ليوم الطفِّ قد خُلق النحيبُ=فليس كمثلِه يومٌ كئيبُ
به آلُ الرسولِ جرتْ عليهم=خطوبٌ لا تساويها خطوبُ
فمن ذبحٍ ومن أسرٍ وسبيٍ=ومن رُزءٍ تذوبُ له القلوبُ
لقد ذُبحوا عطاشى دون ريّ=عطاشى والفراتُ لهم قريبُ
وأرضٌ لم تروّيهم بماءٍ=رواها منهمُ عرقٌ سكيبُ
فيا لله كم حملوا مُصاباً=ولو عافوا الصوابَ لما أُصيبوا
وهيهاتَ الدنيّة من نفوسٍ=لغير الحقّ ما كانتْ تثوبُ
رضاهم في رضا الرحمن حتّى=ولو فيه انبرى الخطبُ العصيبُ
أتَوا طفّاً وقد ركبوا خيولاً=و عادوا والقنا لهمُ الرَكوبُ
وهل عرفَ الطفوفُ وقد جفاكم=بأنّ ترابَه منكم يطيبُ ؟
سأبكيكم على الأيّام دمعاً=بهِ زَفَراتيَ الحرّى تذوبُ
و ألطمُ أضلعي بأليمِ لطمٍ=وينبتُ في دمي الجمرُ الّلهيبُ
فيا لهفي وجسمُ السبطِ أمسى=عليه خيولُ أعداءٍ تجوبُ
وثغرٌ كان يلثمُه رسولُ=عليهِ هوى من الوغد القضيبُ!
تخضّبَ بالخمورِ يزيدُ هندٍ=وبالدمِ نسلُ فاطمةٍ خضيبُ !
و يرفلُ بالحرير لئيمُ أصلٍ=و يُتركُ في الثرى ذاك الحسيبُ !
ألا يا دهرُ كم تقسو وتجفو=وما لك أيّها الجافي صحيبُ
أتُسبى زينبٌ وبناتُ طهَ=وعيشُك يا زمانُ إذاً يطيبُ ؟!
و زينُ العابدينَ أسيرُ قيدٍ=يُساقُ كأنّه العبدُ الغريبُ !!
أتَوا كي ينقذوهم من لهيبٍ=فأُضرم في خيامِهمُ اللهيبُ !
إذا صحّ النعيبُ على الرزايا=فما غير الطفوف له نعيبُ
تغيبُ الشمسُ واحدةً بيوم=و ثمّ إذا أتى صبحٌ تؤوبُ
و لكنْ في الطفوف شموسُ طهَ=بيومٍ كلّها أخذتْ تغيبُ
أيا نهرَ الفراتِ أأنتَ ماءٌ=جريتَ هناكَ أم دمعٌ صبيبُ ؟
و أعجبُ والعُطاشى آلُ طهَ=ولم يكُ نحوهم منك الوثوبُ !
بقيتَ بقيد أعداءٍ لئامٍ=وأحرى لو بدا منك النُّضوبُ
تنادي زينبٌ يا صحبَ جَدّي=وصحبَ أبي ويالجمعُ المهيبُ
تنادي والدجى أخفى صباحاً=سيطفئُ ضوْءَه الحَدَثُ الرهيبُ
تنادي : ياحبيبُ جُزيتَ خيراً=ألا ادفعْ عن حسينٍ يا حبيبُ
فلبّاها حبيبٌ باسمِ جمعٍ=أشاوس قد بدا منهم وُثوبُ
سنُبلي لا كما أبلى شجاعٌ=أمام السبطِ أو بطلٌ نجيبُ
فقِرّي يا ابنةَ الزهراء عيناً=ستَفدي قلبَه منّا القلوبُ
و جاء الصبحُ يا لهفي ولكنْ=شموسُ الصبحِ أخفاها المغيبُ !
رضيعُك يا حسينُ رماه سهمٌ=توضّعَ حيث قد رُضِع الحليبُ
سقوْه السهمَ رِيّاً في وريدٍ=فلا واللهِ ما لهمُ القلوبُ
أبا فضلٍ عُطاشُكَ في انتظارٍ=أجبهمْ أنتَ يا نعمَ المُجيبُ
رميتَ الماءَ فوقَ الماءِ ويلي=بنهر العلقميّ، فهل يطيبُ ؟
وحقّكَ ليس جودُك قد أُريقتْ=فمنها رُوّي المجدُ الخصيبُ
وماجتْ هدأة الدنيا وهاجتْ=ووجهُ الريح هاجمه الهبوبُ
لقد ذبحوا الإمامَ لأجل دنيا=لتملأَ جوهراً تلك الجيوبُ
لأنّ الحقَّ لم يكُ في هواهم=هواهُم خمرةٌ وفَمٌ طَروبُ
أضلَّ عقولَهم ليلُ الخطايا=وفوق قلوبِهم رانتْ ذنوبُ
وكم قام الحسينُ بهم خطيباً=فقالوا: دعْك يا هذا الخطيبُ !
دعاهم كي يقيهم من جحيم ٍ=وحذّرهم ولكنْ لم يُجيبوا !
لقد شنّوا حروباً ضدّ آلٍ=حريٌّ أنْ تُشنَّ لهم حروبُ
فقاتلَ ليس مُختاراً و لكنْ=قتالٌ قد بدا فيهِ الوجوبُ
وضجّ الكونُ إذْ ذبحوا حسيناً=ولوّن وجهَ أنجمِه الشحوبُ
وأجهشت السماء عليه نوْحاً=وغطّى الأرض في الطفّ النحيبُ
و أ ُلصق صدرُه بالظهر لمّا=عليه خيولُهم راحتْ تجوبُ
مجازرُ ليس يفعلها يهودٌ=ومَن بصدورهم لمعَ الصليبُ
ثلاثاً سبطُ أحمدَ دون دفنٍ=ومطروحا وسادتُه الكثيبُ
تعفّره الرمالُ تجيءُ تترا=ويلفحُ جسمَه الحرّ المذيبُ
وتطلعُ شمس ذاك اليوم خجلى=وتغربُ والحريُّ بها الغروبُ
وأيقنت الوحوش إذا رأته=بأنّ الوحشَ قاتلُه الرهيبُ
أيا ويلي وزينبُ في إسارٍ=تهشّمُ لحمَ رجليها الدروبُ
فإنْ نظرتْ لأسفلَ فاليتامى=وللأعلى فذا الرأسُ الخضيبُ
لعمرك إنها أرزى الرزايا=كزينبَ صار يحدوها الغريبُ
ونادتْ يا أخي مالي أنيسٌ=بعيدَك أو لآلامي طبيبُ
أخي كم كنتُ أرجو أن تراني=بتُربٍ ثمّ ها أنتَ التريبُ
فؤادي نصفُه للرأس يرنو=ونصفٌ شدّه البدَنُ السليبُ
ألم تنظرْ إلى السجّاد يخطو=وتخطو تحت أرجلِه الخطوبُ
وفي الأصفادِ قد غلّوه غلاًّ=وغطّت جيدَه منها الندوبُ
سأغدو والأسى ربّانُ نفسي=وعيني كحلُها الدمعُ السكيبُ
وصوتي لن يكونَ سوى نشيجٍ=و حلقي سوف يسكنُه النحيبُ
حبيبي يا حسينُ و نور عيني=حبيبٌ ليس يَخلُفُه حبيبُ
أيا ابن أبي و إنّك في فؤادي=وإن فارقتني جسماً قريبُ
عزائي فيكَ أنّ الدينَ أبقى=منائرَ مجدِه دمُكَ السكيبُ
14 / محرّم / 1426ه