَ
ولا يحبُّ سفينةً
نُسجتْ بخيطِ الوهم فيها الأشرعة ْ
حتى إذا التنّورُ فاضَ
وزمجرتْ سُحُبُ الهلاكِ على الصحارى والرياضْ
ركَّبْتَ أحرفَكَ الثمينة َ في السفينة ْ
وتلوْتَ: "بسمِ الله مجراها ومرساها"
فجَرتْ بموجٍ كالجبالْ
غسلَ السحابُ الأرضَ من أدرانِها
ومحا الطلاءَ جميعَه والأقنعة ْ
وأعاد للدنيا البريقْ
وأعاد للشِّعرِ المجذّذِ أذرُعَه ْ
وأعاد للفنِّ المهجَّرِ موضِعَه ْ
ثمّ استوتْ ذاتُ الدُّسُرْ
فيها العماماتُ الخضرْ
وانسابَ من رحِمِ الردى صبحٌ جديدْ
وهناك قلّدتَ القصيدةَ تاجَها
وخلودَها
فإذا بأحرفِها الغنيةِ بالولاءِ
وبالبلاغةِ
والرحيقْ
ترقى وترقى
مثل معراجِ القَبولِ
وتستحيلُ
على ثغور الحورِ أغنية ً
وحروفُهم يا سيّدي
حطَبُ الحطبْ
متفاعِلٌ .. فَعِلٌ .. فعولٌ .. فاعِلٌ
في عزفِ قافيةِ الحريقْ