ألف بيت في وليد البيت (8)
ديوان ألف بيت في وليد البيت (ع) - عادل الكاظمي
إنّ الذين لحربٍ قادَهُمْ جَمَلٌ=رُغاؤهُ عن سماعِ الحقِّ يُصميها
فأرسل السيفَ في أوساطِهِمْ أَسِف=على نفوسٍ من الغِسْلينَ يَسقيها
وشخَّصَ الداءَ أنْ تُكوى جنوبهُمُ=وأثُْوبٌ من نسيجِ الوّيْلِ يُغشيها
تظنُّ عائشُ يغنيها تهكُّمه=بحيدرٍ أنْ غدت حفصٌ تُغنّيها
____________
البيت 701 يشير إلى حادثة جليلة وهي أن عبد الله بن عمر قد منع حفصة أم المؤمنين من الخروج لقتال أمير المؤمنين إلى صف عائشة فما كان من حفصة إلا أن جمعت النساء لتنال من علي عليه السلام فصارت تغنّي مع تلك النسوة بما يدل على مبلغ العداء لهذا الرجل العظيم.
ومن جملة ما تغنّت به على ما أتخطّر:
ما الخبر ما الخبر.. عليّ في سفر.. فهو كالأشقر.. إن تقدّم عُقِر.. وإن تأخّر نُحِر.
ومرَّ حيدرُ بالقتلى مُطرَّحةً=وغُبرةُ العار إذلالاً تواريها
ولاتَ حينَ عتابٍ فالقضاءُ جرى=وحكمةُ الله قد سارت بماضيها
وخُلْقُ حيدرَ قد آلت سَجاحتُهُ=لعائشٍ بجميل الصّفح يوليها
خُلْقٌ يرقُّ فلا شيءٌ يكدّره=حتى العِداةُ إذا فاءت يُفيّيها
ماذا أقول بمن أخلاقُهُ نهلت=خُلْقَ النبيّ فمحضُ الصَّفْوِ جاريها
(عفوتَ فاصفح فإنّ العفوَ من شِيَمِكْ)=شهادةٌ عائشٌ عنّي تؤدّيها
____________
في البيت 707: ما بين القوسين انتزعتُهُ من مقالة لعائشة (رض) وهي تطلب الصفح من أمير المؤمنين بعد وقعة الجمل فقالت:
عفوتَ فاصفح.. وملكتَ فاسجح.. فإنّ العفو من شيَمِك وقد عفا عنها لأن اليومَ آتٍ لا محالة ((يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً)).
فهبَّ يشملُها عفواً كما عهدت=خلائِقاً عَذَباتُ اللّطْفِ تُرْبيها
وصاح بالناس أنْ ردّوا غنائمكم=لأهلها وارفقوا بِرّاً بأهليها
فليس في هذه غُنْمٌ لمنتصرٍ=إلا إقامة حقٍّ في نواحيها
و ها أقمتم حدودَ الله بيِّنَةً=حتى أفاءَ لأمر الله باغيها
هذا هو العدلُ لا ضَرْباً بِدِرَّتهِ=ولا دعاوى عن العنقاءِ ترويها
قد كلّفت بيتَ مالِ المسلمين بأنْ=يعطي البريّةَ جزّالاً ويُثريها
(تصوّر الأمرَ معكوساً وخذ مثلاً)=لو أنّ عائشةً رامت أمانيها
وأقبل النصرُ بالبشرى يكلّلُه=وصار أمرُ عليٍّ رَهْنَ أيديها
لمثَّلتْ ومحت آثارَ من قتلت=وأهلكت نسلَهم إذ ذاك يُهنيها
وأرسلت من خيول الضِّغنِ ضابحةً=على الجسومِ وبالأسيافِ تَفريها
وغادَرَتْهم بلا غُسْلٍ ولا كفنٍ=وبالسياطِ إذا حنّت بَواكيها
وجرّعتهم وقد أجملتُ من غُصَصٍ=فوقعةُ الطفِّ بالتفصيل تُبديها
خذْ من عليٍّ ومن أعدائِهِ عِبَر=وجرِّد النّفسَ فالأهواءُ تُعميها
فأيُّهُمْ لمنالِ الحقِّ مَدْرَجَةٌ=وأيُّهمْ لصروح الشّركِ يَبنيها؟
أ نفسُ أحمدَ أم نفسٌ يخادعُه=شيطانُها وبوادي التَّيْهِ يُلقيها؟
ومن به (هل أتى...) للمدح مُنْزَلَةٌ=أم من رسولُ الهدى بالذمِّ يُقصيها؟
ومن أقام عمودَ الدين صارمُهُ=أم من لقولة طه لا تراعيها؟
ومن لو الأرضُ طرسٌ والبحار غدت=حِبْراً وأشجارُها الأقلام نبريها
والإنسُ والجنُّ كتائباً لما قدرت=مناقباً لأبي السبطين تُحصيها
وكيف تسطيعُ والمختار قال به=مقالةً لعقول الخلق تُعييها
