ألف بيت في وليد البيت (4)
ديوان ألف بيت في وليد البيت (ع) - عادل الكاظمي
هل كان وحْياً؟ أم أنَّ الأمرَ أمنيةٌ=عند الرسولِ لمن يهوى يُمَنّيها
ولم يكنْ عنده إلا أبو حسنٍ=ولمْ يجدْ غيره نفساً يؤاخيها
وذي قريشٌ بهذا الدينَ قد سُلبتْ=عِزّاً على أبَدِ الآبادِ جافيها
هلا تَقِرُّ لهذا الأمرِ عن رَشَدً=ولا تحنُّ إلى أمجاد ماضيها؟
أم أنّها آمنت حقاً بأنَّ له=حقّاً أُضيعَ بكفٍّ شيمَ ماضيها
فاستسلمتْ خيفةً من بأسِ صولتهِ=ربَّ القضاءُ لما ترجوهُ يعطيها
إنْ غيلَ أحمدُ أو حانت منيَّتُهُ=تُبدي اللياليَ ما الأقدارُ تخفيها
ربَّ انقلابٍ على الأعقابِ يمنحُه=تاجاً على الهام يستقضي معاليها
فَدَعْ أبا حفصَ مشغولاً بما مُنيتْ=به قريشٌ وقد ذُلَّتْ نواصيها
وسِرْ معَ النّاسِ إذ عاشتْ أبا حسنٍ=سيفاً إذا أبَتِ التوحيدَ يفنيها
في كلِّ بيتٍ له ناعٍ ونائحةٌ=تستمطرُ القلبَ إن غاضت مآقيها
تدعو الذحولَ ولا حيٌّ بمسعفِه=وكيف يُرجى وما فيه كما فيها؟
كلٌّ من الحقِّ مَوْتورٌ وقد رغبت=عن الهدايةِ في غيٍّ يغشّيها
مشى بها الجهلُ حتى لم تجدْ أبد=شيئاً يميّزها عنه ويُقصيها
لو صُوِّرَ الجهلُ في يومٍ لنا بشر=لكانَ أقبحُ ما يأْباهُ يُزهيها
سارت على دربِ فرعونٍ فأغرقَه=طوفانُ موسى فما شيءٌ ينجّيها
وسوَّغت مَكْرَ هامانٍ فما نفعت=عصاً لموسى وقد دانت لعاصيها
ماذا رأت من عليٍّ غيرَ فَتْكَتِهِ=عند القِراعِ إذا شامت مواضيها؟
قاد الثّمانينَ حمّالاً لرايَتِه=يطوي الكتائبَ لا يخشى غَواشيها
حتى يعود ولم يأبَهْ لجارحَةٍ=شكوى الجّراحِ ولم يحفلْ بجاريها
يعود بالنصر جذلاناً لفاطمةٍ=في دارِ طهرٍ على الإسلامِ بانيها
(وقَوْلةٌ لعليٍّ قالها عُمَرٌ)=لسنّةِ الظلمِ بين الناس تُفشيها
(حرقتُ دارَكَ لا أُبقي عليكَ به=إنْ لم تبايعْ وبنتُ المصطفى فيها)
إنْ كان شورى فما تُجدي أبا حسنٍ=هوجُ الرياحِ وقد ألقتْ مَراسيها؟
أم أنَّ في البيت من تُخشى مَحَجّتُهُ=إنْ جدَّ بالركبِ نحو التِيهِ حاديها
هل كان هارونُ عن موسى بمنعَزَلٍ؟=أمْ أنَّ ألواحَهُ هُدَّتْ مَبانيها؟
أو أنّها الدينُ إلا أنَّ ناصرَهُ=ضلَّ الطريقَ وللشورى يُجافيها؟
أو أنّها بدعةٌ للدين حالقَةٌ؟=أو أنّها فلتةٌ أخفت دواعيها؟
حتى إذا حان للشورى مَنتيُّه=وقُلِّدَ الحُكْمَ بالتعيين ثانيها
أمستْ ضلالاً وُقيتمْ شرَّ غُصّته=فقاتلوا كلَّ من يبغي تثنّيها
أُخادعُ العقلَ بالشورى فيُعجزني=ردُّ الجوابِ على أمرٍ يُنافيها
هلا أبو بكرِ بالشورى تقلَّدَها؟=أم كان بالشرِّ؟ فاحكم أنت قاضيها
___________
في البيت 329: إشارة إلى القول الشهير لعمر: (كانت بيعة أبي بكر فلتة بغتةً وقى الله المسلمين شرها فمن عاد الى مثلها فاقتلوه).
وأي بيعة جرَّت على المسلمين الوبال والنكال غير تلك البيعة التي مهدت للأمويين الذين فعلوا الأفاعيل كان أبرزها قتل الحسين ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه يوم كربلاء.
