تقول بنو العباس هل فتحت مصر
محمد بن هاني الاندلسي
تقول بنو العباس هل فُتحت مصر= فقل لبني العباس قد قُضي الأمر
وقد جاوز الاسكندرية جوهر= تطالعه البشرى ويقدمه النصر
وقد أوفدت مصر اليه وفودها= وزيد الى المعقود من جسرها جسر
فما جاء هذا اليوم إلا وقد غدت= وأيديكم منها ومن غيرها صفر
فلا تكثروا ذكر الزمان الذي خلا= فذلك عصر قد تقضى وذا عصر
أفي الجيش كنتم تمترون رويدكم= فهذا القنا العرّاص والجحفل المجر
وقد أشرفت خيل الإله طوالعا= على الدين والدنيا كما طلع الفجر
وذا ابن بني الله يطلب وتره= وكان حريّ لا يضيع له وتر
ذروا الورد في ماء الفرات لخيله= فلا الضحل منه تمنعون ولا الغمر
أفي الشمس شك انها الشمس بعدما= تجلّت عيانا ليس من دونها ستر
وما هي إلا آية بعد آية= ونذر لكم إن كان يغنيكم النذر
فكونوا حصيدا خامدين أو ارعووا= الى ملك في كفه الموت والنشر
اطيعوا اماما للأيمّة فاضلا= كما كانت الأعمال يفضلها البر
ردوا ساقيا لا تنزفون حياضه= جموما(1) كما لا ينزف الأبحر الدر
فان تتبعوه فهو مولاكم الذي= له برسول الله دونكم الفخر
وإلا فبعدوا للبعيد فبينه= وبينكم ما لا يقرّ به الدهر
افي ابن ابي السبطين أم في طليقكم= تنزّلت الآيات والسور الغر
بني نثلة ما أورث الله نثلة= وما ولدت هل يستوي العبد والحر
وأنى بهذا وهي أعدت برقّها= أباكم فاياكم ودعوى هي الكفر
ذروا الناس ردوهم الى من يسوسهم= فما لكم في الامر عرف ولا نكر
اسرتم قروما بالعراق اعزّة= فقد فُكّ من اعناقهم ذلك الأسر
وقد بزكم ايامكم عُصب الهدى= وانصار دين الله والبيض والسمر
ومقتبل ايامه متهلّل= اليه الشباب الغض والزمن النضر
أدار كما شاء الورى وتحيزت= على السبعة الأفلاك أنمله العشر
تعالوا الى حكام كل قبيلة= ففي الأرض اقبال واندية زهر
ولا تعدلوا بالصيد من آل هاشم= ولا تتركوا فهرا وما جمعت فهر
فجيئوا بمن ضمّت لؤي بن غالب= وجيئوا بمن ادت كنانة والنضر
أتدرون متن أزكى اللبريّة منصبا= وأفضلها ان عُدّد البدو والحضر
ولا تذروا عليا معتد وغيرها= ليُعرف منكم من له الحق والأمر
ومن عجب ان اللسان جرى لهم= بذكر على حين انقضوا وانقضى الذكر
فبادوا وعفى الله آثار ملكهم= فلا خبر يلقاك عنهم ولا خُبر
ألا تلكم الأرض العريضة اصبحت= وما لبني العباس في عرضها فتر
فقد دالت الدنيا لآل محمد= وقد جرّرت أذيالها الدولة البكر
ورد حقوق الطالبين مَن ركت= صنائعه في آله وزكا الذخر
معز الهدى والدين والرحم التي= به اتصلت أسبابها وله الشكر
من انتاشهم في كل شرق ومغرب= فبدّل أمنا ذلك الخوف والذعر
فكل إمامي يجيء كأنما= على يده الشعرى وفي وجهه البدر
ولما تولت دولة النصب عنهم= تولى العمى والجهل واللؤم والغدر
حقوق أتت من دونها أعصر خلت= فما ردّها دهر عليه ولا عصر
فجرد ذو التاج المقادير دونها= كما جردت بيض مضاربها حمر
فانقذها من بُرثن الدهر بعدما= تواكلها القِرس المنيّب والهِصر(1)
وأجرى على ما أنزل الله قسمها= فلم يتخرّم منه قلّ ولا كثر
فدونكموها أهل بيت محمد= صفت بمعزّ الدين جمّاتها الكدر
فقد صارت الدنيا اليكم مصيرها= وصار له الحمد المضاعف والاجر
إمام رأيت الدين مرتبطا به= فطاعته فوز وعصيانه خسر
أرى مدحه كالمدح لله إنه= قنوت وتسبيح يُحَطّ به الوزر
هو الوارث الدنيا ومن خلقت له= من الناس حتى يلتقي القُطر والقُطُر
وما جهل المنصور في المهد فضله= وقد لاحت الاعلام والسمة البَهر
رأى أن سيسمى مالك الأرض كلها= فلما رآه قال ذا الصمد الوتر
وما ذاك أخذا بالفراسة وحدها= ولا أنه فيها الى الظن مضطر
