في ذكرى مولد الإمام علي (ع) السيد محمد حسين فضل الله
في ذكرى مولد الإمام علي (ع)
لا.. لن يموت على الشفاء نداء=ما دام يخصّب وحيه الشهداء
ما دام يقتحم المجاهل ناهض=حرٌّ بفكرته الحياة تضاء
يترّصد الفجر الطليق.. وفي=الذرى من روحه، أنّى يسير ضياء
ما دمت أنت وفي انطلاقك=للهدى نهجٌ، رعته الشرعة السمحاء
وعلى هدى ذكراك مولد دعوة=بعثت لينعم عندها البؤساء
وُلدت على شفة النبي محمد=فتلقفتها روحك البيضاء
ووعيت ثورتها نضال حقيقة=تسمو ليعلوَ للحياة نداء
وحضنت فكرتها، بوعيٍ يلتقي=في روحه الإيمان، والإيحاء
ومضيت تقتاد الصفوف ليقظةٍ=الوحي في أعماقها وضّاء
فتلاقت الأصداء وامتدّ السرى=وتلفَّتت للموكب الصحراء
فإذا النبي وأنت رائد فجره=ترتاع من لفتاته الظلماء
وعقيدة القرآن تمرح بالاخا=دنيا تظلِّل أفقها البيضاء
لا.. لن يموت وكل ذكرى=دعوة للحق، إن جنَّت بنا الأهواء
ما قيمة الذكرى إذا لم يستبن=هدف، ولم يثر الحياة نداء
وحقيقةُ بيضاء يفضح وعيها=ما لفَّقته الفترة السوداء
ذكراك ذكرى العبقرية حرة=تعطي الحياة لينعم الأحياء
وتفيض لا ليقال: "فاضت نبعةٌ"=لكن لتخضب قفرةٌ جرداء
ذكرى العدالة، حين تصرع قوةً=يشقى بسوط عذابها الضعفاء
ما المجد ما الجاه المزيّف ما الغنى=فالخلق عندك في الحقوق سواء
أوضحت منهجها وصنت حياتها=من أن يدنِّس طهرها الأُجراء
أو يشفع المتملّقون لغاصب يجني=لتحمي مجده الآباء
رافقت أهل البؤس في بأسائهم=فمضيت تشمخ باسمك البأساء
لم ترضَ أن رفعتك كف محمد=علماً تسير بهديه العلياء
حتى انطلقت، فلم يطب لك مورد=هيهات تُروى والقلوب ظماء
أو يغتمض جفن وتسكن انَّةٌ ما=دام يلتحف الدجى الفقراء
فرضيت أن تحيى ويخشن ملبس=وأبيتَ _ روحاً _ أن يطيب غذاء
ما دام _ في أرض اليمامة _=جائع أو معدمٌ حفت به الأرزاء
أطلقته مَثَلاً ليبقى منهجا=للعدل يتبع هديه الأمناء
ذكرى الصراحة في العقيدة لم=يَشب أقداسها _ عبر النضال _ رياء
تجري بها في النور لا متلمِّساً=درباً، يحوط ظلاله الاغراء
ترعى مكاسبها، فإن مُدّت يد=سوداء تدفعها المنى العمياء
فالعدل يقطعها، ليبعت عالماً=حُراً تواكب فجره الأمناء
ذكراك نحن هنا نعيش حياتها=ليطل من خلف السنين حداء
فالدين عاد، كما يلوح بأفقنا=شبح، فلا لحن ولا أصداء
طوت المطامع روحه وتلوَّنت=في أُفقه الأشكال والأسماء
وإذا بنا والتّيه يصفع خطونا=نجري فتحطِمُ زهونا الرمضاء
والفكر بعثره التواء رُعاته=فتلقَّفته ثقافةٌ جوفاء
ومشت به سطحيَّةٌ عاشت=على آفاقها أيامنا السوداء
أيَّام كان الظلم يُلهب سوطه=إن رفّ بالفكر الصراح لواء
والدين تحكمه خلافة مدّعٍ=يقتاده الأشرار والدخلاء
