يا دار غادرني
ابن جبر المصري
يا دار غادرني جديد بلاك = رث الجديد فهل رثيت لذاك؟
أم أنت عما أشتكيه من الهوى = عجماء مذ عجم البلى مغناك ؟!
ضفناك نستقري الرسوم فلم نجد = إلا تباريح الهموم قراك
ورسيس شوق تمتري زفراته = عبراتنا حتى تبل ثراك
ما بال ربعك لا يبل ؟ كأنما = يشكو الذي أنا من نحولي شاك
طلت طلولك دمع عيني مثلما = سفكت دمي يوم الرحيل دماك
وأرى قتيلك لا يديه قاتل = وفتور ألحاظ الظباء ظباك
هيجت لي إذ عجت ساكن لوعة = بالساكنيك تشبها ذكراك
لما وقنت مسلما وكأنما = ريا الأحبة سقت من رياك
وكفت عليك سماء عيني صيبا = لو كف صوب المزن عنك كفاك
سقيا لعهدي والهوى مقضية = أوطاره قبل احتكام نواك
والعيش غض والشباب مطية = للهو غير بطيئة الادراك
أيام لاواش يطاع ولا هوى = يعصى فنقصى عنك إذ زرناك
وشفيعنا شرخ الشبيبة كلما = رمنا القصاص من اقتناص مهاك
ولئن أصارتك الخطوب إلى بلى = ولحاك ريب صروفها فمحاك
فلطالما قضيت فيك مأربي = وأبحت ريعان الشباب حماك
ما بين حور كالنجوم تزينت = منها القلائد للبدور حواكي
هيف الحصور من القصور بدت لنا = منها الأهلة لا من الأفلاك
يجمعن من مرح الشبيبة خفة = المتغزلين وعفة النساك
ويصدن صادية القلوب بأعين = نجل كصيد الطير بالاشراك
من كل مخطفة الحشا تحكي الرشا = جيدا وغصن البان لين حراك
هيفاء ناطقة النطاق تشكيا = من ظلم صامتة البرين ضناك
وكأنما من ثغرها من نحرها = در تباكره بعود أراك
عذب الرضاب كأن حشو لثاتها = مسكا يعل به ذرى المسواك
تلك التي ملكت علي بدلها = قلبي فكانت أعنف الملاك
إن الصبى يا نفس عز طلابه = ونهتك عنه واعظات نهاك
والشيب ضيف لا محالة مؤذن = برداك فاتبعي سبيل هداك
وتزودي من حب آل محمد = زادا متى أخلصته نجاك
فلنعم زاد للمعاد وعدة = للحشر إن علقت يداك بذاك
وإلى الوصي مهم أمرك فوضي = تصلي بذاك إلى قصي مناك
وبه ادرئي في نحر كل ملمة = وإليه فيها فاجعلي شكواك
وبحبه فتمسكي أن تسلكي = بالزيغ عنه مسالك الهلاك
لا تجهلي وهواه دأبك فاجعلي = أبدا وهجر عداه هجر قلاك
فسواء انحرف امرؤ عن حبه = أو بات منطويا على الاشراك
وخذي البرائة من لظى ببراءة = من شانئيه وامحضيه هواك
وتجنبي إن شئت أن لا تعطبي = رأي ابن سلمى فيه وابن صهاك
وإذا تشابهت الأمور فعولي = في كشف مشكلها على مولاك
خير الرجال وخير بعل نساءها = والأصل والفرع التقي الزاكي
وتعوذي بالزهر من أولاده = من شر كل مضلل أفاك
لا تعدلي عنهم ولا تستبدلي = بهم فتحظى بالخسار هناك
فهم مصابيح الدجى لذوي الحجى = والعروة الوثقى لذي استمساك
وهم الأدلة كالأهلة نورها = يجلو عمى المتحير الشكاك
وهم الصراط المستقيم فأرغمي = بهواهم أنف الذي يلحاك
وهم الأئمة لا إمام سواهم = فدعي لتيم وغيرها دعواك
يا أمة ضلت سبيل رشادها = إن الذي استرشدته أغواك
لئن ائتمنت على البرية خائنا = للنفس ضيعها غداة رعاك
أعطاك إذ وطاك عشوة رأيه = خدعا بحبل غرورها دلاك
فتبعته وسخيف دينك بعته = مغترة بالنزر من دنياك
لقد اشتريت به الضلالة بالهدى = لما دعاك بمكره فدهاك
وأطعته وعصيت قول محمد = فيما بأمر وصيه وصاك
خلفت واستخلفت من لم يرضه = للدين تابعة هوى هواك
خلت اجتهادك للصواب مؤديا = هيهات من أداك بل أرداك
لقد اجتريت على اجتراح عظيمة = جعلت جهنم في غد مثواك
ولقد شققت عصا النبي محمد = وعققت من بعد النبي أباك
وغدرت بالعهد المؤكد عقده = يوم (الغدير) له فما عذراك
فلتعلمن وقد رجعت به على الأعقاب = ناكصة به على عقباك
أعن الوصي عدلت عادلة به = من لا يساوي منه شسع شراك ؟ !
