مصرع الفجر - في مصرع أمير المؤمنين (ع) السيد محمد حسين فضل الله
في ذكرى مصرع الإمام علي (ع) النجف 6/9/1374 ه
مصرع الفجر في مصرع أمير المؤمنين (ع)
أشرق الفجر.. مثخناً بالجراحِ=راعشاً: تحت مخلب السفّاحِ
يا لهول الصباح: ما ائتلق النو=ر بأفق، إلاّ انطوى للنواحِ
وتغشَّاه من ظلام لياليه=ضبابٌ يستلُّ زهو الصباحِ
كلما أومأت يداهُ.. لنبعٍ يبعث=الخصب في الربى والبطاحِ
واطمأنَّت به الحياة.. تدير=الكأس ملأى بنوره الوضاحِ
أومأ الليل للرمال لتجتاح=صفاء السنا ولطف المراحِ
هكذا يبدأ الصباح ويهوي النسر،=من وكره مهيض الجناحِ
حاملاً روعة السماء، وعيناه=التفاتٌ إلى ربيع الكفاحِ
أيُّ نسر.. هذا الذي استقبل=الصحراء.. بالنور والهدى والسماحِ
وجرى يستحثُّ قافلة الركب=إلى رونق الضحى اللمّاحِ
ونشيد الإيمان ينساب من نجوا=ه.. كالحلم في جفون المِلاحِ
يلهب الشوط كلما ازورَّ عنه=سابقٌ خشية اللظى والصفاحِ
.. إنه الفاتح الذي يبعث=الرحمة.. في كل خافقٍ ملتاحِ
همَّه أنْ يمدّ أروقة النور سلاماً=على الحمى المستباحِ
ويزف الإسلام للموكب الآتي=نظاماً يموج بالإصلاحِ
أيُّ نسر.. هذا الذي اقتحم=القمّة.. في غمرة الجهاد الصراحِ
واستثار الينبوع منها لينهلَّ=ربيعاً على الرحاب الفساحِ
والشباب الطليق ملء جناحيه=يُحيّي طلائع الإصباحِ
وعلى ثغره نداءُ حياةٍ=تتهادى في عالم فيّاحِ
يملأ الحب روحها ويطوف=الفكر في أفقها طليق الجناحِ
حيث لا البغي يحشد الهول في=الأرض، ولا الظلم يزدهي بالسلاحِ
يا أمير الإسلام: نهجك حيٌّ=خالدٌ في قرارة الأرواحِ
أنت أطلقت فنّه في رحاب=الحق أنشودةً لكل صباحِ
وتلفّت نحونا.. من وراء=الدهر.. تختط صفحة الإصلاحِ
لتعيد الحياة فينا.. كياناً=ثائراً في عزيمةٍ وطماحِ
يتخطى الطريق في زحمة=الهو ل.. وفي كفه لواء النجاحِ
ونظاماً للحكم، يصفع بالنو=ر.. قناع المهرّج السفاحِ
يتهادى ليفرش الدرب بالورد=أمام المناضل الطمَّاحِ
فيرينا أنّ التعاون في العيش=سلاح يُزري بكل سلاحِ
كلُّ فرد منّا أمام الضمير=الحر، راعٍ لشعبه المسماحِ
ونذيرٌ إن قنَّع البغيُ وجهَ=الحق، واختال بالفجور إباحيِ
هكذا كنت دفقةً من شعاع الله=فاضت على نشيد الفلاحِ
فإذا أنت والسفينة في=البحر.. تمدُّ الحبال للملاَّحِ
يا أمير المؤمنين عادت=ليالينا سكارى بخمرة الأقداحِ
الشعاع الذي سكبت بدنياها=تلاشى في عاصفات الرياحِ
والحياة التي أثرت جناحيها=بينبوع روحك النضَّاحِ
عثرت في السرى بأحلام=ماضيها.. فحنّت إلى كؤوس الراحِ
واستدارت إلى سرابٍ يطوف=الوهم في برقه رقيق الوشاحِ
وتناست عهداً تَهلُّ حواشيه،=بعطر النبوّة الفواحِ
حيث كانت عقيدةٌ تدع الصف=جحيماً مرّوعاً في الساحِ
وقريشٌ في غمرة الحرب ترنو=في ذهولٍ إلى نذير الكفاحِ
وإذا بالسماء تنفح بدراً=بوسامٍ من آيها النفّاحِ
وإذا أنت تختم الفتح بالتكبير..=رمزاً لروعة الإصباحِ
يا أمير الإسلام عاد لنا=التاريخ.. يروي حكاية الإصلاحِ
فإذا «المصلحون» بين فريقٍ=يترع الكأس من دماء الأضاحي
وفريقٍ يختط خلف مباديه=طريق النجاة للأرباحِ
.. وكما تعهد الحياة جرى=الدهر علينا ببؤسه المجتاحِ
فإذا نحن في متاهٍ من العيش،=نُغذّي كياننا بالصياحِ
بين فقرٍ يستنزف الدم في=العرق.. وجهلٍ يمتصُّ حُمرَ الجراحِ
ونفوسٍ ضعيفةٍ تتلوّى في=خنوعٍ على سعير النواحِ
وكيانٍ ضحلٍ يَعُبُّ من=الماضي بقايا ثمالة الأقداحِ
وخيالٍ تثاءَبت في مجاليه=طيوف الأتراح والأفراحِ
ووقفنا على الطريق حيارى=نتملّى تواثبَ الأشباحِ
ونناجي الطلول في وحشة=الليل بألحان شاعرٍ صدّاحِ
ثم جاء الغريب في غفوة الماضي..=وصمت العقول والأرواحِ
ورآنا، كما يروم، شياهاً=تترامى على يد الذبّاحِ
ليس فينا من يحمل العمر في=كفيه.. قربى لنهضةٍ وصلاحِ
فمضى يحرث العقيدة في=الليل بفكرٍ مدنّس فضّاحِ
ويرينا أنّا نعيش بأفيونٍ يشلّ=الحياة في الفلاّحِ
وبأن الأديان لم تأت إلاّ لزمانٍ=مضى دجي النواحي
... وكما تعهد السُّرى هرع القو=م.. فكانوا فراشة المصباحِ
وأفاقوا من سكرة الوهم يرتا=دون مرعاه في النهار الضاحي
فإذا هم في قفزةٍ تخنق الروح=بحمَّى هجيرها اللفّاحِ
وحياةٍ لم تحتضن غير شوكٍ=ينشد الريَّ من دماء الأقاحِ
ويميت النشيد إن بدأ الطير=يزف الصباح للأدواحِ
هكذا نحن في الحياة.. مجالٌ=لسباق.. وموردٌ لرباحِ
فاطّلعْ في رحابنا شُعلةً تَضرى=وعزماً يُثير سمر الصفاحِ
وتألّقْ بأفقنا أملاً يبدو=رقيقاً كالكوكب اللمّاحِ
فعسى أن نعود في مطلع الفجر..=إلى فجرك الأغرّ الضاحي