القصيدة الثانية في ذكر فتح مكة
ديوان العلويات السبع - ابن أبي الحديد المعتزلي
القصيدة الثانية في ذكر فتح مكة
جللت فلما دق في عينك الورى=نهضت إلى أم القرى ايد القرى (1)
جلبت لها قب البطون وإنما=تقودلها بالقود أم حبوكرا (2)
وسقت إليها كل أسوق لو بدت=له معفر ظنته بالرمل جؤذرا (3)
يبيت على أعلى المصاد كأنما=يؤم وكون الفتح يلتمس القرى (4)
يفوق الرياح العاصفات إذا مشى=ويسبق رجع الطرف شدا إذا جرى
جياد عليها للوجيه ولا حق=دلائل صدق واضحات لمن يرى (5)
ففيها سلو للمحب وشاهد=على حكمة الله المدبر للورى (6)
هي الروض حسنا غير أنك إن تبر=لها مخبرا تسمج لعينيك منظرا (7)
عليها كماة من لوي بن غالب=يجرون اذيال الحديد تبخترا (8)
رميت ابا سفيان منها بجحفل=إذا قيس عدا بالثرى كان أكثرا (9)
يدبره رأي النبي وصارم=بكفك أهدى في الرؤوس من الكرى (10)
فطار إلى اعلى السماء تصاعدا=فلما رأى أن لا نجاة تحدرا (11)
وحاذر غربي مشرفي مذكر=هززت فألقى المشرفي المذكرا
وأعطى يدا لم يعطها عن محبة=وقول هدى ماقاله متخيرا
فكنت بذاك العفو أولى وبالعلى=أحق وبالاحسان أحرى وأجدرا
لافصحت يا مخفي العداوة ناطقا=بتعظيم من عاديته متسترا (12)
وحسبك أن تدعى ذليلا منافقا=وتبطن ضدا للذي ظلت مظهرا
وجست خلال المروتين فلم تدع=حطيما ولم تترك ببكة مشعرا (13)
طلعت على البيت العتيق بعارض=يمج نجيعا من ظبى الهند أحمرا (14)
فالقى إليك السلم من بعد ما عصى=جلندى وأعيى تبعا ثم قيصرا
واظهرت نور الله بين قبائل=من الناس لم يبرح بها الشرك نيرا (15)
وكسرت أصناما طعنت حماتها=بسمر الوشيج اللدن حتى تكسرا
رقيت بأسمى غارب أحدقت به=ملائك يتلون الكتاب المسطرا (16)
بغارب خير المرسلين واشرف=الانام وأزكى ناعل وطأ الثرى
فسبح جبريل وقدس هيبة=وهلل إسرافيل رعبا وكبرا (17)
فيا رتبة لو شئت أن تلمس السها=بها لم يكن ما رمته متعذرا (18)
ويا قدميه أي قدس وطأتما=وأي مقام قمتما فيه أنورا
بحيث أفاءت سدرة العرش ظلها=بضوجيه فاعتدت بذلك مفخرا (19)
وحيث الوميض الشعشعاني فائض=من المصدر الاعلى تبارك مصدرا (20)
فليس سواع بعدها بمعظم=ولا اللات مسجودا لها ومعفرا (21)
ولا ابن نفيل بعد ذاك ومقيس=بأول من وسدته عفر الثرى
صدمت قريشا والرماح شواجر=فقطعت من أرحامها ما تشجرا (22)
فلولا اناة في ابن عمك جعجعت=بعضبك أجري من دم القوم أبحرا (23)
ولكن سر الله شطر فيكما=فكنت لتسطو ثم كان ليغفرا
وردت حنينا والمنايا شواخص=فذللت من اركانها ما توعرا (24)
فكم من دم أضحى بسيفك قاطرا=بها من كمي قد تركت مقطرا
وكم فاجر فجرت ينبوع قلبه=وكم كافر في الترب أضحى مكفرا (25)
وكم من رؤوس في الرماح عقدتها=هناك لاجسام محللة العرا
وأعجب إنسانا من القوم كثرة=فلم يغن شيئا ثم هرول مدبرا (26)
وضاقت عليه الارض من بعد رحبها=وللنص حكم لا يدافع بالمرا
وليس بنكر في حنين فراره=ففي أحد قد فرخوفا وخيبرا (27)
رويدك إن المجلد حلو لطاعم=غريب فإن مارسته ذقت ممقرا (28)
وما كل من رام المعالي تحملت=مناكبه منها الركام الكنهورا (29)
تنح عن العلياء يسحب ذيلها=همام تردى بالعلى وتأزرا
فتى لم تعرق فيه تيم بن مرة=ولا عن عبداللات الخبيثة اعصرا (30)
ولا كان معزولا غداة براءة=ولا عن صلاة أم فيها مؤخرا
ولا كان في بعث ابن زيد مؤمرا=عليه فأضحى لابن زيد مؤمرا
ولا كان يوم الغار يهفو جنانه=حذارا ولا يوم العريش تسترا
إمام هدى بالقرص آثر فاقتضى=له القرص رد القرص أبيض أزهرا (31)
يزاحمه جبريل تحت عباءة=لها قيل كل الصيد في جانب الفرا (32)
حلفت بمثواه الشريف وتربة=أحال ثراها طيب رياه عنبرا (33)
لاستنفذن العمر في مدحي له=وإن لا مني فيه العذول فأكثرا
الهوامش بالأسفل