لأولئكم يتنكّرون
لهفي على من كان يحكم كوكبا=وطعامه خبز الشعير وماءُ
لا يقبلنّ بطحنه بنعومةٍ=كي لا تمسّ طعامه النعماءُ
ثوباه : ملبوس ومغسول وما=له كلما طلع الصباح رداءُ
وأثاثه ذاك الحصير مؤثّر=في جنبه ووسادة هيفاءُ
رهن المِجنّ لكي يؤمن قمحه=ويكون في بيت الأمير غذاءُ
كي لايكون من الرعية من به=فقر كفقر أميره وعناءُ
حقّ لكم أن تعجبوا من حاكم=عجبت لشدّة فقره الفقراءُ
كتقاه إلاّ المرسلين تقاهمُ=وكعدله لم تشهد الأرجاءُ
هو حيدر باب به الله ابتلى=كل العباد لمن أتاه هناءُ
أما التنكّب عنه فهو بلية=يوم الجزاء إذ الجحيم جزاءُ
باب إلى الفردوس أوجده العلى=للناس يوما إن أبوا أو شاؤوا
لمّا الرسول المصطفى قام انبرى=والناس حوله والثرى رمضاءُ
ليبلّغ الأمر العظيم لأمة=والجمع كلّهمُ له إصغاءُ
من كنت مولاه الأكيد فحيدر=مولى له وعن الجحيم وجاءُ
يارب فانصر من غدا له ناصرا=مَن في فؤاده للوصيّ ولاءُ
واخذلْ إلهي خاذليه فإنهم=حسّاده وبهم له ضغناءُ
إذ ذاك أدركت الجموع مقامه=ولبيعة نصب الغداة خباءُ
ولو استقاموا تحت ظلّ لوائه=لأظلهم طول الحياة رخاءُ
لكنّهم للحق كارهة وما=بقلوبهم للطاهرين ولاءُ
ورضوا حياة الغاب وحش سيّد=وهمُ عبيد تحته و إماءُ
هم هكذا يستمتعون بأنهم=لجماعة الحيتان تلك غذاءُ
عجبا لهم ضعفاء لكنْ ويحهم=يستمتعون بأنهم ضعفاءُ
ذل و مسكنة عليهم في الدنا=ضُربت وبأس بينهم وشقاءُ
وغشاوة فوق العيون ومثلها=فوق القلوب وغفلة وغباءُ
وشتاتهم لا كالشتات وليلهم=لا نجم فيه وعيشهم بأساءُ
لعقتْ أصابعها وقامت بعدما=شبعت وروّت منهمُ الأعداءُ
كزجاجة قد هُشّمت أجزاؤها=أوطانهم وبلادهم أشلاءُ
ركبوا جموح العيش حين ترجّلوا=عن سرج آل دربهم وضّاءُ
بدر الدجى لو كان يعقل شرّهم=فلما بدا للناس منه ضياءُ
والشمس لو عقلت حقيقة خبثهم=ما أشرقت يوما وصار نماءُ
والغيم لو يدري بشر تحته=ما فاض للأشرار منه شتاءُ
وعن الصراط المستقيم تنكّبوا=فتنكبّت له عنهم السرّاءُ
و تنكروا لمن الوصيّ أبوهمُ=نسباً وأمهمُ هي الزهراءُ
من منهمُ حسن الزكيّ المجتبى=وحسين والعباس والحوراءُ
لمن الحسين شهيدهم في كربلا=وهو الذي شرفت به الشهداءُ
وعلي السجاد ابن حسينهم=زين الذين تعبّدوا البكّاءُ
ثم الذي بقر العلوم محمد=ذاك الذي هو في الأنام سناءُ
والصادق المصدوق جعفر منهمُ=ذاك الذي دانت له العلماءُ
والكاظم العلَم الذي حلم به=وتجلّد عجبت له الحلماءُ
ثم الرضا ذاك الذي طرق الدنا=ذكر له بين الورى وثناءُ
ثم الجواد البر مولود الرضا=شبه السحاب الباذل المعطاءُ
ثم الذين تشرفت بوجودهم=في أرضها سكانَ سامرّاءُ
فعليٌ الهادي الذي خشعتْ له=من علمه وصفاته الأمراءُ
والعسكريّ البرّ ذو الهدي الذي=شعّتْ بنور وجوده الأنحاءُ
والقائم المهديّ منهم مَن به=تُمحى عن البشرية البلواءُ
صلوات ربي والسلام عليهمُ=ما فجّ صبح أو أظلّ مساءُ
قلبي ولو أن القلوب تنكرت=لعظيم شأنهمُ الجليّ فداءُ
وهم الشفاعة والسعادة والهدى=وبهم لنا يوم الحساب رجاءُ
لأولئكم يتنكرون لأنّهم=أعماهم الشيطان والأهواءُ
لم يقرنوا أرواحهم بمن اهتدى=وجنود إبليسٍ لهم قرناءُ
ومشوا وراء الظالمين وبغيهم=وبكلّ إثم بيّنٍ قد باؤوا
لم يركبوا سفن النجاة جليّة=فأظلهم موج علا و بلاءُ
ظلّوا على الأيام ريشا طائرا=تلهو به و تهزّه الأنواءُ
غُصبتْ أراضيهم وسيم وجودهم=خسفاً وضاقت عنهم الأجواءُ
ثم استبد بهم سلاطين الغوى=طبقية وضرائب وغلاءُ
شُلّت قوافلهم ومات مسيرها=وعن الحناجر قد أناخ حِداءُ
يبكون للأفلام وهي تقمّص=ودموعهم فوق الخدود شتاءُ
لكنّه مستنكر في فكرهم=في ذكر ذبح بني الرسول بكاءُ
سحقا لكلّ معاند مستكبر=للحق في دمه الخبيث عداءُ
ما أهون الدنيا التي تجري بها=فوق الثرى للطاهرين دماءُ
أكفانهم إلاّ الثرى وقبورهم=إلاّ النوى ولبوسهم عفراءُ
ورؤوسهم فوق القنا وجسومهم=فوق الثرى وديارهم قفراءُ