وخلفه عمرٌ يدعو لبيعتِهِ=ودونه القتلُ من أضحى يُجافيها
هل كان يعلمُ ما الشورى؟ وقد أُخذت=بالسيف بيعتُهُ من كفِّ معطيها
وأمرهم بينهمْ شورى وما علمت=أنَّ التوعُّدَ بالإحراقِ يَنفيها
وأين كان مشيروها؟ وما شهدت=تحت السقيفةِ. من ذا كان يُدريها؟
ثلاثة أُخبروا. من كان مُخبرَهُمْ؟=بأنَّ إمْرَتَها الأنصارُ تبَغيها
وما بغتها ولكنّ القضاءَ مضى=بالانقلابِ على الأعقابِ يُرديها
تلاقفاها وتمَّ الأمرُ بينهم=والرافضونَ وعيدُ النارِ يُغضيها
(وقولةٌ لعليٍّ قالها عمرٌ)=ما نحن فيه بقايا من مآسيها
(حرقتُ دارك لا أبقي عليك به=إن لمْ تبايعْ وبنتُ المصطفى فيها)
يوماً أتى دارَ وحي اللهِ منتفض=بالنارِ يوعدها حرقاً يُمحّيها
قالوا له: فاطمٌ في الدار قال: وإنْ=بغلظةٍ أعجزتْ حتى مُداريها
فقولةٌ أفصحتْ عن دينِ صاحبه=هل كان بالحقِّ أم بالظلمِ مُلقيها؟
وقل لمن عدَّ هذا القولَ مكرمَةً=للمكرماتِ بسهمِ الإفْكِ ترميها
سائل أبا حفصَ هل كانت مقولتُهُ=وِفَْق الشريعةِ؟ أم حكماً تنافيها
هل في الكتابِ وذا القرآنُ شاهدةٌ=آياتُهُ أنّها للكفر تُنميها؟
أم سُنّةُ المصطفى جاءت بها ولهُ=علمٌ بأسرارِها فانصاعَ يُحييها؟
إن الذي يهتك الزهراءَ حرمتَه=ما كان يوماً لآي الذكر تاليها
أ ليس قولُ رسول الله: فاطمةٌ=بقيَّتي فيكمُ بالفضل يَصفيها؟
وفاطمٌ بضعةٌ مني فيؤلمني=ما كان يؤلمها يا بئسَ مؤذيها
يا لهفَ فاطم خلف البابِ إذ وقفت=تدعو أباها عسى يأتي فيحميها
لم يَبْلُ جسمُك والأحكامُ قد بُليت=والسّامريُّ بحكمِ الجّورِ ماحيها
(قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثَةٌ=لو كنتَ شاهدَها) هانت دواهيها
سَقْطُ الجنينِ وكسرُ الضلع أعظمها؟=أم غصبُ حقّي وأهوالٌ الاقيها؟
يا بابَ فاطمَ ما لاقيتَ من مِحَنٍ=تُشجي الكرامَ وما زالت تقاسيها
وشرُّ رُزْأَيِن خطبٌ لا نظير له=بين الخطوبِ ومن ذا بات يحصيها!
غداةَ ألقى أبو بكرٍ الى عمرٍ=خلافةَ الله تعييناً فيجريها
هل كان أجدى من الشورى أم اتّخذ=شريعةَ اللهِ تعديلاً وتوجيها؟
ماذا رأى تَيْمُ في أنْ يصطفي عمر=أين المشيرون قاصيها ودانيها؟
هل ظنّها نِحْلَةً أم إرثةً خلصت=أو خيّروهُ فمن يرضاه يعطيها؟
أو كان أرفقَ من طه بأمتِهِ=إذ لم يخلفْ عليها من يراعيها!!!؟
أو ظنّها فلتةً أخرى دهت عمراً؟=حاشا لفاروقِها المعصومِ تنزيها!!!
تقلّد الأمرَ بالتعيين مبتدر=لشرعةِ الله بالأحكام يُغنيها!!!
أغاضه ُالنقصُ فيها فانبرى عَلَم=يُلقي الفتاوى كما يهوى لباغيها
مقابلَ النصِّ إن جاءت فعاذرُهُ=الجهلُ بالنّصِّ أمّا عِلْمُ مُفتيها
إنْ يجهلِ الأَبّ معنىً فهو مُدركُهُ=بدِرَّةٍ صاولت عن فهمِ راعيها
(أغنت عن الصارمِ المصقول دِرَّتُهُ=فكم أخافت) كريمَ النفسِ زاكيها
(أخافَ حتى الذراري في ملاعبِه=وراعَ حتى الغواني في مغانيها)
كانت له آيةً للظلمِ محكمةً=أضحى عميرٌ(2) على الآياتِ يُعليها
____________
2 في البيت 367: عمير: هو الاسم الحقيقي لعمر وسمي فيما بعد بعمر. [العقد الفريد 2/113 تحقيق أحمد أمين ط بيروت].
وقولهم (كعصا موسى لصاحبها)(3)=يُبكي ويُضحك تمثيلاً وتشبيها
___________
3 في البيت 368: ما تجده يقع بين قوسين هو من القصيدة العمرية لحافظ ابراهيم.