ولكن موجودا من الأثر الذي= تلقاه عن حبر ضنين به خُبر
وكنزا من العلم الربوبي انه= هو العلم حقا لا القيافة والزجر
فبشّر به البيت المحرم عاجلا= اذا أوجف التطواف بالناس والنفر
وها فكأن قد زاره وتجانفت= به عن قصور الملك طيبة والسر
هل البيت بيت الله إلا حريمه= وهل لغريب الدار عن اهله صبر
منازله الأولى اللواتي يشقنه= فليس له عنهنّ مغدى ولا قصر
وحيث تلقّى جدّه القدس وانتحت= له كلمات الله والسر والجهر
فان يتمنّ البيت تلك فقد دنت= مواقيتها والعسر من بعده اليسر
وإن حنّ من شوق اليك فانّه= ليوجد من رياك في جوّه نشر
ألست ابن بانية فلو جئته انجلت= غواشيه وابيضّت مناسكه الغبر
حبيب الى بطحاء مكّة موسم= تحيّي معّدا فيه مكّة والحجر
هناك تضيء الارض نورا وتلتقي= دنوا فلا يستبعد السفر السفر
وتدري فروض الحج من نافلاته= ويمتاز عند الامة الخير والشر
شهدت لقد اعززت ذا الدين عزّة= خشيت لها أن يستبد به الكبر
فأمضيت عزما ليس يعصيك بعده= من الناس إلا جاهل بك مغتر
أهنيك بالفتح الذي انا ناظر= اليه بعين ليس بغمضها الكفر
فلم يبق الا البرد تترى ومابأى= عليك مدى أقصى مواعيده شهر
وما ضر مصرا حين ألقت قيادها= اليك امد النيل أم غاله جزر
وقد حبّرت فيها لك الخطب التي= بدائعها نظم والفاظها نثر
فلم يُهرَق فيها لذي ذمّة دم= حرام ولم يحمل على مسلم أُصر
غدا جوهر فيها غمامة رحمة= يقي جانبيها كل نائبة تعرو
كأني به قد سار في القوم سيرة= تودّ لها بغداد لو أنها مصر
ستحسدها فيه المشارق انه= سواء اذا ما حلّ في الأرض والقطر
ومن اين تعدوه سياسة مثلها= وقد قلصت في الحرب عن ساقه الازر
وثقّف تثقيف الرديني قبلها= وما الطرف الا أن يهذّبه الضمر
وليس الذي يأتي بأوّل ما كفى= فشدّ به ملك وسدّ به ثغر
فما بمداه دون مجد تخلف= ولا بخطاه دون صالحة بهر
سننت له فيهم من العدل سنّة= هي الآية المجلى ببرهانها السحر
على ما خلا من سنّة الوحي اذ خلا= فأذيالها تضفو عليهم وتنجر
وأوصيته فيهم برفقك مردفا= بجودك معقودا به عهدك البر
وصاة كما أوصى بها الله رسله= وليس بأذن انت مسمعها وقر
وبينتها بالكتب من كل مدرج= كأن جميع الخير في طيه سطر
يقول رجال شاهدوا يوم حكمه= بنا تعمر الدنيا ولو أنها قفر
بذا لا ضياع حلّلوا حرماتها= وأقطاعهافاستصفى السهل والوعر
فحسبكم يا اهل مصر بعدله= دليلا على العدل الذي عنه يفترّوا
فذاك بيان واضح عن خليفة= كثير سواه عند معروفه نزر
رضينا لكم يا أهل مصر بدولة= اطاع لنا في ظلّها الامن والوفر
لكم أسوة فينا قديما فلم يكن= بأحوالنا عنكم خفاء ولا ستر
وهل نحن الا معشر من عفاته= لنا الصافنات الجرد والعسكر الدثر
فكيف مواليه الذين كأنّهم= سماء على العافين أمطارها البتر
لبسنا به ايام دهر كأنّها= بها وسن أو مال ميلا بها السكر
فيا ملكا هدي الملائك هديه= ولكن نجر الانبياء له نجر
ويا رازقا من كفّه منشأ الحيا= وإلا فمن اسرارها نبع البحر
الا إنما الايام أيامُك التي= لك الشطرمن نعمائها ولنا الشطر
لك المجد منها يا لك الخير والعلى= وتبقى لنا منها الحلوبة والدر
لقد جُدت حتى ليس للمال طالب= وأعطيت حتى ما لنفسه قدر
فليس لمن لا يرتقي النجم همّة= وليس لمن لا يستفيد الغنى عذر
وددت لجيل قد تقدّم عصرهم= لو استأخروا في حلبة العمر اوكروا
ولو شهدوا الايام والعيش بعدهم= حدائق والآمال مونقة خضر
فلو سمع التثويبَ من كان رمّة= رفاتا ولبى الصوت من ضمّه قبر
لناديت من قد مات حيّ بدولة= تُقام لها الموتى ويرتجع العمر