ليلة العاشر قد خَلّفتِ حتى=الحشر في الأكباد جمرا
كيف قَدْ مرّت سويعاتك=بالآل وبالأطفال قهرا
وحسين كلّما اشتدَّ به=وقعُ الظَّما قد زاد صبرا
خطبَ الأصحاب والعترةَ=فانهلّتْ له الأعينُ عبرى
قائلاً إنَّ العدى لم يطلبوا=غيريَ في الآفاق وترا
فدعوني وسيوفَ القومِ=إنَّ الله قد قدَّرَ أمرا
أقبلَ الليلُ ألا فاتخذوه=جملاً فالسترُ أحرى
وليُصاحبْ كلُّ فردٍ في=ظلام الليل إنْ أمكن سِرّا
رجلاً من أهل بيتي فلقد=ألقيتُ للأصحاب عُذرا
فتبارى القومُ يبكون لِما=قال وهُمْ بالعُذر أدرى
وتنادى كلُّ فردٍ مِنهُمُ=يَفتحُ للنصرةِ صَدرا
قائلاً لو قطَّعوني إرباً=ما كنتُ من هاب وفرّا
وإذا ما فعلوا ذلك بي=سبعينَ تقتيلاً وذرّا
لم أكن أتركُ هذا السبطَ=للأوغاد أو أمنعَ نصرا
كيف واليوم الاقي موتةً=تُعقبُ في الأجيالِ فخرا
وغداً ألقى رسولَ اللهِ في=الجنّاتِ قد أجزلَ أجرا
وعليّاً وهو الساقي على=الحوض فما أعذب نهرا
وهنا جزّاهم السبط عن=الله لدى النصرة خيرا
وإذا الأقدام صُفَّت في=صلاةٍ تِصلُ المغربَ فجرا
ولهم فيها دويٌ كدويِّ=النحلِ قد غادر وكِرَا
وسرت زينب من خيمتها=تختبر الأصحاب خُبرا
سَمعت كلَّ خطيبٍ منهُمُ=يَفتحُ للأحرار سِفرا
قائلاً هيهات أن يسبقنا=العترةُ نحوَ الحربِ شبرا
نحنُ أولى بجهادٍ وفِداءٍ=يَسبقُ الأهلينَ طُرّا
فذرونا نرتوي كأسَ=الشهاداتِ قُبيل الموتِ دَهرا
بادِرَوها ساحةَ الحرب و=فضلُ البدء أن تُؤخذَ بكرا
ودعوا سبطَ رسولِ اللهِ أن=يشرح بالأصحاب صَدرا
طَمْئِنوا زينبَ في نصرِ أخيها=فهي للزهراءِ ذكرى
فتسرّى عن رؤى زينبَ=ما كانت تعاني منه سرّا
ومشت نحو أخيها السبط=تستلهم من لُقياه أمرا
سمعْتهُ ناعياً يَرجزُ=أبياتاً ويستعرض اخرى
فتنادت بعويلٍ مذ غَدتْ=تقرأُ فيه اليأس نُكرا
فابتداها كيف لا ييأس من=يفقد عندَ الحربِ نصرا
غيرَ سبعين من الأصحاب=والأهلِ وإن زادوا فنزرا
قد مضى العهد وقد أوصى=به جدي بأنْ اقتل صبرا
وتُقادين بأسرٍ وعيالاتي=إلى الشام فيالله أسرى
فاصبري اُختاه يوماً قد=أعدَّ الله للصابر أجرا
واصنعي بالأهل والأطفال و=الأيتام ما أرجوك ذُخرا
فرأى الاُختَ على العهد و=مَنْ كان بذاك العهد أحرى
ومضت تبحث في عمق=ظلام الليلِ والمحنةِ بدرا
لترى العباس قد شمَّر=للنخوة يُمناه ويسرى
أسداً يختال ما بين خيامٍ=يمتطي بالزهو مُهرا
فدعته وهو فوق المهر لا=يسطيع فوق السرج صبرا
قمرَ الآل على رسلك قد=طاب الحديث الآن غورا
حدَّثته بحديث الزيجة=المُنجبة الابطال نَذْرا
وبما اختار عقيلٌ لأبيها=من بنات الاُسدِ بكرا
بعدما قد مضت الزهراءُ و=استوصت بنا حيدرَ خيرا
وبما قد وعد اللهُ لهذا=السبط بالأبطال ذُخرا
وإذا العباس للنخوة هزَّ=السيف إيذاناً وفخرا
وتلّوى في ركاب المهر=إذ قطَّعها شداً وجرّا
قائلاً إنَّ غداً سوف=يراه القوم من بأسيَ نُكرا
لأُقِرنَّك عيناً أختُ ما=زلتُ على عهدك حُرّا
أنا أفديك وهذا السبط ما=أملك من روحي شَطرا
وأنا نجلُ عليٍّ أسد=الله الذي ما يومَ فرّا
وحسينٌ سيدي قبل=إخائي وإمامُ الكونِ طُرّا
أنا مَنْ ردّ أمان القائد=الفاسق ما حمَّل شمرا
أأمانٌ لي وإخواني و=هذا السبط لا يأمنُ شرّا ؟
أنا أرويك غداً يا ساحة=الحرب دماً ينساب نهرا
أنا اُصْليْ القومَ ناراً قبل=أن يحترقوا في الخُلد سُعرا
أنا مَنْ اُفزع قلبَ الجيش=من قبل لقاء الحرب دهرا
أنا من ألقي بسوح الحرب=في أفئدة الأبطال ذُعرا
أنا فخرُ لبني هاشم في=النُبل ومن حيدرَ ذكرى
أنا والقاسم والأكبر في=يوم غدٍ نُهديك سفرا
سيظلُّ الدهرُ شوقاً كلّما=ردَّده يستاف عطرا
سنجلّي ساحة الحرب بما=يُشرق في التاريخ بدرا
لو تقاسمنا جيوش القوم=إذ نقلبها بطناً وظهرا
ولأفنى كلُّ شهم من=عرانينك للجحفل شطرا
ولألفيت فلول الجيش قد=أَلقت إلى المهزوم عُذرا
وسعيد القوم من أسعفه=الحظُ من القتل وفرّا
بيد أن الله لا تعلم ما=سوف غداً يقضيه أمرا