جبريل نادى باكيا متألما . مرثية أمير المؤمنين عليه السلام مرتضى الشراري العاملي
جبريلُ نادى باكيا متألما
جبريلُ نادى باكيا متألما = ركنُ الهدى يا عالمينَ تَهدّما
بدرٌ نأى ما كان أسطعَ نورَه! = فنأى وظلّ النورُ منه دائما
نبعٌ مضى ما كان أغزرَ ماءَه! = فمضى وظلّ الماءُ بعده عائما
عجَبا لصبحٍ قد بدا أنّى بدا = أولى له لو كان غابَ وأظلما
أوّاه يا سحراً بكوفة َ خاشعاً = ناجى الأمير به الإلهَ الأعظما
سكبَ الدموعَ كدأبِه بغزارةٍ = هزتْ مدامعُه الترابَ الأبكما
وسرى الخشوعُ بكل عِرقٍ نابضٍ= والى الأميرَ ونحو هديهِ يمّما
أوّاهُ يا محرابَ مسجدِ كوفةٍ = ما كان أفظعَه المُصابُ وأعظما
أعلمتَ أنّ جبينَ حيدرَ قد نأى = وفقدتَ كوكبَك المشعَّ المُلهَما؟!
أعلمتَ أنّ دماً سيجري طاهراً = حيثُ الدموعُ جرتْ وحيدرُ قائما؟!
أوّاهُ كيف رأيتَ نجمَك قد هوى = وبقيتَ يا محرابُ بعدَه سالما؟!
قد كنتَ تُغسَلُ بالمدامعِ ثرّة ً = وغُسِلتَ عند رحيلِ بدرِك بالدِ ّما
أبكيتَ يا محرابُ سيدَك الذي = قد كان فهّمكَ البكاءَ وعلّما ؟
أوَ ما درى ذاك الشقيُ بأنهُ = أردى تقىً بحسامِه ومَكارٍما
يهوي بسيفٍ فوق هامةِ مَن هوتْ= أسيافُه فوق الطغاةِ مُحطّما
أوّاهُ لو عرف المهندُ أنه = سيقِرّ في رأس قريبٍ للسما
فلكان يسجدُ واجلاً مستغفراً = ويظل طولَ العمرِ يبكي نادما
لكنه محضُ الحديدِ وما هوى = إلاّ وإن وراءَ حدِّهِ مُجرما
ثَلَمَ التقى ويلٌ له ماذا يرى = ذو السيفِ في وردِ الرياضِ ليَثْلُما؟!
ما أهونَ الدنيا على الباري بها = أدنى الورى تلقاهُ يُردي الأكرما!!
قتَل السجودَ بقتْل مَن سجدتْ له = كلُ الفضائل ِ والعُلا له أسْلما
قد غالَ بحرَ الحكمة ِ الكبرى أما = شهدَ الخِضمَّ لكي يهابَ ويُحْجِما؟!
لكنه أشقى الورى وأخسُّهم = مثواهُ دَرْكٌ أسفلٌ بجهنّما
نادى الأميرُ مبشّراَ لما جرى = دمُه المطهرُ:فزتُ ،نادى مُقسِما
فاهتزّ عرشُ اللهِ للجَلل الذي = أردى الشقيُ به الوصيَ الأعظما
أوّاهُ ما عرفوا لحيدرَ قَدْرَه = كم عابدٍ صنماً عليه تقدّما؟!
كم نابذٍ للدين أشهرَ سيفَه = ضدَ الهدى أمسى لحيدرَ حاكِما؟!
ثم انبرى منهم شقيٌ حاقدٌ = ثَلَمَ الجبينَ وكان أولى يَلْثِما
لهفي على أم المصائبِ إذ ْ رأتْ = رأسَ الولي ِ بنزفِه مُتعمّما
صاحتْ فيا ويلاه بعدك يا أبي = سنذوقُ منهم في الحياة العَلقما
كنتَ الأنيسَ بوحشتي ومصائبي = كنتَ الهناءَ لدنيتي والبَلسما
أبتي، بجدي بالبتول ِ بجعفرٍ = لا ترحلنْ ما زال جُرحي مؤلما
أبتي، لمَن لحسينَ في أرض البَلا = لما العداة يطوّقون مُخيّما
إذ يحرقون خيامنا ، لا لن ترى = أحداً من الأطفال ِ إلاّ هائما
أبتي، وأذ ْ يَسبونني وشقيقتي = ويصيرُ ظهري بالسياط مُقلّما!
وحسينُ فوقي رأسُه فوق القنا = وعلى الرمالِ الجسمُ بات مُهشّما
طحنته طحناً خيلُهم بسنابكٍ = بعد الذي سلبوا رداهُ وخاتِما!!
أبتي، وعباسٌ بدون الرأس ِ وال=كفين ِ أمسى دون عين نائما!
هذا القضاءُ ولا سبيلَ لردِّه = يا زينبٌ شاء الإله ُ وأبرَما
قربانُنا من أجل ِ دين ِ محمدٍ = نَفنى ليبقى دينُ أحمدَ قائما
تبكيكَ أقلامٌ أبا حسنٍ بها = صارَ المِدادُ كدمعِ حزن قد همى
تبكيكَ أسحارٌ فلا سَحَرٌ أتى = إلا وقد ذكَر المُصابَ المؤلما
تبكيكَ أيتامُ مسحتَ رؤوسَهم = بل كان قلبُك لليتامى ميْتما
نبكيكَ مولانا بدمع ٍ حارقٍ = لو جفَ نذرفُ ضلعنا المتألما
للهِ كم هو جاحدٌ ومكابرٌ = ذاك الذي نكِرَ البكاء ولوّما
ويلٌ لجفن ٍ طول عمرِه دمعة ً = لمُصاب آل البيتِ يوماً ما همى !!
إن قد خلا المحراب منك فما خلا = منكم فؤادٌ بالولاء تَتيّما
وتوجّه القلبُ الحزينُ لقبركم = والفكرُ نحو هداكمُ قد يمّما
لله أنتم، للعقول بواعثٌ = وبواعثٌ للقلب ِ كي لا يَسقما
ذكراكمُ تهبُ العواطفَ جُنحَها = وعلومُكم تهبُ العقولَ سَلالما
والله لا ننساكَ يا علَم التقى = سيظلُ ذكرُك في الثغورِ مُرنّما
سيظلُ حبُك في القلوب دماءَها = ويظل نهجُك للعقول مُلازما