أَ لَيلةَ عاشوراءَ يا حلكاً شَبَّا = جنينُك أدرى من نهارك ما خبّا
وما خبّأ الآتي صهاريج أدهُرٍ = بساعَاتِه قد صبّ صاليَها صبّا
بساعات ليلٍ صرَّم الوجدُ حينها = يُناغي بها الولهان معشوقه حُبّا
يُقضِّي بها صحبُ الحسين دجاهُمُ = دَويّاً كمن يُحصي بجارحة تعبى
لقد بيّتوا في خاطر الخلدِ نيةً = أضاءت دُجى التاريخ نافثةً شُهباً
وقد قايضوا الأرواح بالخلد والظما = برشف فرندٍ يحتسون به الصَّهبا
فواعظمهم أنصار حَقِّ توغلوا = إلى حِمِم الهيجاءِ واستنزفوا الصعبا
فأكبْر بهم عزّاً وأكرمْ بهم تُقىً = وأعظمْ بهم شُوساً وأنعمْ بهم صحبا
بهم ظمأٌ لو بالجبال لهدَّها = ولو بالصّخور الصُمِّ فتّتها تُربا
عزائمُهمْ لو رامت الشمسَ بُلِّغت = ولو رامت الأفلاك كانت لها تربا
وأعيُنُهمْ لا يَسبر الفكرُ غورَها = شُرودٌ بها قد حَيَّر الفِكرَ واللبّا
تُراعي بأشباح الظلام عُيونُهم = حريماً وأطفالاً مُرَوَّعَةً سغبى
حريماً وأطفالاً براهُنَّ غائلٌ = من الوجَل المحتوم مُنقَدحاً كربا
على وجلٍ يخفقنَ من كلِّ همسةٍ = يُنمنْمُ هولُ الخطبِ في عينِها عَضبا
خيامٌ عليها خيَّم الوجدُ ناحِلاً = وَجَلّى عَليّهَا الغمُّ بالهمِّ مُنصَبَّا
بنفسِيَ آلُ المصطفى أَحدَقتْ بهم = ضُروبُ الرزايا حَزَّبتْ حَولهمُ حِزبا
تدور عليهم بالشجى فكأنّهم = بفطرتهم كانوا لجمرتها قُطبا
ألا ليتني حيث التمني عبادةٌ = لمن ليس في عينيه غير المنى دربا
خباءٌ به النيران كفٌ تقطّعت = وصدرٌ غدا للخيل مضمارها نهبا
وقلب تفرّى بالظَّما وجوارحٌ = تُوزَّعُ بالأسياف مَحمرةً إربا
بنفسي أبو الأحرار ما ذاق جُرعةً = ليجرع كأس العزِّ مُترعةً نخبا
ألا ليت لي لثم الضريح ورشفهُ = من العبق الفوَّاح ألثمُه عبّا
وأهتف يا مولايَ جئتك دمعةً = نشيداً ، جراحاً ، دامياً ، ولِهاً ، صَبَّا
ألا ليتني بين السيوفِ فريسةً = لإيقاعها غنَّت جوارحيَ التعبى
أقي قلبك الصادي بقلبٍ أذابَهُ = نوى هجرك الممتدِّ يا سيدي حقبا
اُفدِّيك إجلالاً وأنشدُك الحُبّا = أتُحرمُ عذبَ الوِرد يا مورداً عذبا
ويا عنصر الألطاف من روح أحمد = بأوردة الدنيا يُكلّلها الخصبا
ويا عبقا من رحمة الوحي فاتحاً = تَنشَّقَ منه الماحلُ النسمَ الرطبا
ويا قبسا في العين يُثقلها رؤى = تفرَّسُ بالايمان تخترقُ الحُجبا
ويُكحلها التقوى حياءً وعفّة = ويسكبُ فيها من هواه المدى سكبا
فأنت الذي في العين يُذكي سناءَها = فتحلوا إذا ترنو أو اثّاقلت هدبا