وأتى الدخيل فشاقه أنّ الذي=يحمي العرين يلُّفه الأعياء
فمضى يمد شباكه: فحضارةٌ=براقة وثقافة هوجاء
ومواكبٌ قالوا بأن حياتها=للعلم فهي طليعة غراء
تهدي وتدعو للصباح فحسبها=منكم ومنا الطاعة العمياء
.. وكما رأيت فقد جرينا حولها=وعلى العيون من الضباب غشاء
وإذا بنا واللص يسرق وحينا=الهادي، ليعبث فيه كيف يشاء
ويدسّ فيه سمومه ليعيده نبعاً=تعكِّر صفوه الأقذاء
حتى انتهينا مثلما شاءت لنا=كف الدخيل، كأننا أشلاء
وكأن تاريخنا بناه محمد=وحضارةً خضعت لها الأرجاء
أقصوصةٌ تروى ليسمر=سامر لا ثورةٌ وعقيدة وإباء
أرأيت كيف الكفر شلّ حياتنا=حتى طوتنا الفكرة الشلاَّء
ما زال ينفث سمَّه متلونا=فينا كما تتلوَّن الحرباء
حتى اطمأن به المصير فأُهدرت=قِيَمٌ وجفّ على الهجير رواء
وإذا النهاية أن تعود بلادنا=للكفر وهي القلعة الشماء
وكم علمت.. فقد بدأنا وعينا=فتحضنته الدعوة الغرّاء
وانداح لله الجهل واندفع الضحى=يروي لنا: إن الحياة بناء
والدين ماذا.. هل وعينا وحيه=هل شوّهت قرآنه الأهواء
ماذا يروم الحاقدون فديننا دين=الحياة ونهجها الوضّاء
الدين، ليس الدين، مهما شوهوا=وِرداً تصاعد في هداه دعاء
أو نزعةً صوفية تئد الضحى=في روحها لتلفَّها الظلماء
أو فكرةً عاشت لتخدم طغمة=تحيى ليشقى باسمها البؤساء
ومخدّراً يعظ الضحايا معلناً=أن السماء تسودها الكبراء
الدين لو وعت الحياة معاشر=فكرٌ تحرّر باسمه الآراء
يدعو لتحرير الشعوب فليس=من قانونه أن يُقهر الضعفاء
أو ينحني شعب لسطوة غاصب=أو ينتشي ذئب لتُنحر شاء
ونظام حق _ تلتقي بكيانه=وبروحه روحيةٌ وإخاء
ومحبةٌ تسمو لتنقذ عالما من=أن يحطِّم جانحيه فناء
وعدالةٌ تأبى طبيعة وحيها=إلا بأن يتصاغر الأثراء
سارت وقانون الحياة يمدها=ويشد ساعدها لديه رخاء
تختط للثروات حدّاً إن طغت=فيها الميول وجُنَّت الأسواء
وتشق درباً لاحباً، لا ثروةٌ=يشقى بها شعب ولا بأساء
وتلفّتتْ لتهيب في قرآنها ان=الخلائق في الحقوق سواء
فلكل شعبٍ أُفقه.. لكنما=للمتقين الراية البيضاء
هذا هو الإسلام.. نهجٌ واضح=للمهتدين ودعوةٌ سمحاء
تثبُ الحضارة من حنايا روحه=طهراً كما تتواثب الأضواء
مشت الحياة به قروناً وهو في=زهو الشروق نضارةٌ ونقاء
وتحضنته يد الخلود ولم يزل=للخلد _ من آياته _ إيحاء
فتمسكوا بهداه تلقوا هديه=فغداً ستبلى هذه الأزياء
ربّاه: نحن هنا التفاتٌ ضارع=ملء العيون وفي الشفاه نداء
ربّاه: نحن هنا وفي أعماقنا=امل وفي نجوى الضمير رجاء
رباه: ثبتّنا على إيماننا لنسير=نحوك والقلوب وضاء
وارفق بنا وأنر لنا سبل الهدى=إن بعثرت أقدامنا الأخطاء
وابعث لنا ذكرى الوصي فحسبنا=إمّا أطلَّت.. هذه الأجواء