أيا صادق الوعد
ديوان صفي الدين الحلي
كفى البدر حسناً أن يقال نظيرها = فيزهى ولكنا بذاك نضيرها
وحسبت غصون البان أن قوامها = يقاس به ميادها ونضيرها
أسيرة حجل مطلقات لحاظها = قضى حسنها أن لا يفك أسيرها
تهيم بها العشاق خلف حجابها = فكيف إذا ما آن منها سفورها
وليس عجيباً أن غررت بنظرة = إليها فمن شأن البدور غرورها
فكم نظرة قادت إلى القلب حسرة = يقطع أنفاس الحياة زفيرها
فوا عجباً كم ؟ نسلب الأسد في الوغى = وتسلبنا من أعين الحور حورها
فتور الظبى عند القراع يشينها = وما يرهف الأجفان إلا فتورها
وجذوة حسن في الخدود لهيبها = يشب ولكن في القلوب سعيرها
إذا آنستها مقلتي خر صاعقاً = فادي وقال القلب لا دك طورها
وسرب ظباء مشرقات شموسه = على حلية عند النجوم بدورها
تمانع عما في الكناس أسودها = وتحرس ما تحوي القصور صقورها
تغار من الطيف الملم حماتها = ويغضب من مر النسيم غيورها
إذا ما رأى في النوم طيفاً يزورها = توهمه في اليوم ضيفاً يزورها
نظرنا فأعدتنا السقام عيونها = ولذنا فأولتنا النحول خصورها
وزرنا وأسد الحي تذكي لحاظها = ويسمع في غاب الرماح زئيرها
فيا ساعد الله المحب فإنه = يرى غمرات الموت ثم يزورها
ولما ألمت للزيارة خلسة = وسجف الدياجي مسبلات ستورها
سعى بيننا الواشون حتى حجولها = وثمت بنا الأعداء حتى عبيرها
وهمت بنا لولا حبائل شعرها = خطى الصبح لكن قيدتها ظفورها
ليالي يعديني زماني على العدى = وإن ملئت حقداً علي صدورها
ويسعدني شرخ الشبيبة والغنى = إذا شانها إقتارها وقتيرها
ومذ قلب الدهر المجن أصابني = صبوراً على حال قليل صبورها
فلو تحمل الأيام ما أنا حامل = لما كاد يمحو صبغة الليل نورها
سأصبر إما أن تدور صروفها = علي وإما تستقيم أمورها
فإن تكن الخنساء إني صخرها = وإن تكن الزباء إني قصيرها
وقد ارتدى ثوب الظلام بحسرة = عليها من الشوس الحماة جسورها
كأني بأحشاء السباسب خاطر = فما وجدت إلا وشخصي ضميرها
وصادية الأحشاء غضى بالها = يعز على الشعري العبور عبورها
ينوح بها الخريت ندباً لنفسه = إذا اختلفت حصباؤها وصخورها
إذا وطئتها الشمس سال لعابها = وإن سلكتها الريح طال هديرها
وإن قامت الحرباء ترصد شمسها = أصيلاً أذاب اللحظ منها هجيرها
تجنب عنها للحذار جنوبها = وتدبر عنها في الهبوب دبورها
خبرت مرامي أرضها فقتلتها = وما يقتل الأرضين إلا خبيرها
بخطوة مرقال أمون عثارها = كثير على وفق الصواب عثورها
ألذ من الأنغام رجع بغامها = وأطرب من سجع الهديل هديرها
نساهم شطر العيش عيساً سواهماً = لطول السرى لم يبق إلا سطورها
حروفاً كنونات الصحائف أصبحت = تخط على طرس الفيافي سطورها
إذا نظمت نظم القلائد في البرى = تقلدها خضر الربى ونحورها
طواها طواها فاغتدت وبطونها = تجول عليها كالوشاح ظهروها
يعبر عن فرط الحنين أنينها = ويعرب عما في الضمير ضمورها
تسير بها نحو الحجاز وقصدها = ملاعب شعبي بابل وقصورها
فلما ترامت عن زرود ورملها = ولاحت لها أعلام نجد وقورها
وصدت يميناً عن شميط وجاوزت = ربي قطن والشهب قد شف نورها
