إبن الحر.. خاذل الحسين (ع)
قصة قصيرة – السيد جعفر الفرزدق الديري:
وجدني يوما أقتل شابا فارّا بما معه من مال، فبرز لي بكأسه آمرا إيّاي بشربه. رفضت فأصرّ. هربت فتبعني. حاصرني فأرغمني. ماء مالح أحسّست بحلاوته في فمي فاستسلمت لمذاقه. أما اللعين فغاب عن ناظري، ومن يومها وأنا أسرق وأنهب وأقتل من أجل الفوز بكأس من الماء المالح!.

لمّا سمعت باقتراب أبي عبدالله الحسين من الكوفة. خفت أن يحرمني لذّة الماء المالح. إذ كان أشدّ الناس مقتا له. ركبت فرسي الأثير عندي، وخرجت منها متّجها إلى منطقة توهّمت أنها بعيدة عن مسيرة. لكن لم تمر سوى أيام معدودة، حتى جاءني في خيمتي يطلبني. فررت بأقصى ما أستطيع، وكلماته تصلني فلا تحرك بي ساكنا (من سمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار).

بعدها صرت عبدا للماء المالح!. كنت أنتظر ولوج الليل، لينام الناس وتهدأ العيون. فأغلق الباب والنوافذ، وأسكب الماء المالح على الأرض. أخرج لساني وألحس كل شبر. حتى إذا ظهر الفجر، استلقيت على الفراش تعبا. وما أن تحلّ الظهيرة حتى أترك مخدعي، لأتملى الماء المالح في كل مكان. ومن عجب أنّي كنت أشاهده حتى في أكف الناس وهم يبتاعون ويشترون. حتى أثناء صلاتهم في المسجد كانوا ينضحون ماءا مالحا. كنا جميعا نصلي، لكن أفكارنا منصبّة على الماء المالح!.

نصبوني زعيما لهم؛ كنت أشدّهم ظمئا للماء المالح. فلم يخالف أحدهم أمرا أصدرته، بل كانوا يتسابقون إلى تنفيذه، حتى في أحلك الظروف. كانوا لا يتورّعون تحت قيادتي عن أي فعل مقابل كوب من الماء المالح. حتى قام المختار بن أبي عبيدة الثقفي ففزعنا جميعا؛ شعرنا وكأن سدا منيعا يقف دوننا والماء المالح.
كانت سيرة عشقه للإمام الحسين على كل لسان. لقد انتقم من قتلته واحدا إثر واحد. إخواننا الذين فضلوا الماء المالح على العذب قتلهم شرّ قتلة، فجعلهم أمثولة تحرمنا لذة النوم، وتضيق علينا مسالك العيش. كنا متأكدين من أنه لن يترك بئرا واحدا ينبع منه الماء المالح دون طمر!.

حذّرت أصحابي العاقبة. فتحوّلوا إلى عبيد لي. دفعتهم للتسبيح بحمدي بكلّ فعل آمنوا بأنه يقيهم شرّ المختار!. هجمنا على البيوت الآمنة، قتلنا أربابها، سرقنا كل شيء فيها، حتى إذا خلفناها بلقعا، أحرقناها بمن فيها من نساء وأطفال.
إنتشيت إذ آمنت بأني إله مفترض الطاعة، آن له أن يحصد ثمرة عبوديته للماء المالح. كان قصارى ما أؤمله كوب من الماء المالح، أمّا أن أفتح له مجرى خاصا بي، فذلك أمر لم أحسب نفسي ستحظى به يوما. لكنني لم أنعم بعبّادي طويلا، إذ سرعان ما برز الغول! انتابتني قشعريرة في عمودي الفقري. أسميته الغول لأنه لا يبقي ولا يذر. نقتل واحدا فيقتل ألفا، نسبي امرأة فيسبي أمّة، نسرق بيتا فسيرق مدنا!. كان الماء المالح ينساب من وجهه شلالا، لا يترك حتى فرجة صغيرة دون أن يصلها. كان شرّا مستطيرا. كنت أعلم أن هذا الجلف قاسي الفؤاد، المشارك في قتل بن بنت رسول الله، لن يترك شيئا لي، سيشرب كلّ منابع الماء المالح. وكان لابد من قتله!.
ترصدته وهو على فرسه. ثم أرسلت رمحي ليستقرّ في ظهره. لكنني وبدلا من أن أنظر إليه يهوي، لمع أمام عيني الشيخ قبيح الصورة منتن الرائحة؟! ووجدتني اتجه بكياني كلّه إلى الماء المالح الذي سقط فيه الغول!.
وضعت يدي على صدري، وشددت بأقصى قوّتي. كنت خائفا على قلبي من أن يتقطّع، لا فزعا من الغول ولا من أي أحد، بل من شدّة العطش إلى الماء المالح!. مات كل شيء فيّ. وحدها لذة الوصال بالماء المالح كانت تدفعني إليه. وجدتني أركض مسرعا إليه. كان منظره رائعا.. فاتنا.. جبّارا.. عاتيا. وكان لساني يندلع من فمي ظمئا كلسان كلب!.
تمت
الأحد 31/1/2011

Testing
عرض القصيدة