في مدح سيد الشهداء (ع)
طغى الحزن سيلاً فغطّى الحمى=ودمع المحبّين أمسى دَمَا
يعود المحرّم في كلّ عام=فنبكي عليك لحدّ العمى
فأنت المجدّل فوق الرمالِ=وأنت القتيل قتيل الظما
وماء الفرات صداق التي=تفوق بمن أنجبت مريما
نعبّ الدموع فلا نرتوي=وقد أغلقوا دوننا زمزما
فديتك يا أعظم الأعظمِينَ=ومن أصعد المرتقى هَاشما
تفضلْتَ فخراً على العالمين=بأصل وجذع وفرع سَمَا
فأنت الحسين وسبط الرسولِ=به حُزْتَ مَحتدك الأكرما
أبوك عليٌّ وصيُّ النبيّ=وأُمّك من سُمّيَت فاطما
هما الأعليان هما الفاطمانِ=وخيرُ البرية طرّاً هُما
مدحتك شعراً فتاه القريضُ=بمدحك ثمّ ارتقى سُلَّمَا
إلى المجد يا أمجد الأمجدينَ=وبزّ الكواكبَ والأنجما
وأزهرتِ المفردات اللواتي=صحون وكنّ مدىً نُوَّما
فواحدة قد غدت وردةً=وأُخرى غدت جنبها برعما
ولكنّ دمعي بذكر المصابِ=تحدَّر كالغيث لمّا هَمَى
فناح قصيدي كمثل الثكالي=وقافيتي أصبحت مأتما
طلبتَ النصيرَ فأعدمتَهُ=سوى قلّة باركتها السما
وما كنتَ فظاً ولا مستبداً=ولا كنتَ وغداً ولا واغما
وكم من مُوَال دعاك=لتأتي أتيتَ ولكنّه احجَمَا
فهذا أراد بها منصباً=وذاك أراد بها درهما
وذلك جعجع حتّى تؤوبَ=وآخرُ من خلفه همهما
فما هنتَ نفساً ولا لنت عزماً=وظَلْتَ أمامهمُ قائما
تذود عن الدين رغم الحتوفِ=وتقصم ظهراً أتى قاصما
تغلغلت في صفهم مفرداً=فمن لم تنله أتى مُرغما
وضنّوا عليك بماء الفرات=فجرّعتهم مثله علقما
ومن بايعوك بدون وفاء=أضاعوا السواعد والمعصما
وجُلْت كليث تخوض المنونَ=تصدّ المكابر والغاشما
ومن إنّها فئة قد بغت=تضمّ المنافق والأثما
وتحوي الطليق سليل الطليقِ=ربيبَ الثعابين والأرقما
وتطوي الجناح على حاقد=وطالب ثأر أتى ناقما
يروم الأريكة والصولجانَ=ويبغي الخلافة لكنّما
إذا نالها فاسق حقبةً=فلن تستقيم له دائما
تؤول الأمور لأصحابها=ويسقط غاصبها نادما
حججتُ إليكَ بكرب البلاءِ=وكنتُ بحزن الدُنى مفعمَا
حثثت إليك الخطى من بعيد=وزرتك أبغي بها مغنما
وجثتُ خلال الرواق الشريفِ=وقد ثار روعي وخوفي ما
ونبضي تعالى يدق ارتهابا=وخطوي يحاول أن يُقدما
فلما انتهيتُ لباب الضريحِ=وقفتُ بأعتابه واجما
أُسائل نفسي أهذا الحسينُ=ومن في البلايا به يُحتمى
وحين تأكدتُ ممّا أراهُ=وأنّي لست به حالما
طلبتُ الدخولَ فآذنتني=وأنتَ تراقبني باسما
رميتُ وجودي بحضن الضريحِ=ورحت أعانقه لاثما
ومرّغت خدي بخزّ الجنان=أباشر ملمسه الناعما
ورحت أنوح وأشكو طويلاً=لما بي وما بي وما بي وما
ويمناك تمسح قلباً عصيّا=وتُلقي على كربتي بلسما
وثغرك يلثم بالشهد عيني=فيطفئ جمراً بها ضارما
ونورك يغشى كياناً أضاءَ=وقد كان من قبلها مظلما
وحبّك يزهر بين الضلوعِ=ويهدي الربيع لها موسما
وساد المكانَ سكون عميقٌ=وناطق حالي غداً أعجَما
دهشتُ وقد حُزتُ هذا المقامَ=ونلتُ الشفاعة والمنسمَا
فحسبي هذا العطاء العظيمُ=أعود به سالماً غانمَا
ذكرتكَ والطفَّ والعادياتِ=وسبعين حُرّاً بقوا مَعْلَمَا
وعشرَ ليال تبيت خميصاً=وغيرُك بات بها مُتخما
ورأسَك يثوي أمام الزنيم=يباهي وينكت منه الفَمَا
ووازنتُ عصري فألفيتُه=لئيماً كعصرك بل ألآما
فهذا يزيد وحزب الرعاعِ=أقرّوه مولى لهم حاكما
وشمرٌ يناوشنا بالسهامِ=ويسبي الحليلة والمحْرَما
ويمنعنا عن أداء الصلاةِ=ويقتل في الكعبة المُحرما
وفي كلّ يوم حسين شهيد=تهزّ ظليمتُه العالَمَا
فتأتي السياسة في زيفها=وتُخفي الجريمةَ والمُجرما
هو المُلك مُلك عضوض عقيم=فما أعضضَا لمُلك ما أعقَما
مللنا السجون وشَدَّ الوثاقِ=وضربَ الرقاب وسفكَ الدما
وتُقنا لبارقة من ضياء=تنير لنا ليلنا المظلما
ومعجزة من يد لا تكلّ=تفكّ السلاسلَ والادهَمَا
وتُسقط شتّى عروش الطغاةِ=وهمّا على صدرنا جاثما
تسرّ الأعزّ وتُشقي الأذلَّ=وتترك في خَطمهِ مَيْسَما
تلفتُّ حولي فلم ألقَ إلاّ=حسيناً ومنهجه الأقوما
ليهدم لذّاتِ أهل القصور=ويبني من الدين ما هُدِّما