في رحاب المصطفى (ص)
نُظمت في المدينة المنورة عام 1976م
أتيتُك بالأشواق.. أطفو وأرسبُ=وكُلّيَ آمالٌ، وكُلُّك مَطلبُ
ملكتَ على بُعد الديار مشاعري=فأنتَ إلى قلبي من الفكر أقربُ
إلى أن دنت مِنّي الدّيارُ وأصبحت=قبابُك في عيني تَهِلُّ وتُعجِبُ
تلاشت حدودي في حدودِك والهوى=تُوَحَّد أشتاتٌ به وتُذَوَّبُ
فعُدتُ وما إلاّك عند مشاعري=فأنت بها فِكرٌ، ودِينٌ ومذهَبُ
قطعتُ إليك البيد شاسعة المدى=إذا ما تقضّى سبسبٌ جد سبسبُ
تخايل فيها الرَّمل أن صار معبراً=إليك و دربٌ للحبيب محببُ
و لاح عليه رسم أخفاف ناقةٍ=غزوتَ عليها يوم لله تغضبُ
و قافلة ما زال رجع حدائها=يغرَّد في بدرٍ و أحدٍ و يطربُ
عليها من الصَّحب الكرام عزائمٌ=إلى الآن بالصَّحراء منها تلهبُ
يقود بها للفتح فكر معمَّقٌ=و يحدو بها للنصر سيفٌ مجرَّبُ
و ما قام مجدٌ أو تسامت حضارةٌ=بغير النهى يفتن و السيف يضربُ
ولمّا وطأتُ المِسْكَ مِن أرض طِيبةٍ=وهَبّ عبيرٌ مِن شذى الخُلدِ أطيبُ
وأقحمتُ طَرْفي لُجّةَ النور لَوّحتْ=شمائلُ أشهى مِن خميلٍ وأعذبُ
تخيّلتُ عشراً مِن قرونٍ وأربعاً=ستُبعد طَرفي عن رُؤاك.. وتَحجِبُ
ولكنْ رأيتُ الأمسَ عندي بسحرهِ=ثريّاً.. كما يهوى الجلال ويطلبُ
كأنّ السنين الذاهباتِ وبُعدَها=مَرايا بها تدنو إليَّ وتَقربُ
ولملمتُ طَرفي مِن سَناك ولمعهِ=كذا الشمسُ تعشو العينُ منها وتتعبُ
وراودتُ فكري أن يعيك.. فرَدَّه=بأنّك أوفى مِن مداه.. وأرحبُ
فآويتُ للذكرى يمسّ سلافَها=فمي.. فإذا رِيقي لها يتحلّبُ
وهوّمتُ للأصداء تُسكر مسمعي=بأنغامها.. فالدهرُ هيمانُ مُطرَبُ
سماحاً أبا الزهراءِ أن جئتُ أجتلي=سَناك.. وأستهدي الجلالَ وأطلبُ
إذا لم تُؤمِّلْ فيضَ نورك ظُلمتي=فمِن أين يرجو جلوةَ النورِ غيهَبُ ؟
وإن لم يَلجْ ذَنْبي ببابك خاشعاً=فمِن أين يرجو رحمةَ اللهِ مُذنبُ ؟!
ومِثْلُك مَن أعطى، ومِثْلي مَنِ اجتدى=فإنّ السما تنهلُّ والأرضُ تشربُ
أهَبْتُ بنقصي فاستجار بكاملٍ=إلى ذاته يُنمى الكمالُ ويُنسَبُ
وأغرى طِلابي أنّ فيضَ مَعينهِ=مدى الدهر ثَرٌّ.. ما يَجِفُّ ويَنضَبُ
وعفّرت خدّي في ثرىً مسّ عفرَه=لجبريلَ مِن جنحَيهِ ريشٌ مُزَغَّبُ
وفيه محاريبٌ لآل محمّدٍ=بهنّ ضراعاتٌ إلى الله تُنصَبُ
وآثارُ أقدامٍ صغارٍ ومَهْجَعٌ=إلى الحسنَينِ الزاكيينِ ومَلعبُ
وصوتُ رَحى الزهراء تَطحنُ قُوتَها=إلى جِلْدِ كبشٍ حيث تجلسُ زينبُ
رؤىً سوف يبقى الدهر يروي جلالَها=وتبقى على رغم البساطة تأشبُ
عَهِدتُك والقرآن نورٌ وحكمةٌ=يَشدُّ إليه التائهين.. ويَجلِبُ
وأنت عطاءٌ.. كلّما احتاجتِ الدُّنا=إلى مكسبٍ منه تَوَلَّد مكسبُ
وأنت طُموحٌ.. نال كلَّ مُمنَّعٍ=ولم يُرضِه من غاربِ النجم مَنكبُ
وأنت شموخٌ.. في النوائب مُرقِلٌ=على عَزَماتٍ كلُّهُنّ تَوَثُّبُ
وأنت إذا ما التاثَ رأيٌ إصابةٌ=مُسَدّدةٌ عن صائبٍ الرأي تُعرِبُ
فما بالُنا لا نجتليك بتَيهِنا=وأنت لنا نبعٌ وروضٌ مخصَّبُ!
فقد يكتفي في تافه الزاد كاسل=لأنَّ كريم الزَّاد مأتاه متعبُ
و يؤذي النُّهى و المنطق الجدَّ أن يرى=هراءً هزيلاً يستطيل و يطنبُ
تداعى إليه الحالِمون و غرهم=بريقٌ به فيما عرفناه خلبَّبُ
فخاطب منهم فاشلاً و مبلَّداً=و صورَّه المظلوم يُسبَى و يُنهَبُ
فثابوا إليهِ يرمحون و عندهم=من الحقد ما يبري الرَّقاب و يحطبُ
و يولمك الإنسان يقتل تِربّه=و دون الدِّماءِ الحُمر ما هو أصوَبُ
و قد تحسبني ظالمياً متجنياً=تناسى الذي يفضي لذا و يسبِّبُ
و كلا فما أنسى كروشاً تضخَّمت=من السُّحت يُجنى و الكسيرة تُنهبُ
و لا بالَّذي ينسى سياطاً لئِيمةً=تشظِّي جلودَ الكادحين و تُلهِبُ
و لكنَّني أرثي لناسٍ تفرُّ من=جحيمٍ ليحويها جحيمٌ مذهَّبُ
فَهَبْنا أبا الزهراء قُوتاً، فلم يَعُدْ=بمِزودِنا ما يُستطابُ ويَعذُبُ
ورُدَّ لنا هذا الأصيلَ لفجرِنا=إلى النبعِ يَهمي النورُ ثَرّاً ويسكبُ
وسَدِّدْ خُطانا بالطريق.. فدربُنا=طويلٌ على أقدامنا مُتَشعِّبُ