يزور عن « حسناء »
أبو الحسن مهيار الديلمي البغدادي
يزور عن « حَسناء » زورة خائفِ = تعرّضُ طيفِ آخرَ الليل طائف
فأشبهها لم تغدُ مسكاً لناشقٍ = كما عوّدت ولا رحيقاً لراشفِ
قصيةُ دارٍ قرّبَ النومُ شخصها = ومانعة أهدت سلام مساعف
ألينُ وتغري بالإناء كأنما = تبرّ بهجراني أليه حالفِ
و « بالغور » للناسين عهدي منزل = حنانيك من شاتِ لديه وصائفِ
أغالط فيه سائلاً لا جهالة = فأسال عنه وهو بادي المعارف
ويعذلني في الدار صحبي كأنني = على عَرَصات الحب أولُ واقفِ
خليليّ إن حالت ولم أرض بيننا = طوالُ الفيافي أو عِراض التنائفِ
فلا زرّ ذاك السجفُ إلا لكاشفٍ = ولا تمّ ذاك البدر إلا لكاسف
فإن خفتما شوقي فقد تأمنانِه = بخاتلةٍ بين القنا والمخاوف
بصفراء لو حلت قديماً لشارب = لضنّت فما حلّت فتاةً لقاطف
يطوف بها من آل « كسرى » مقرطق = يحدّث عنها من ملوك الطوائف
سقى الحسن حمراء السلافة خدّه = فأنبع نبتاً أخضراً في السوائف
وأحلف أنى شُعشعت لي بكفّه = سلوتُ سوى همٍّ لقلبي محالفِ
عصيت على الأيام أن ينتزعنه = بنهي عذولٍ أو خداعِ ملاطفِ
جوى كلما استخفى ليخمد هاجه = سنا بارقٍ من أرض « كوفان » خاطف
يذكّرني مثوى « عليّ » كأنني = سمعت بذاك الرزء صيحة هاتف
ركبت القوافي ردف شوقي مطيّةً = تخبّ بجاري دمعي المترادف
الى غايةٍ من مدحه إن بلغتها = هزأتُ بأذيال الرياح العواصف
وما أنا من تلك المفازة مدرك = بنفسي ولو عرّضتها للمتالف
ولكن تؤدّي الشهد إصبع ذائقٍ = وتعلقُ ريح المسك راحةُ دائف
بنفسي مَن كانت مع الله نفسه = اذا قلّ يوم الحق مَن لم يجازف
إذا ما عزوا ديناً فآخر عابدٍ = وإن قسموا دنياً فأول عائفِ
كفى « يوم بدر » شاهد « وهوازن » = لمستأخرين عنها ومزاحف
« وخيبر » ذات الباب وهي ثقيلة ال = مرام على أيدي الخطوب الخفائف
أبا « حسنٍ » إن أنكروا الحق [ واضحاً ] = على أنه والله إنكارُ عارف
فإلا سعى للبين أخمص بازلٍ = وإلا سمت للنعل إصبع خاصف
وإلا كما كنتَ ابنَ عمٍّ ووالياً = وصهراً وصفوا كان مَن لم يقارف
أخصّك بالتفضيل إلا لعلمه = بعجزهم عن بعض تلك المواقف
نوى الغدر أقوام فخانوك بعده = وما آنف في الغدر إلا كسالف
وهبهم سفاها صححوا فيك قوله = فهل دفعوا ما عنده في المصاحف
سلام على الاسلام بعدك إنهم = يسومونه بالجور خطة خاسف
وجدّدها « بالطف » بابنك عصبة = أباحوا لذاك القرف حكّة قارف
يعزّ على « محمد » بابن بنته = صبيب دمٍ من بين جنبيك واكفِ
أجازَوك حقاً في الخلافة غادروا = جوامع منه في رقاب الخلائف
أيا عاطشاً في مصرعٍ لو شهدتُه = سقيتك فيه من دموعي الذوارف
سقى غلّتي بحر بقبرك إنني = على غير إلمامٍ به غير آسف
وأهدى اليه الزائرون تحيّتي = لأشرف إن عيني له لم تشارف
وعادوا فذرّوا بين جنبيّ تربةً = شفائي مما استحقبوا في المخاوف
أُسرّ لمن والاك حب موافق = وأبدي لمن عاداك سبّ مخالف
دعيّ سعى سعي الأسود وقد مشى = سواه اليها أمس مشيَ الخوالف
وأغرى بك الحساد أنك لم تكن = على صنم فيما روَوه بعاكف
وكنت حصان الجيب من يد غامرٍ = كذاك حصان العرض من فم قاذف
وما نسب ما بين جنبيّ تالدٌ = بغالب ودٍّ بين جنبيّ طارف
وكم حاسد لي ودّ لو لم يعش ولم = أنابله في تأبينكم وأسايف
تصرّفت في مدحيكم فتركته = يعضّ عليّ الكفّ عضّ الصوارف
هواكم هو الدنيا وأعلم أنه = يبيّضُ يومَ الحشر سودَ الصحائف