سل كربلاء ويومها المشهودا=وسل السهول وسل هناك البيدا
وسل الرّبى عما رأته من الأسى=والدمع أغرقَ سهلهَا وجرودا
وسل النجومَ البيض تعلم أنها=صارت على هول المصائب سودا
هذي الفواطم من بنات محمد=ٍيلبَسن من خوف المصير برودا
والجو مربد الجوانب قاتم=ٌوالريح تبعث في الرمال وقيدا
ما كان يسمع غير وَلْوَلَة النسا=وصياحهن يفجّر الجلمودا
وبكاءُ أطفالٍ ونهدةُ مرضعٍ=لم تستطعِ أن ترضع المولودا
وبرغم قرب الماء ليس ينالُه=أحدٌ وباتَ على الحسين بَعيدا
من دونه خيلُ العدى وصوارم=بيض أقامت بالفرات سدودا
والظالمون تنكّروا لمحمد=ٍعلناً وأمسوا للضلال عبيدا
وتبادرت للذبّ عنه عصبة=ٌعقدت على هام الزمان عقودا
تستقبل الموتَ الزّؤامَ كأنها=تلقى بمعترك النزال الغيدا
كانوا ضراغمةً يرون أمامَهم=جَيشاً كثيفاً أنكرَ التوحيدا
وبرغم ذلك يضحكونَ كأنهُم=ْفوقَ المعالي يرتقونَ صعودا
يتهازلون وهزلهم لا ينطوي=إلا على تقوى تصافح جودا
هذا بُرَير ضاحكٌ مستبشرٌ=وحبيبُ يَعزفُ للمنونِ نشيدا
رهبانُ ليلٍ والعبادةُ دأبُهم=أما الضحى فَيُرى الجميع أسودا
والليلُ يطربه نشيد صلاتهم=والنجمُ يرعى للأُبَاة سجودا
خطبوا الردى بدمائهم فكأنما=قد أمهروه ذمةً وعهودا
يفدون بالمُهج الحسينِ لأنهم=عرفوا ومُذ كان الحسينُ وليدا
أن الوصية لمِ تكن في غيره=والناس ما برحوا لذاك شهودا
وبرغم قِلتِهمْ ونَقصِ عديدِهم=كانت لهم غُرُب السيوف جنودا
هي ليلةٌ كانت برغم سوادها=بيضاء تبعث في الهدى تغريدا
راح الحسين السبط يُصلح سَيفَهُ=فيها ليهزم بالشفار حشودا
ويذيق أعناق الطغاة بحده=ضرباً يثير زلازلاً ورعودا
وبدا يعاتب دهره وكأنه=قد كان منه مُثقلاً مجهودا
ويقول أفٍّ يا زمان حملت لي=همّاً وكيداً حالف التنكيدا
عُميت بصائر هؤلاء عن الهدى=ولقيت منهم ضلةً وجحودا
والأمر للرحمن جل جلاله=كتبَ المهيمِنُ أن أموت شهيدا
سمعت عقيلة هاشمٍ إنشادَه=فأتتهُ تلطمُ بالأكفّ خدودا
وتقول واثكلاه ليت منيتي=جاءت وشقت لي فداك لحودا
اليوم ماتت يا ابن أمّيَ فاطمٌ=واليوم أصبح والدي ملحودا
واليوم مات أخي الزكّي المجتبى=والحزن سَهّد مقلتي تسهيدا
فأجابها كلُ الوجود إلى الفنا=إلا الذي وهب الحياة وجودا
لا تجزعي أختاه صَبراً واعلمي=أني سَالقى في الجنان خلودا
مهما تمردت الطغاة فإنما=جنح البعوضة أهلك النمرودا
وبكت حرائر آل بيت محمدٍ=وندبنَ بحراً للهدى مورودا
قال الحسين برقةٍ نبوية=ٍحملت لهن من الفؤاد ورودا
لا تخمشن عليّ وجهاً إن أتى=حتفي وصرتُ على الثرى ممدودا
شدّوا العزائمَ واستعدوا للعنا=ودعوا الرسالة تبلغ المقصودا
لا يستقيم الدّين إلا في دمٍ=من منحري إن سال يخضب جيدا
والخيل تمشي في حوافرها على=ظهري وتحتز السيوفُ وريدا
وبذاك أعتبرُ المنيةَ فرحةً=كبرى وأعتبرُ الشهادة عيدا