يا شيعة الحسين
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
يا شيعة الحسين من دون=رأسٍ شيعوا الحسين
دمائهُ جمدها النسيم=والسهمُ في أحشائِهِ مُقيم
لم أرهُ طيفُ الهوى رآه=والراشقُ الأحدبُ في الجنان
قطعةُ جُرحٍ ثائِرَ الدِماء=لم يتركَ السيفُ بهِ مكان
فيهِ دمٌ يخيف جبرائيل=يخشى بأن ينقطع الأمان
أو يصدر الأمر من القضاء=برجعة الطوفان والدخان
يا أيها المذبوح ضامياً=ألم تكن سقاية الزمان
لم يستحي من خصركَ الوقور=فينتهي عن طعنهِ السنان
أفديكَ مصروعاً على الثرى=نفسي وما زهقي لها بشان
يا شيعة الحسين=فلا مقامَ بعد الراحلين
مكفنين ناسجَ الرياح=مظللين حاطم الرماح
تأملوا التراب والنجيع=مختلطا بمنحر الرضيع
غضّ النوار يابس الشفاه=موسدٌ كف الهدى القطيع
عليه شيء من دم الحسين=هذا لعمري منظر فضيع
واغدوا معي بنقلة الخيال=نقف على مجدل صريع
نناده يا سيد الجمال=أين جمال المصطفى الشفيع
أتغمرُ الدماء ثغرةً=من بسمها ينطلق الربيع
أيجتزي الحسام من يدٍ كانت=إلى معنى الندى تشيع
يا شيعة الحسين=عزوا به محمد الأمين
والمرتضى والذكر واليقين=وكل حرٍ بالعلا يدين
الشمسُ قد مالت عن المسار=والأفقُ محمرَّ الضياء صار
جنائزٌ مجزورة النحور=وفي مخيم الحسين نار
و زينبٌ تجري لخيمةٍ=فيها يقيم الدين والوقار
إذا به يرتل الأنين=فيخشع الأفلاك بالمدار
صاحت به يا عمدة التقى=شبوا علينا النار بالستار
أجابها يا مجمع الأسى=لوذي مع النسوة بالفرار
فانطلقت تسحب ذيلها=من هولها تعثر بالصغار
كأنما يعدو الثرى بها=لتلةٍ رسى بها القرار
صاحت بهِ حبيبي يا حسين=على نساك قد عدى الشرار
إن كنت حيا يا أخي حسين=أنهض وأدركنا من المغار
بلا كفيلٍ مذ هوى الكفيل=يمينهُ لهفي على اليسار
فقام يبغي نجدها ثلاث=لكنه يرتد بانهيار
وكلما هوى على الثرى=تشتد فيه غرزة النثار
مناديا لكِ و للإله=يا زينبٌ عظيم الاعتذار
ردي ولمي نثرة العيال=وسلمي لله باصطبار
يا شيعة الحسين=إمامكم بعرضهِ ضنين
زحفا يريد نجدة الخيام=برغم ما فيه من السهام
في صومعات العرش بالأسى=اختلطت مدامع الخشوع
وأنفتلت ملائك السجود=وانتصبت أخرى من الركوع
وكلُ شيْ ما عدا القلوب=القاسيات يذرف الدموع
والشمسُ لا تعلم فرضها=أهو طلوعٌ أم هو الرجوع
وفي السماء عانق الخليل=محمدا فأنفجع اليسوع
ويوشعٌ محتضن الوصي=ومنهما زفرُ الجوى يلوع
وفاطمٌ تأمُ الزاكيات صلت=بهنّ نفلة الجزوع
هذا حسينٌ رأسه على=رأس القنا بنوره اللموع
مشتعلا بزاهر العلا=كأنه محامل الشموع
يرتل الكتاب مثلما=يرتل الوحي له السجوع
وصدرهُ مبرد الضما=بوطأة الجرد على الضلوع
في عصبةٍ من عشقها=الفداء عند الطعان تخلع الدروع
ماتوا وهم اعلى الورى يدا=وحقهم أعلى الورى سطوع
