الرؤيا الثالثة عشرة
ديوان الحسين لغة ثانية - جواد جميل
شَفتي ضفَّةٌ من الموتِ،=مسَّتهُ رماداً وعانقتهُ ترابا
ما بها غيرُ رجفةِ الظمإِ المخبوءِ=في القلبِ حرقةً وعذابا
كلَّما لَملَمتْ من الماءِ طيفاً=ماتَ في كفِّها، وعادَ سرابا
شَفتي عالَمٌ من الغضبِ المصلوبِ=مسَّ الموتى، فهبَّت غِضابا
وصلاتي همسٌ معَ الله كانَ=القلبُ صحواً، والكونُ كانَ ضبابا
وأنا أصهرُ السيوفَ بقلبي=وبأُنشودتي أُذيبُ الحرابا!
اَلسحابُ استضافَ كفِّي ولكنْ=نَهَشَ الملحُ في يَديَّ السحابا
كانَ للماءِ وجهُ عصفورة بيضاءِ=أغرى الوادي عليها الذئابا
ألفُ سيف يفاجيءُ الجرحَ=والجرحُ يلفُّ الردى ويطوي الغيابا
لا الرمالُ الشوهاءُ تقدرُ أنْ تغتالَ=خطوي، مسافةً.. واغترابا
لا ولا الليلُ وهوَ سورٌ من القارِ=المدمّى حطَّمتُ منهُ البابا
فأطلّت قوافلٌ تنهبُ المجدَ=وتُعطي جماجماً.. ورقابا
شَفتي جمرةٌ تشظَّتْ فقدْ تخطفُ=برقاً، وقدْ تجيءُ شهابا
تغمرُ الشاطىءَ الفراتيَّ بالضوءِ=وتُؤوي لجرفِهِ الأسرابا
وتُغطّي بالدفءِ ما عرَّتِ الريحُ=وترفو من رمشِها الأثوابا
شَفتي والغبارُ رشَّ عليها=النوحَ حزناً.. فجاذبتهُ الربابا
ثمَّ أنّت فاستيقظَ الخصبُ،=والنخلُ يصلّي، يلثمُ المحرابا
يا جراحي للوردِ أسئلةٌ حيرى=تَلَظَّت بهِ فكوني الجوابا
كيفَ أضحت للماءِ رائحةُ الجمرِ=وصارت مواسمُ اللفحِ غابا؟