في عيد الغدير الأغر
كم مذهبٍ هذي البرايا تذهبُ !=كم شرّقوا في دينِهم كم غرّبوا !
وأنا عرفتُ بهديِ ربي مذهبي=حبّ النبيِّ وآلِه لي مذهبُ
لججُ الضلالة إذْ تموجُ عتيّة ً=و ترى المراكبَ من عماها تُقلَبُ
ما لي سوى آل النبيِّ محمّدٍ=هم للنجاة من الضلالِ المَركبُ
هم للحيارى نورُهم وطريقُهم=هم للعطاشى كوثرٌ لا ينضبُ
هم للأسارى من قيودِ ضلالِهم=عِتقٌ، وهم للتائهينَ الكوكبُ
ويحَ اليراعِ إذا دواتُه لم تكن=علويّةً شمّاءَ منها يشربُ
ويحٌ له إن لم يكنْ بمدادِه=عطرُ الولاية، فالضلالَ سيكتبُ
قد خاب عقلٌ ما نما في روضِهم=وإلى ثراهم جذرُه لا يُنسَبُ
بل خاب قلبٌ لم يكنْ في خفقِه=لحنُ الولاء بعطرِهِ يتطيّبُ
والعينُ إن ما كان في دمعاتِها=للآل حظّ ٌ، عن هداهم تُحجَبُ
فاض الغديرُ غديرُ خمٍّ يرتوي=منه الموالي والمعادي يهربُ
فاض الغديرُ ليسقي الناسَ الهدى=ما للهدى غير الغديرِ مشاربُ
فالعيدُ: أنّا قد شربنا، إنّنا=من خيرِ نبعٍ فاض يوماً نشربُ
والعيدُ: أنّا قد وردنا مَورِداً=يُفضي بنا نحو الجنانِ ويجذبُ
إنّ القصائدَ في الغدير بهيّةٌ=جذلى على وترِ الولايةِ تَطربُ
تشدو الولاءَ وحبَّ آلِ محمدٍ=فاقتْ عذوبتُها نميراً يعذبُ
وتكاد أجنحةُ القوافي ترتقي=عند الغيوم من الثريا تقرُبُ
شِعري بعيد ولاية المولى جرى=كالعطرِ في صدْر الموالي يُسكبُ
إنّ القصيدةَ خِصبُها بولايةٍ=هيهاتَ في عيدِ الولايةِ تُجدبُ
اليومَ يومُ الشِعرِ يشدو مخلصاً=من أشهرٍ وقريحتي تترقّبُ
فاض الغديرُ على الخلائق كلّهم=منهم تروّى بالغدير و رحّبوا
والبعضُ أنكرَ للغدير فيوضَه=كالشمس ينكرُها الفتى المتعصّبُ
كالصبحِ ينكرُه الكفيفُ فلا يرى=و كذا الحريرُ يعيبُ فيه الأجربُ
يبقى ويبقى للغدير بهاؤُه=لا شيء يوقفُ ذا البهاءَ ويسحبُ
و نظلّ نحن على الغديرِ جفونَه=تُروى به فينا القلوبُ فتُخصِبُ
تُروى العقولُ فترتقي نحو الذرى=يُروى به فينا اليقينُ الأصلبُ
لن ننثني عن عشقِ حيدرَ طَرفةً=نفنى ولكنْ عشقُه لا يذهبُ
يومَ الغدير ولا أرى لكَ مُشبهاً=فيما تجود به السنونَ وتنجبُ
يوم اكتمالِ الدين شمساً في الضحى=شمساً تظلُّ مشعةً لا تغرُبُ
يوم التمامِ لنعمة المولى التي=لولاها لاستشرى علينا الغيهبُ
و لصارَ كلُّ الناسِ في قَفْر العمى=و على الوجوه بيومِ حشْرٍ كُبكِبوا
لا بدّ من خَلَفٍ لأحمدَ بعدَه=العقلُ يوجبُ والشريعة توجبُ
من ذاك يَخلُفُ سيّدَ الرسلِ الذي=مِن بعده بعضُ النفوسِ ستُقلبُ
من ذاك إلاّ ذو الهدايةِ والتقى=ذو الزهدِ، مَن فيه اليقينُ الأعجبُ
وأبو الفصاحةِ والشجاعةِ والحجى=والأقسطُ المعطاءُ مهما كذّبوا
من شبَّ في حضنِ النبيِّ وقد غدا=كالظلّ للمختارِ دوماً يصْحبُ
من زوجُ فاطمةَ البتولِ وكفؤها=ولسيّديْ أهلِ الجنانِ هو الأبُ
من للمعارك ليثُها وحسامُها=من للكريهة والشدائد يُندَبُ
مَن حزّ رأسَ العامريِّ بخندقٍ=لمّا الرجالُ بسيفِه قد أُرهِبوا
من دكّ حصناً لليهودِ بخيبرٍ=وبسيفِه لقيَ المنيةَ مَرْحبُ
لا بل ومن للكعبة العظمى ولي=دٌ بين جدرانٍ لها يتقلّب
لم يفتخر بل إنها افتخرت به=الغصنُ يفخر بالثمار ويُعجِبُ
ومن المُنادى باسمِه في بيعةٍ=بغدير خمٍّ والجموعُ تراقبُ
هو حيدرٌ بعد الرسول خليفة ٌ=نزلتْ بها الآياتُ تترى تُعربُ
ولقد رأوا أنَّ اجتماعَ نبوّةٍ=وخلافةٍ في آلِ هاشمَ يَصعُبُ
كرهوا سطوعَ الشمس بل كرهوا الشذى=أرضاهمُ القفرُ الغليظُ المُجدبُ
تبعوا الظلامَ وعاقروا كأسَ الغِوى=وتجمهروا حول الضلالةِ تنعبُ
ركبوا جموحَ العيشِ حين ترجّلوا=عن سرجِ آلٍ، هديهم لا يُحجبُ
الله يعلم حيث يجعل أمرَه=الله أخبرُ بالنفوسِ وأقربُ
ذرية من بعضها نسلت تقىً=وهدايةً والشمس ضوءاً تنجبُ
وبنو الرسولِ المصطفوْنَ همُ الهدى=همْ للخلافةِ أهلُها والأنسبُ
هم معدنُ العلمِ الوثيقِ ونبعُه=هم وسْط صحرانا الربيعُ المعشبُ
أزكى السلام عليهم وأتمُّه=كالغيث فوق ربيع ثغري يُسكبُ
عيد الغدير 1429ه