ظلوا ثلاثا أخجلوا الثرى=ريح الجنان منهمُ تضوع
يا شيعة الحسين=كانوا من الغلة ذابلين
وذا على نهر الضما صريع=وذا على جثته الرضيع
لك الجياد صهلة الجواد=تفجر عين الدمع بالجماد
كصيحةٍ في العرش بانتحاب=ذو نغمة الوحي إذا أعاد
يحوم حول فارس الوجود=يدني على يمينه المقاد
يريد ان يرفع خدهُ عن=ما تلظى من ثرى الوساد
يريد نزع أسهما بهِ=لا سيما مثلث الفؤاد
مظللاً بفيئه عليه=عسى عليه يبرد الوهاد
يجثو لديه فوق ركبتيه=ليمسح الدماء والمداد
وكلما رآه يستغيث شب=كمن يدعوا على العِباد
ويشتكي لله بالصهيل=ظليمةً من أمة الفساد
قد قتلت إبن نبيها=ونكست ألوية الرشاد
يا شيعة الحسين=أمامكم معفرٌ طعين
وحرملٌ بسهمهِ رماه=وناشبٌ في حلقه أذاه
سجل أيا تاريخ بازدراء=وقل أيا لائمُ ما تشاء
في مشهدٍ عز على=المثيل جنازةٌ تنذبها نساء
مع اليتامى تخضب الرؤوس=من نبعة الجراحِ بالدماء
وكلها نسلٌ مطهرٌ=أصولهُ لخير الأنبياء
تضربها العرب بصوتها=معلنةً لشيخها الولاء
ويوم نادت زينب العلا=ألا توارُ خامس الكساء
هذا أخي ريحانة الرسول=وذرة العذراء والسماء
هذا الذي ناغاه جبرائيل=ومنه يؤذي المصطفى البكاء
ملقا عليه تسكب الجراح=من ما تفيض للغسيل ماء
صاح ابنُ سعدٍ شيبة الظلال=بأصلكم لبوا لها النداء
فانطلقت عشرٌ من الخيول=داست على الحسين بالعرى
ورضضت صدرا بهِ ثوى=سرٌ به يستحفظ البقاء
إذا بجسم العلم والهدى=صدرا لظهرٍ بالثرى سواء
يا شيعة الحسين=إمامكم ونور الخافقين
دعامة الأمان والسلام=منهُ الخيول تسحق العظام
ذرُ الرمال فوقهُ سفا=وتحتهُ رضيعهُ غفا
يبدو من الأشواق=ما اكتفى محتضنا إياهُ عاطفا
وإن إلى تقبيلهِ هفا=قبلهُ النحر عن الشفا
جثمانهُ بوجههِ أنكفى=ذبحتهُ تبدو من القفا
علله الهجير ما دفا=ظلله الرميضُ وارثا
وما له من بارد صفا=يبكي عليه الروح آسفا
يا شيعة الحسين=إمامكم منهُ خذ الأنين
على الرميض غسلهُ دماه=يطفي الثرى عليه ما ذراه
هذا الحسينُ عافرٌ قريح=مقطع الأوداج بالصفيح
ملقى بلجة الدما ذبيح=كأنما قد صلب المسيح
تحسبهُ بنورهِ طريح=بدراً من الأنوار في ضريح
وجبرائيل في السما يصيح=هذا الصراط الواضح الصحيح
هذا إبن خير ناطقٌٍ فصيح=مخلدا في الذكر بالمديح
هذا النقي الطاهر المليح=وسيفكم لنحرهِ يُبيح
يا شيعة الحسين=إمامكم لا رأس لا يدين
مكن منهُ الصارم الجهول=وكسرت أضلاعه الخيول
الأرض فيهِ تعدلُ السما=هّلا رعيت فيهِ فاطما
بديمةٍ تبللُ الضما=أو تغسل النحر عن الدما
أو كان عضوٌ به سالما=يبدي لها وسميك الهِمَا
ردت على توبيخها السما=خلفتهِ يا أرض راغما
عارٍ على رميضك أرتمى=يكوي الجراح كلما حمى
يقضهُ صخركِ نائما=أنتِ التي ألمتي فاطما
يا شيعة الحسين=إمامكم بالدم كالسفين