لأن مراسيها هواكم ونورُكم = وإكسيرُها فيضُ المودة في القربى
أفدِّيك يا من الهبَ الشمسَ والسما = نجيعاً فذابا في قداستهِ ذوبا
على أنّ مُحمرّ السماءِ تألَّقٌ = لتُزجي به من فيضك الشرق والغربا
أفديك يا فرع الرسالة يا هوى = لأحمد في الآفاق يملؤها حُبّا
ويا مبسماً يحكي شفاهَ مُحمدٍ = ورياه ما قلت ولا عطرُها أكبى
عليه ولا أدري أتقبيل عودةٍ = بها شغفٌ أم رام يوسعه ضربا
ويا كبدا حرى تفرَّت من الظما = وفيها الفراتُ انساب سائغهُ شُربا
ويا صارما لولا الحنانُ أعاقه = لَقَدَّ الدنى قَدّاً وقَطَّعهَا إربا
بمهجته الغيرى وان نزَّ جُرحُها = يرصُّ معاني المجد مملوءةً لبا
ويا صامداً ما زعزعتْ من كيانه = صنوفُ الردى بل لم تحرَّك له هدبا
ويا مقلة ما زال يعصرها الأسى = لترويْ بقايا الآهِ والدمَ والجدبا
بكت قاتليها والذين تَجمَّعُوا = لثاراتِ بدرً ضدَّه اجتمعوا إلبا
رأت روحُك الاسلامَ جرحاً فلم تطقْ = هواناً وصبراً فاعتلتْ تُعلنُ الحربا
وتلثمُ صابَ الدهرِ جذلى ولا ترى = جراحاً تنزُّ الآه قد ذربت ذربا
وسالت على جرح الهدى اعتصمتْ به = وصبَّت حياة القدس في فمه صبّا
اُفدِّيك يا من قبَّل السيفُ نَحرَه = ففاض وأضفى وانثنى يكرَهُ النصبا
ويا واحدا لا نِدَّ شاركَهُ المدى = وَوهْجَ الجهادِ الحرِّ والدمَ والدربا
اُنبِّيكَ ما زال الزمانُ مردداً = صداكَ ملأتَ البحرَ والأُفقَ والرحبا
وأنَّ سياجاً من دماك وجمرِها = وأحمرِها ما زالَ متقَّداً شهبا
يحيطُ الطواغيتَ اللئام بلفحِهِ = فيصبُغُهمْ ذعرا ويملؤهم رعبا
إلى الان وقعُ اسم الحسين بسمعِهمْ = وأحرفِهِ ما زالَ مستصعباً صعبا
تصارعُ أحقابُ الدهورِ ونفسها = على ان ترى ندّاً يجدده وثبا
يعيد لميدان الجهاد وميضَه = ويُذكى أواراً من سوى فيك ما شَبّا
ويوقظُ افكاراً عليها من الونى = تراكمُ أحقابٍ مخثرةٍ حجباً
ويروي بسلسالِ النجيعِ عقيدةً = بغيرِ دماكَ الطهرِ لم تعرفِ الخصبا
ويصنعُ يا مولاي ما كنتَ صانعاً = ويهمي علينا من بسالتِه صوبا
ولكنه الدهرُ الذي عَقمتْ به = لياليهِ أن تأتي بمثلكَ أو تُحبى
ولو رام نِدّاً لاستشاركَ عنوةً = لأنَّك أولى مَنْ يخطّطُه لحبا
وأدرى به علماً وأجلى به رؤىً = ولكنه يأبى وإنك لا تأبى
لقد خسر الدهرُ الرهانَ فلم يطق = محالٌ عليه اليوم ان كرر الذنبا
وقد صدَقَ الحُسادُ أنَّ يزيدَهم = تكرر في الأزمان ممتلئا عُجبا
ونحن نقولُ السبطُ ما زال باقياً = هو السبطُ لا قولَ افتراءٍ ولا كذبا