أنْ ليس يعرفُ كُنْهَ المرتضى بشرٌ=إلا أنا وإلهُ الكون باريها
لذاك أمّتهُ أقوامٌ لتعبدَهُ=دون الإله فأمضى سيفَهُ فيها
وغيرهم بالغوا في بغضِهِ وبغو=فكُبْكِبوا وعذابُ الله يُخزيها
ويمكرون وإنّ الله لو علمو=أشدُّ مكراً ويومُ الحشر آتيها
يومٌ به تَقْدِمُ السبعونَ طائفةً=ونيّفٌ لرسول الله داعيها
ماذا تقولُ إذا ما صار يسأله=عن الأمانةِ هل كانت توفّيها؟
أم أنها ضُيّعت من بعد غيبتِهِ=وأنها جاهدتْ أنْ لا تؤدّيها؟
وتاركاً فيهم الثِّقْلينِ هل حفظو=آيَ الكتاب وآلَ البيت ثانيها؟
أم أنّهم غادروها خلف أظهرِهِمْ=ويمّموا من دروب الغيِّ داجيها؟
ولو أتت فِرَقُ الاسلامِ أجمعُه=يومَ المَعادِ إلى الرّحمن مُبديها
ستدخل النارَ إلا فرقةً سلكت=درب الرسول فذاك الدربُ مُنجيها
كلٌّ ينادي بأنّ الحقَّ منهجُهُ=وأنّه لفروضِ الشّرع يُحييها
وليس في الدين أن نقفوا خطى أحد ال=أسلافِ أو نجتبي مما يشهّيها
ولو نُحَكِّمُ في هذا ضمائرَن=إنَ الضمائرَ لا تُغوي مُناجيها
فهل كآلِ رسولِ في سَقَرٍ=ومن سواهم بجنّاتٍ يُجازيها؟
وآلُ أحمدَ هل من بعده انقلبو=إلى الضلالةِ أم ضلّت أعاديها؟
وهل لموقدِ نارٍ في ديارِهِمُ=يومَ القيامة منه العذرُ يُرضيها؟
وهل لقاتلهمْ حظٌّ كما لهمُ=من الثواب؟ وتلك العقلُ يَنفيها
وهل لهندٍ كما للطهر فاطمةٍ=جنّاتُ عدنٍ بها من كان يؤذيها؟
وهل عليٌّ ومن عاداهُ يومئذٍ=على السواءِ؟ وهاديها كطاغيها؟
وهل سوى حيدرٍ ينجو وشيعتُهُ؟=أم أنّ بالحشر قد ينجو مُعاديها؟
بُعْداً وسُحْقاً لأعمى في بصيرتِهِ=إذ لم يَرَ الشمسَ في أبهى مَجاليها
وما يرى أيّها تنجو غداةَ غدٍ=وما يَميزُ عليّاً من معاويها
وما يُميّزُ بين الدينِ في رجلٍ=وبين وَغْدٍ لكأسِ الخمرِ حاسيها
وبين من همُّهُ يُحيي عقيدتَهُ=وبين من همُّهُ بالجور يُرديها
وبين من كان جبرائيلُ مادحَهُ=بمِدْحَةٍ لرسول الله يُهديها
أنْ لا فتى في الورى إلا أبو حسن=مَنْ سيفُهُ لأصول الدين يُرسيها
وبين من أحمدٌ قد كان يلعنُهُ=بلعنةٍ عن لسان الوحي يُفضيها
إذ ليس ينطق إلا حين يُنطقُهُ=وحيٌ لعلّ من الأدواء يشفيها
فإن علا منبري هذا معاويةٌ=إلا اقتلوهُ وإلا فاركبوا التّيها
بنو أميّةَ في القرآن قد لُعِنو=وذا معاويةٌ إحدى مخازيها
الشاربُ الخمرَ والإسلامُ حرّمَه=والقاتلُ النفسَ والقرآنُ يَحميها
والمستحلُّ حرامَ الله يُعلنُهُ=وللمفاسد بين الناس يُفشيها
ومُبطلاً لحدود الله مُبتدِع=والجاهليةُ جهراً صار يُعليها
مُكذِّباً دعوةَ الهادي كوالدِهِ=مَنْ حارب الدينَ تَسْفيها وتَشْويها
شعارُهُ: هاشمٌ بالملك قد لَعِبت=وما النبوّةُ إلا من دعاويها
إنّ الذي عاش في أحضانِ نابغةٍ=هيهاتَ للنفس من عُهْرٍ يُنقّيها
وكيف يطهرُ غِرْسٌ كان غارسَهُ=على السّفاحِ أبو سفيانَ زانيها؟
وهل يُطَهَّرُ من أدرانِهِ نَجَسٌ؟=وهل لوصمةِ عارٍ ما يُزكّيها؟
واهاً لحيدرَ ما أمضى عزيمتَهُ=وصبرَهُ عند أهوالٍ يُعانيها
لم يرضَ بالقومِ إذ أقصوهُ ناحيةً=عن الخلافةِ تَبكيهِ ويَبكيها
حتى قسا الدهرُ أنْ أضحى معاويةٌ=بين النظائرِ ما أنكى مآسيها!