وعاج بها عن رمل عاج دليلها = فقامت لعرفان المراد صدورها
غدت تتقاضانا المسير لأنها = إلى نحو خير المرسلين مسيرها
ترض الحصى شوقاً لمن سبح الحصى = لديه وحياً بالسلام بعيرها
إلى خير مبعوث إلى خير أمة = إلى خير معبود دعاها بشيرها
ومن بشر الله الأنام بأنه = مبشرها عن إذنه ونذيرها
ومن أخمدت مع وضعه نار فارس = وزلزل منها عرشها وسريرها
ومن نطقت توراة موسى بفضله = وجاء به إنجيلها وزبورها
محمد خير المرسلين بأسرهم = وأولها في المجد وهو أخيرها
فيا آية الله التي مذ تبلجت = على خلقه أخفى الظلال ظهورها
عليك سلام الله يا خير مرسل = إلى أمة لولاه دام غرورها
عليك سلام الله يا خير شافعٍ = إذا النار ضم الكافرين حصيرها
عليك سلام الله يا من تشرفت = به الإنس طراً واستتم سرورها
عليك سلام الله يا من تعبدت = له الجن وانقادت لديه أمورها
تشرفت الأقدام لما تتابعت = إليك خطاها واستمر مريرها
وفاخرت الأفواه نور عيوننا = بتربك لما قبلته ثغورها
فضائل رامتها الرؤوس فقصرت = ألم تر للتقصير جزت شعورها
ولو وفت الوفاد قدرك حقه = لكان على الأحداق منها مسيرها
لأنك سر الله والآية التي = تجلت فجلى ظلمة الشرك نورها
مدينة علم وابن عمك بابها = فمن غير ذاك الباب لم يؤت سرورها
شموس لكم في الغرب مدة شموسها = بدور لكم في الشرق حق بدورها
جبال إذا ما الهضب دكت جبالها = بحور إذا ما الأرض عادت بحورها
فآلك خير الآل والعترة التي = محبتها نعمى قليل شكورها
إذا جولست للبذل ذل نضارها = وإن سوجلت في الفضل عز نظيرها
وصحبك خير الصحب والغرر التي = بهم أمنت من كل أرض ثغورها
كماة حماة في القراع وفي القرى = إذا شط قاربها وطاش وقورها
أيا صادق الوعد الأمين وعدتني = ببشرى فلا أخشى وأنت بشيرها
بعثت الأماني باطلات لتبتغي = نداك فجاءت حاليات نحورها
وأرسلت آمالاً خماصاً بطونها = إليك فعادت مثقلات ظهروها
إليك رسول الله أشكو جرائماً = يوازي الجبال الراسيات صغيرها
كبائر لو تبلى الجبال بحملها = لدكت وناد بالثبور ثبيرها
وغالب ظني بل يقيني أنها = ستمحى وإن جلت وأنت سفيرها
لأني رأيت العرب تخفر بالعصا = وتحمي إذا ما أمها مستجيرها
فكيف بمن في كفه أورق العصا = تضام بنو الآمال وهو خفيرها
وبين يدي نجواي قدمت مدحة = قضى خاطري أن لا يخيب خطيرها
يروي غليل السامعين قطارها = وتجلو عيون الناظرين قطورها
وأحسن شيء أنني قد جلوتها = عليك وأملاك السماء حضورها
تروم بها نفسي الجزاء فكن لها = مجيراً بأن تمسي وأنت مجيرها
فلابن زهير قد أجزت ببردة = عليك فأثرى من ذويه فقيرها
أجرني أجزني وأجزني أجر مدحتي = ببرد إذا ما النار شب سعيرها
وقابل ثناها بالقبول فإنها = عرائس فكر والقبول مهورها
فإن زانها تطويلها واطرادها = فقد شانها تقصرها وقصورها
إذا ما القوافي لم تحط بصفاتكم = فسيان منها جمها ويسيرها
بمدحك تمت حجتي وهي حجتي = على عصبة يطغى علي فجورها
أقص بشعري إثر فضلك واصفاً = علاك إذا ما الناس قصت شعورها
وأسهر في نظم القوافي ولم أقل = خليلي هل من رقدة أستعيرها