حول مأساة بلاده
قالوا بأنّ الشعر لهو مرفَّه=وسبيل مرتزق به يتذرّع
وإذا تسامينا به فهو الصدى=للنفس يلبس ما تريد ويخلع
أن تطرب الأرواح فهو عناؤها=وإذا شجاها الحزن فهو الأدمع
فذروه حيث يعيش غريداً على=فَنَن وملتاعاً يئنّ فيوجع
لا تطلبوا منه فما هو بالذي=يبني ويهدم أو يضرُّ وينفع
أكبرت دور الشعر عمّا صوّروا=وعرفت رزء الفكر في من لم يعوا
فالشعر أجّج ألف نار وانبرى=يلوي أُنوف الظالمين ويجدع
لو شاء صاغ النجم عقداً ناصعاً=يزهو به عنق أرقّ وأنصع
أو شاءَ ردَّ الرمل من نفحاته=خضلاً بأنفاس الشذى يتضوّع
أو شاء ردَّ الليل في أسماره=واحات نور تستشفّ وتلمع
أو شاء قاد من الشعوب كتائباً=يعنو لها من كلّ أُفق مطلع
أنا لا أُريد الشعر إنجدَّت بنا=نوبٌ يخلّى ما عناه ويقبع
أو أن يوش الكأس في سمر الهوى=ليضاء ليل المترفين فيسطع
بغداد يا زهو الربيع على الرُّبى=بالعطر تعبق والسَّنا تتلفَّع
يا ألف ليلة ما تزال طيوفها=سَمَراً على شطآن دجلة يمتع
يا لحن معبد والقيان عيونها=وصلٌ كما شاء الهوء وتمنُّع
بغداد يومك لا يزال كأمسه=صوَرٌ على طرفَي نقيض تُجمع
يطغى النَّعيم بجانب وبجانب=يطغَى الشِّقا فمرفَّهٌ ومضيّع
في القصر أُغنية على شفةِ الهوى=والكوخ دمعٌ في المحاجر يلذع
ومن الطّوى جنب البيادر صرَّع=وبجنب زق أبي نؤاس صرَّع
ويد تُكبَّل وهي ممّا يُفتدى=ويد تُقبَّل وهي ممّا يُقطع
وبراءة بيد الطّغاة مهانة=ودناءة بيد المبرِّر تصنع
ويصان ذاك لأنّه من معشر=ويضام ذاك لأنّه لا يركع
كبرت مفارقة يمثّل دورُها=باسم العروبةِ والعروبةُ أرفع