أسفر الصّبح يا شآم فقولي=لبقايا الظلام في الأفق زولي
لنسيج الأصنام وابن الزّبعري=صادحاً في نشيده المنقول
خبّريه أنّ الخبايا تجلّت=وتبدى ما كان من مجهول
جولة الباطل انتهت واستقرّت=دولة الحقّ في مداها الطويل
أين عرش القلوب فيما بناه=من عريش مزور منحول
مرحين والحق بدر ولكن=نظروا نحوه بطرف كليل
ليس ذنب العيون بل ذنب ليل=لم تبن فيه روضة من حول
غير أنّ المقياس هب ليخطو=في مسار الصحيح والمعلول
وانتهى للجفاف نبع افتراء=وتناهى نباته للذّبول
وقليل باق وعندي يقين=سوف تمضي حتّى بقايا القليل
أيها الدّهر هل بوعيك ذكر=لعديل الكتاب رهط الرسول
شدّه الله للسماء وثيقاً=ونماه بحبله الموصول
حمل النبع من تراث رسول=الله ثراً في طعمه السلسبيل
كان من فرط ما تكلّل مجداً=ما به حاجة إلى إكليل
فأكاليل الزّور تفنى وتبقى=عمّة الصدق موضع التّبجيل
هو حبر في جوف ليل وسيف=في جهاد وسيد في قبيل
وشهيد بالأفق لون وعطر=عابق من نجيعه المطلول
إنه اشتقّ من نسيج علي=ودم الأب في عروق السليل
أسرته ديون بدر وأحد=وأحاطت زنوده بالكبول
وروته بأنه خارجي=يا لهذا الإمعان بالتّضليل
أبنوا الوحي مارقون وأهل=اللاّت أهل الكتاب والتنزيل
أيها السادرون هل بظلام=الليل عن أنجم السما من بديل
إنّ هذا الزمان لابدّ يصحو=ذات يوم من بعد نوم ثقيل
هوّني فالظلام طارده الصبح=فوّلى إلاّ بقايا فلول
واقرئي يا شآم ملحمة الحقِّ=كتاباً يخطّ فوق الرمول
بدم ثائر ودمع بجنب=الدم خطا ملاحماً في فصول
ومن الدّمع ما يكون سلاحاً=يصنع النصر كالحسام الصّقيل
إنها كربلاء تمتدّ للشام=لتروي عدل السما للعقول
حيث يهوي للقائلين لواء=ويرفّ اللواء للمقتول
يا ابنة المجد في مدى آل فهر=وابنة الوحي في مدى جبرئيل
وابنة الطّهر فارق الجاهليات=وأعراقها بجذر أصيل
يا مزاجاً به جهاد علي=وهدى أحمد وصبر البتول
وشموخاً ما أركعته الرّزايا=يوم صُبَّت مصائب كالسيول
وفماً أبلج البيان ورأساً=علوياً لم ينحني للذيول
لست أنسى عينيك وهي ذهول=بين رزء غمر وصبر جميل
بين أسرى تقسو السياط عليها=وزغاليل روّعت وعليل
كصغار القطا ذوت من هجير=ردّها بعد نضرة لذبول
يترشّفن أرؤساً ووجوهاً=أمطرتها الشّفاه بالتّقبيل
كلّما صحن صاح فيهنّ سوط=فحذقن النّشيج دون عويل
أنت قلب تناهبته الرّزايا=فهو خفق وآه بجسم نحيل
غير أنّ الذي رواك شموخاً=عزمات رغم المصاب الجليل
ورزايا بلا مثيل ولكن=عندك الصبر ما له من مثيل
تقرعين الخصوم بالمنطق الفصل=فيأتي الدليل تلو الدليل
إزئري فالزّئير عندك إرث=ومزاج الأسود إرث الشّبول
يا لها من مواقف كشفت عند=ك طبع الحسام عند الصّليل
يا نبي الهدى يسمعك صوت=يوم مرّت قوافل بالحمول
من فم حاقد تمنّى لو الأشياخ=عادوا إليه بعد الرّحيل
ليروا كيف هند عادت مع الأ=بناء ثأراً لأمسها المخذول
تستردّ الدّيون من خفرات=وعليل مقيّد مغلول
ورعابيب أثكلت ويكل=الوصف عن لوعة بعين الثكول
وعلى سرحة نعيب غراب=هاج ما كان كامناً من غليل
صور وقعها بقلبك مما=حملت من أذى كوقع النُّصول
عاش منها الزمان يبكي ولما=ينضب الدّمع رغم طول همول
وسيبقى يبكي لقتلى وأسرى=وقبور ملاء الرُّبى والسُّهول
أيها المرمّل في مشارف جير=ون عليه إجابة للسّئول
أنت فيما وعيت تشهد بالعدل=وماذا بعد الشهود العدول
قد سمعت الإيمان عند رعيل=وسمعت الإلحاد عند رعيل
من ثغور معّبأة بذكر=وثغور تعبّأت بالشمول
وتبيّنت كيف ينكشف الزُّور=برغم الإغراق بالتّأويل
يوم عاد الدّوي والترف الفاجر=والعرش كلها لأفول
وتهاوت زعامة شيّدوها=بكذوب الثنا وقرعٍ الطّبول
وبنا الدم والشهادة والموقف=صرح الخلود عرضاً بطول
اسكبي للأثير يا قبّة الإبريز=أحلى شعاعك المطلول
اسبحي في بحيرة الأفق الأزرق=جولي من نجمة بحقول
وانشري في السماء تبراً شفيفاً=ذائباً في عناق همس الأصيل
واخشعي بالضّريح في صلوات=عامرات بالذّكر والتهليل
باركي رملة غدت حين ضمّت=بنت خير الأنام خير مقيل
إنها زينب العقيلة نجم=من سماء وزهرة من خميل
ضاعفي الأجر في خطى زائريها=في مسير مشوا به أو مثول
إنها ينشدون ودّ ذوي القربى=وعقد الولا لآل الرسول
وتقبّل يا ربِّ منّا دموعا=عند أزكى فرع لخير أصول
ربِّ هذي رحاب بنت نبي=ويعزّ الرحاب قدر النزيل