لم يبقى عضوٌ ما بهِ جراح=إذ كان نهب البيض والرماح
إذا طما التيار بالفرات=يرشف الصخور والوجود
لكنهُ بشرعة السقاء=أحمر في لون الدماء يعود
لأنه يضرب جثةً=شديدة النزف من الزنود
عظيمةً كثيرة السِهام=مجروحةٌ بالرأس من عمود
جودٌ لذا صاحبها مراق=كأنه مات على الورود
وكان يحميه بقلبهِ=يبدو كريما راحما ودود
شد اللواء بكفهِ القطيع=كأنه يحاول الصمود
لم يرتوي بغمرةِ الرواء=يبدو إلى أهوائه عنود
في عينهِ سهمٌ وحسرةٌ=كأنهُ لم يبلغ الوعود
تشم في دمائهِ الإباء=وفي يديه عزةٌ الوجود
ومن أبيه حيدرٍ لهُ=شجاعةٌ في صولها رعود
و عجبي مغاث زينبا=وفي الخيام لاهب الوقود
صّد كأن رأسه يقول=أهل المنايا طبعها الصُدود
أُخيا فات اللوم فأنهضي=وجهزي لكربلا اللحود
إلى بدورٍ برجها الثرى=وذابح الشؤم لها السعود
يا شيعة الحسين=ما كان عباسٌ لهُ معين
وإنما النفسُ بجنبتيه=فقد رمى بروحهِ عليه
لكم توالى وارد المنون=والهتك والعذاب والسجون
و أستشهد الرضع ناشقين=سُما من الأحقاد والجنون
والحلمُ في مضاجع الصغار=مفازعٌ تُسهد العيون
رأوا ذئابا أجنبيةً عليهمُ=في الليل يهجمون
تحملُ في اكفها الرؤوس=محصيةٌ في القلب أربعون
بينها رأس شيخنا الضرير=يثير من وقاره الشجون
قد وضعوهُ في زنزانةٍ=القبر عنها ظلمةٌ يهون
ويافعٌ للأم أرجعوا=مقيدا مُجرح المتون
وأمراةٌ تجرُ شبلها=وهم لهُ بالطعن يسحبون
ردوا لها بنهمةِ الوحوش=حتى بلوغ الموت يضربون
أهؤلاء سادتي الكرام=في وطني عدلا يُجنسون
فأين رأي الشعب فيهمُ=ومجلسٌ بهِ المُشرعون
إن كان قانونا فهل=قضى بحقهم فيها مُقننون
أم قصدكم كتيبة القوى=بمنحهم لها تغيرون
فإن يكن هذا مرامكم=أهكذا للعدل تمهدون
فالشعب مصدرٌ للسلطات=إياكمُ عليه تقفزون
فكان أولى أخد رأيهِ=وعندها بالرأي تحكمون
ومنطق الدستور حاكمٌ=وفي اعتراض الشعب تنظرون
فالسنةُ والشيعةُ تقول=لهؤلاءِ نحنُ رافضون
عليكمُ ان توقفوهم=فإنهم في الناس مُنكرون
في النفع والأعمال والهبات=على الأصيل هم مقدمون
فما الذي في خطة البناء=شوارد الأفق سيصنعون
أبناهم في حق ولدنا=للعلم والتدريب يُبعثون
فهم على البلاد عيلةٌ=لثروة الأجيال ينزفون
بطالةٌ وطائفيةٌ=لحلها لِم لا تسارعون
ألا ترون حالة القُرى=بالفقرِ والحُرمان يسكنون
وحقهم منعمٌ بهِ=مذاعر الذين تجلبون
نعم نعم إلى ميثاقكم=إن كنتمُ بهِ ستنصفون
قلنا نعم إلى ميثاقكم=ما دمتم بهِ ستعدلون
يا شيعة الحسين=انتم قلاع الصبر واليقين
تستلهمون موقف الرجال=من كربلا مدرسة النضال
من السما لا يهبط الزعيم=يصعد مسلوخا من الجحيم
ممزق الأشلاء بالسياط=من قيدهِ معصمهِ كليم
وقلبهُ جمرٌ من الشعور=منفجعٌ بالمحنةِ عليم
منخفضُ الجناحِ للطهور=مرتفع الهام على الزليم