وأمةٌ نشرُ دينِ الله هِمّتُه=أمست على سادرِ الآمال تَطويها
يا موتُ زُرْ إنّ دنياً هكذا انقلبت=فيها الموازينُ لا خيرٌ لنا فيها
ورغْمَ ذاك وهذا بات حيدرةٌ=للشّامِ من بلدِ الإسلامِ يُدنيها
وهل ينام أبو سفيانَ لو سَلِمت=من الحروب قريرَ العين هانيها؟
إنّ ابنَ حربٍ إلى حربٍ يُصيّرُه=لعلّ من بدرِ ثاراتٍ يوفّيها
ولم يجد غيرَ عثمانٍ وفتنتِهِ=وليجةً لطَغامِ الشّام تُغريها
وعُصبةٌ أغضبت بالأمس صاحبَه=يومَ الحِصارِ وضربُ الدُّفِ يُلهيها
وعُصبةٌ خذلت بالأمس صاحبَه=يومَ الحِصارِ وضربُ الدُّفِ يُلهيها
أضحت تُعِدُّ لِنَيْلِ الثأر عُدَّتَه=كأنّ عثمانَ أخذُ الثأر يوصيها
فجنَّدت من بَنيها كلَّ سائِمَةٍ=كتائباً ساقها للموت حاديها
يقتادها نجلُ مَنْ في بَغْيِها حملت=مِنْ خمسةٍ أكبُشاً والعاصُ ساديها
عمرو الذي إنْ خلا فحلٌ بمُخْدَعِهِ=يُغضي فما شأنُهُ؟ والأمرُ يَعنيها
معاشرٌ أصبح الديّوثُ قائدَه=ليس البراهينُ والأنباءُ تُغنيها
هذا ابنُ آكلة الأكباد أودعَه=حُمْقاً عن الحقِّ والآياتِ يُعميها
وإذ رأى حيدرُ الأجلافَ عازِمةً=على المُضيّ تُلبّي غدرَ مُغويها
شعارُها عن أبي سفيانَ تحملُهُ=شريعةً أمعنت بالدين تَشْويها
نادى الجّهادَ عبادَ اللهِ فاتخذو=إلى الجنانِ سبيلاً ليس يُخطيها
فأقبل الزّحْفُ مَيموناً تظلّلُهُ=راياتُ بدرٍ وقد خَفّتْ لداعيها
طلائعٌ مِنْ بني المختارِ تَقْدِمُه=وخيرةُ الصّحب إجلالاً تُقفّيها
لبّوا نداءَ أمينِ الله يحملُهُمْ=لنُصرةِ الحقّ إنّ الحقّ يُزهيها
فأرضُ صفّينَ عن بدرٍ وعن أُحُدٍ=ليست بمَنأى وإن مُدّت صحاريها
فتلكما واجبُ التنزيل أوقده=وهذه واجبُ التأويل يَقضيها
وقام حيدرُ فيهم خاطباً فعسى=مَقالُهُ لا مَقالُ السيفِ يُجديها
فما وعتْهُ وقد أعيوا ذريعَتَهُ=كأنّهُ لم يكن بالنُّصْحِ يوليها
ظناً بأنّ عليّاً صار يَرهبه=والعمرُ إنْ طال بالأبطالِ يوهيها
وفاتها أنّ سيفَ الله يَشْحَذُهُ=بَرْيُ الرّقابِ إذا ما انصاع يَبريها
وكان من خُلُقِ الهادي وشيمتِهِ=لا يبدأ الحربَ بل بالنصر يُنهيها
كذاك شأنُ أميرِ المؤمنينَ ومن=سواهُ للسنّةِ السّمحاءِ يُحييها؟