ولتسألن عن الولاء لحيدر = وهو النعيم شقاك عنه ثناك
قست المحيط بكل علم مشكل = وعر مسالكه على السلاك
بالمعتريه – كما حكي شيطانه = وكفاه عنه بنفسه من حاكي
والضارب الهامات في يوم الوغى = ضربا يقد به إلى الأوراك
إذ صاح جبريل به متعجبا = من بأسه وحسامه البتّاك
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى = إلا علي فاتك الفتاك
بالهارب الفرار من أقرانه = والحرب يذكيها قنا ومذاكي
والقاطع الليل البهيم تهجدا = بفؤاد ذي روع وطرف باكي
بالتارك الصلوات كفرانا بها = لولا الرياء لطال ما راباك
أبعد بهذا من قياس فاسد = لم تأت فيه أمة مأتاك
أو ما شهدت له مواقف أذهبت = عنك اعتراك الشك حين عراك ؟!
من معجزات لا يقوم بمثلها = إلا نبي أو وصي زاكي
كالشمس إذ ردت عليه ببابل = لقضاء فرض فائت الادراك
والريح إذ مرت فقال لها: احملي = طوعا ولي الله فوق قواك
فجرت رجاء بالبساط مطيعة = أمر الإله حثيثة الايشاك
حتى إذا وافى الرقيم بصحبه = ليزيل عنه مرية الشكاك
قال: السلام عليكم فتبادروا = بالرد بعد الصمت والامساك
عن غيره فبدت ضغاين صدر ذي = حنق لستر نفاقه هتاك
والميت حين دعا به من صرصر = فأجابه وأبيت حين دعاك
لا تدعي ما ليس فيك فتندمي = عند امتحان الصدق من دعواك
والخف والثعبان فيه آية = فتيقظي يأويك من عمياك
والسطل والمنديل حين أتى به = جبريل حسبك خدمة الأملاك
ودفاع أعظم ما عراك بسيفه = في يوم كل كريهة وعراك
ومقامه ثبت الجنان بخيبر = والخوف إذ وليت حشو حشاك
والباب حين دحى به عن حصنهم = سبعين باعا في فضا ؟ دكداك
والطائر المشوي نص ظاهر = لولا جحودك ما رأت عيناك
والصخرة الصما وقد شف الظما = منها النفوس دحى بها فسقاك
والماء حين طغى الفرات فأقبلوا = ما بين باكية إليه وباكي
قالوا: أغثنا يا بن عم محمد = فالماء يؤذننا بوشك هلاك
فأتى الفرات فقال: يا أرض ابلعي = طوعا بأمر الله طاغي ماك
فأغاضه حتى بدت حصباؤه = من فوق راسخة من الأسماك
ثم استعادوه فعاد بأمره = يجري على قدر، ففيم مراك ؟ !
مولاك راضية وغضبي فاعلمي = سيان سخطك عنده ورضاك
يا تيم تيمك الهوى فأطعته = وعن البصيرة يا عدي عداك
ومنعت إرث المصطفى وتراثه = ووليته ظلما، فمن ولاك ؟ !
وبسطت أيدي عبد شمس فاغتدت = بالظلم جارية على مغناك
لا تحسبيك بريئة مما جرى = والله ما قتل الحسين سواك
يا آل أحمد كم يكابد فيكم = كبدي خطوبا للقلوب نواكي
كبدي بكم مقروحة ومدامعي = مسفوحة وجوى فؤادي ذاكي
وإذا ذكرت مصابكم قال الأسى = لجفوني: اجتنبي لذيد كراك
وابكي قتيلا بالطفوف لأجله = بكت السماء دما فحق بكاك
إن تبكهم في اليوم تلقاهم غدا = عيني بوجه مسفر ضحاك
يا رب فاجعل حبهم لي جنة = من موبقات الظلم والاشراك
واجبر بها الجبري رب وبره = من ظالم لدمائهم سفاك
وبهم إذا أعداء آل محمد = غلقت رهونهم فجد بفكاك