وقوله إن دِرَّة عمر كعصا موسى هو أمرٌ يُبكي ويُضحك ألا ترى شاعر النيل يصف العود الذي يضرب بها المغني الاسرائيلي المتهتك جاك رومانو بأنها كعصا موسى أيضاً؟ يقول حافظ وهو يخاطب هذا المغني:
إنّ الألى قد عاصروكَ وفاتهم...لم يسمعوكَ كأنهم لم يُخلقوا
قد جاء موسى بالعصا وأتيتَنا...بالعودِ يشدو في يديكَ وينطقُ
راجع الديوان.
وكأن الشاعر في هذا التشبيه يستهزئ بعصا موسى التي هي آية من آيات الكبرى لأنه تارة يجعلها دِرّةً لابن الخطاب يضرب بها من يشاء وتارة عوداً لمغني إسرائلي فاسق فحسبي الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أجاءت الدِّرَّةُ الرعناءُ مُعْجزةً=أنْ لم تدعْ هامةً إلا وتُدميها؟
ولم تدعْ حُرْمَةً للناس يَرهبُه=خوفَ المهانةِ نائيها ودانيها
وشبَّهوها وقالوا في قرارتِهم=كِذْبٌ فثمَّةَ أشباهٌ تُحاكيها
شبيهُها صارمُ الحجّاج لو صدقو=فذلك السيفُ في بطشٍ يُدانيها
____________
في البيت 372: تشبيهي درة عمر بصارم الحجاج لم يكن عن جهل كما فعل حافظ ابراهيم في تشبيهاته وإنما هو عين ما ذكره المؤرخون من أن درة عمر كانت أهيب من سيف الحجاج أو كسيف الحجاج.
راجع على سبيل المثال: محاضرة السكتواري ص 962 وكذلك شرح النهج لابن ابي الحديد 1/60 أيضاً.
كلاهما بخِناقِ الناسِ قد أخذ=وأرعبا من فِجاج الأرض نائيها
دع دِرَّةَ الشيخِ واستخبرْ دِرايَتَهُ=بسنّةِ الله هل أوعى مبانيها؟
أم كان يشغلُهُ دهراً تكسُّبُهُ=والكدُّ للعيشِ عن أجلى مباديها
وما بذلك من بأسٍ فدِرَّتُهُ=تُغني اللسانَ إذا أعيى فيُمضيها
وقد يُغاث بشيخٍ أو بإمرأةٍ=وبالمحامدِ يَجزيه ويجزيها
إنَّ العجائزَ قد فاقته مرتبةً=بالفقهِ والعلمِ حتى بات يُطريها
كلُّ الأنام لهم بالفقة منزلةٌ=إلا الخليفةَ حاشا أن يُجاريها
حتى الذين بشربِ الخمر قد شُغِلو=عن التفقُّهِ قد زادوهُ تنبيها
(وفتيةٌ ولِعوا بالرّاح فاتخذو=لهم مكاناً وجدّوا في تعاطيها)
____________
من البيت 381 وحتى 391 هي مقتبسة من قصيدة شاعر النيل وقد شهد شاهدٌ من أهلها.
(ظهرتَ حائطهم لما علمتَ بهم=والليلُ مُعتكر الأرجاءِ ساجيها)
(حتى تبيّنتهم والخمرُ قد أخذت=تعلو ذؤابةَ ساقيها وحاسيها)
(سفَّهْتَ آراءَهم فيها فما لبثو=أنْ أوسعوك على ما جئتَ تسفيها)
(ورمتَ تفقيهَهُمْ في دينهم فإذ=بالشّربِ قد برعوا الفاروقَ تقفيها)
(قالوا: مكانَكَ قد جئنا بواحدةٍ=وجئتَنا بثلاثٍ لا تُباليها؟)
(فأتِ البيوتَ من الأبوابِ يا عمرُ=فقد يُزّنُّ من الحيطان آتيها)
(واستأذنِ الناسَ أنْ تغشى بيوتَهُمُ=ولا تلمّ بدارٍ أو تحيّيها)
(ولا تجسّسْ فهذي الآيُ قد نزلت=بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها!!!)
(فعدتَ عنهم وقد أكبرتَ حجّتَهم=لما رأيتَ كتابَ الله يُمليها)
(وما أنفتَ وإنْ كانوا على حرجٍ=من أنْ يَحُجّكَ بالآياتِ عاصيها)
وكيف يأنفُ من لا علم ينجدُهُ=ولا بصيرة كي يُدلي بماضيها؟
أيّ الدلائلِ أجلى حين أطلبها؟=من بعد ما شَهِدت عدلاً قوافيها
إنَّ الذي قد تخلّى عن فريضتِهِ=لفقدهِ الماء يوماً لن يُصلّيها
وفي التيمّمِ آياتٌ تجاهلَه=إنّ الخليفةَ آيُ الذكرِ ناسيها
كآيةِ الحملِ إذ جاءوا بإمرأةٍ=لستةٍ أولدتْ فانصاع يُفتيها
وهمَّ بالرّجمِ لولا قولُ عالِمِهِمْ=ذي آيةُ الحملِ من جُرْمٍ تبرّيها
____________
البيت 397: قول عالمهم: علي بن أبي طالب عليه السلام.