أبا الشهداء
طلعت على الدّنيا حساماً مهنَّدا=فعاشتكَ حيناً ثم عاشت على الصدى
ولستَ ببانٍ بالحجارة معبداً=إذا لم تشيِّد بالجوانح معبداً
جثا الدَّهر في أَعتابك الشم راكعاً=ولا غرو إنّ الظَّهر أَثقله الندى
وضعتُ لمعناكَ الحروف فلم تطق=جلاءَك فاستجليت معنىً مجرَّدا
فعشتَ بذهني صورةً لا أرى لها=بمحدودة الأَلفاظ أَن تتقيّدا
تمجَّد قوم بالخلود وإنّني=رأَيت بمعناكَ الخلودَ مخلّدا
لقد أَخذت منك الدّوائر شكلها=فليس لمرآها انتهاءٌ ولا ابتدا
ويولد من يفنى وأَنت تأصلٌ=فما مت يوماً كي نحدّك مولدا
حسينٌ وربَّ اسمٍ إذا ما لفظته=يرنّ بسمع الدّهر مهما ترددا
كمثل شعاع الشمس ما اخلولقت له=بيومٍ معانٍ كي يقال تجددا
أَفاق عليه الدَّهر يوماً فراعه=طراز تعدى سنخه وتفردا
فيا واحداً من خمسةٍ إن رأيتهم=رأيت بهم في كل وجهٍ محمدا
حديث الكسا ترنيمة الحق فيهمُ=روى الذّكر فيها الإِحتفاء وغرّدا
سما فلكٌ تنمى إليه فلم يكن=لينجبها الا شموساً وفرقدا
أَيا مطعم الدّنيا بغمرة جوعها=ترائب ما اطبقن الا على الهدى
أَعدَّت بك الأَيام زاداً لفقرها=إذا جاع دهرٌ إمه فتزودا
وأَلفت بك الدنيا الكمال لنقصها=فأَشبعتها عزماً وحزماً وسؤددا
وواجهت حتى قاتليك برحمةٍ=تفجر بالصّمّاء نبعاً مصردا
وقلب يعير الرمح عطفاً وإن قسا=وأَكثر فيه الطّعن حتى تقددا
وتلك سمات الأَنبياءِ تسامحٌ=وروح يُفيض الحبَّ حتى على العدا
أيا واهباً أعطى الحياة بنهجه=إذا لزها الإِعنات نهجاً مسدَّداً
وعلَّمنا أَنَّ الفداءَ فريضةٌ=إذا افتقر العيش الكريم إلى الفدا
لمحتُ رسومَ المجد بيضاءَ حرةً=على كلِّ عضوٍ منكَ قطِّع بالمُدى
فأَكبرت فيك الدَّم اسرج شعلةً=بقلب ظلام الليل حتى تبددا
ومجدتُ جرحاً في جبينك شامخاً=يهز الجباهَ الخانعات لتصعدا
ويا ربوات الطَّف أَلف تحيّةٍ=لأَيام عاشوراء تختال خرّدا
ورعياً ليوم كلَّما طال عهده=أَراه بما أَعطى يعود كما بدا