ألقيت في الحفلة الكبرى التي أقامها سدنة الروضة الحيدرية في الصحن العلوي الشريف في ليلة 13 رجب 1372 ه بمناسبة ذكرى مولد الإمام الأعظم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
ذكرى الوصَيْ
ذكرى: وهل تنفع الأحداث والذكرُ=إن لم يكن للورى في طيّها عبرُ
ذكرى: وما ذِكَر الماضي سوى صور=بيضاء، يكمن فيها الثأر والحذرُ
تبدو لتبعث من تاريخنا عظةً=يسمو بها غدنا الآتي ويزدهرُ
وتلهم الجيل من آياتها سوراً=تشيع فيها لنا الآراء والفكرُ
والذكريات: مثار الوعي.. تلهمنا=من هديها ما به نسمو ونفتخرُ
وقبسة الحق في شعبٍ تقاسمه=حكّامه، وأضلّت عقله النذرُ
ويقظة الروح في دنيا مساومةٍ=يسود فيها علينا الخائن الأشرُ
ووثبة العدل والتحرير، في بلد=طغى به الجور حتى كاد ينفجرُ
صونوا بها (غدكم) كيما ترون به=جيلا يرفّ عليه البأس والظفرُ
فما (غدٌ) غير زرع قد تعهّده=(ماض) فازهر فيه الخير والثمرُ
ذكرى الوصي: وكم قمنا نشيد=بها دهراً توالت به الأحداث والغيرُ
وكم سبكنا القوافي في مآثرها=مدحاً تفيض على أوزانه الدرُ
كأنما هي ملهاةٌ، نسخّرها للّهو=إمَّا دعانا اللهو والسمرُ
ونحن والجور والطغيان يحرقنا=بناره، ولهيب الظلم يستعرُ
نمرُّ فيها سراعاً.. لا تحرِّكنا=أحداثها، أو تقوّي عزمنا الذكرُ
نزجي لها النغم المذبوح مرتجفاً=يذوب منه على أنّاته الوترُ
ما قيمة الشعر إن لم يبنِ مجتمعا=حرّا تسير على منهاجه العُصُرُ
سرّ الولادة.. دنيا في جوانبها=يسمو الخيال، ويغفو الظل والثمرُ
دنيا، يصوّرها التاريخ معجزةً=تهوي على جانبيها الأنجم الزهرُ
ويبصر الفكر فيها من دقائقه ما=ليس يدركه في نوره البصرُ
اشعاعةً من وراء الغيب يسكبها=وحيٌ تشع به الدنيا وتزدهرُ
تحوطها هالةٌ قدسية رفعت غشاوةً=عن وليد سوف ينتصرُ
وشام فيه (علياً) في تألّقه رمزاً=من العدل تَجلى عنده الصورُ
سرّ الولادة دنيا رفَّ في غدها=هدى الكتاب، فلا خوفٌ ولا حذرُ
دنيا من الحق مرساةٌ قواعدها=يحوطها الأبلجان العز والظفرُ
تمخضت عن حياةً حرّة بعثت=روح الجهاد، فلا ضعفٌ ولا خورُ
تسير والدين والقرآن يغمرها=بوحيه، وجيوش الشرك تندحرُ
وحيدرٌ يتلقاها، وفي يده سيفٌ=من الحق يطغى عنده الخطرُ
يرمي فيحصد أرواحاً ملوّثةً=بالموبقات فلا يبقي ولا يذرُ
وهكذا سار ركب الدين: في دعةٍ=روحيةٍ ليس يغشى صفوها كدرُ
والوحي يبعث من قرآنه نظما=للكون، يعجز عن إدراكها البشرُ
قرآن حق، وكم من حكمةٍ ظهرت=فيه، وكم من مجالي آيه عبرُ
يمهّد الدرب للأجيال، يغرسه=زهراً، تموج به النّعمى وتنهمرُ
والدين أنشودة الأرواح ماج بها=سمع الحياة، وشعّت عندها الفكرُ
يُلقي بأعماقنا من وحيها صورا=للحادثات، ليبقى بعدها الأثرُ
(وأحمدٌ) (وعليٌ) يبعثان بها من=ثورة الحق ما يعلو ويشتهرُ
هدىً دعامته حقٌ وتضحية=ودعوةٌ يتهاوى عندها القدرُ
يا سيّدي، يا إمام العدل معذرة=فقد تبدّل منا الرأي والنظرُ
بعثته مثلاً أعلى ينير لنا طرق=الهداية إمَّا خاننا البصرُ
وقلت هذا سبيل العدل منبلج=أمامكم، ومعين الحق منهمرُ
حتى مضى الفجر لم نحفل بطلعته=ولم يقم في مجالي أفقه نذرُ
وأصبح الدين في أفواهنا كَلِماً=نقولها، ثم تمضي وهي تستعرُ
يمدُّنا الغرب بالنجوى، فنتبعه=عُمي البصائر، لا رأيٌ ولا فِكَرُ
ويبعث الرأي مسموماً فتلقفه=أرواحنا بخشوع وهي تحتضرُ
كأننا لم تقم في أفقنا فِكَرٌ تهدي=الصواب، ولم تنصب لنا سررُ
ولم نشيّد من الأيمان مملكةً يهوي=لها الملك إعظاماً ويندثرُ
ماضٍ لمس به أقصى السماء عُلاً=مضى، ولم يبق إلاّ الحزن والذكرُ
فابعث لنا قبس الأيمان مؤتلقاً=عسى يعود لنا الماضي فتزدهرُ