بالمؤمنين راحمٌ رؤوف=بالظالمين عابسٌ جهيم
يعرف معنى الصبر=بالأذى لا يعرف اللذة والنعيم
منطلق الوجهِ ببسمةٍ تبرى=من ألطافها السقيم
يحكي إذا أشرق ثغرهُ=الذر في عقودهِ نظيم
يشعُ في الحق بنظرةٍ=كأنها سيفٌ من الضريم
في وجههِ نورٌ من التقى=رغما على جراحهِ وسيم
لهُ من الحق محبةٌ=في كل قلبٍ صادقٍ سليم
يرى بصهيون عدوهُ=وخصمهُ شيطانها الرجيم
مثالهُ بالعصر لا يكن=إلا خميني الهدى العظيم
وباقر الصدر ومن يكن=للسبط في فردوسه نديم
والخامنائيُ فقيهنا=وليس نرضى غيرهُ زعيم
فهذه صنائع الحسين=مناهج الصراط المستقيم
فيا بني شعبي تحذروا=من كلِ مندسٍ لكم لئيم
يريد أن يكسب منصبا=ويحتضيى بمنصبٍ كريم
مدعيا بباطن الأمور=وظهرها من دونكم عليم
وهو حليفٌ للمعذبين=يبدو لهم في الظاهرِ قصيم
يحدث الناس عن التقى=لكنهُ بالشهوةِ بهيم
يدفعكم بوجهةِ الرجوع=عن حقكم بفتنة النميم
فلا تداوو زمرة النفاق=إلا بسحق النعل بالأديم
يا شيعة الحسين=كونوا من الفرقة حاذرين
معتصمين حبل ربكم=محلقين حول رمزكم
نسمو على الأمة فاخرين=مذهبنا ولاء الطاهرين
معتقدين الحق فيهمُ=وانهم ضمير المؤمنين
وبيعة الغدير حقهم=يعقدها رقاب المسلمين
وثاني الثقلين ما بدا=أولهُ قراننا المبين
لهم من التطهير عصمةٌ كانت=بها عقول العارفين
وفلكُ نوحٌ في الحديث=هم وباب حطة للتائبين
وحبهم لحب المصطفى=وحبهُ لرب العالمين
فلزمة الإيمان أصبحت=بحبهم وحبهِ أثنتين
والمصطفى في الخلق سيدٌ=وحاكمٌ قضاء النشأتين
وهم له روحٌ ولحمةٌ فما=هو اعتذار المبغضين
فإن تكن مواليا لهم=إياك ان تعزلهم بشين
ممتثلا لزين العابدين=كونوا لنا دعاةً صالحين
شيعتنا بالناس فلتكن=أعمالكم حسنى لكم وزين
لا تجمعوا الضرين بأسمنا=الضر والاسلام خير دين
وتجرحوا الرؤوس بالسيوف=وتدعوا حزنا على الحسين
فهذه شعائر الإله كونوا=لها بالشرع محرمين
فالقامةُ موضوعةٌ لكم=باطلة من دس المبغضين
وبدعةٌ تفتقد الأصول=ما عُرفت هدي الطيبين
وضرب زينب لرأسها=حكايةٌ من المؤرخين
ولم تكن بمسندٍ صحيح=مرويةً عن المُحدثين
أو عصبةٌ لم ينصروا الحسين=فشققوا الرؤوس نادمين
ما هكذا يستخلص الدليل=او تنهض الحجة باليقين
هذا كلامٌ ظاهرُ الهزال=صاحبهُ زعيم المفلسين
خيانةٌ لنهج كربلا=وقربة العباس واليدين
يجرح في معارك الجدال=حجتنا قبال الحاقدين
وإننا بجهلنا نكون=إلى عدو ديننا مُعين
ان الحسين قائدٌ عظيم بل=أعظم الهداةِ المُصلحين
فلم يرق صدرا دمائهُ بل=كان ذاك ضد الظالمين
فلنغرق الأكفان بالدماء زحفا=على اليهود الغاصبين
كفعلِ حزب الله في الجنوب=هذا هو التطبير للحسين
يا شيعة الحسين كنتم=وما زلتم مُنزهين
عن كل ما يشوبه الظلال=أو كل ما حاد عن إعتدال