يا أيّها النّبأ العظيم
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
يا أيُّها النَّبأُ العَظِيم=أَنتَ الصِرَاطُ المُسْتقِيم
حيدَرُ يا حيدرْ نَبْعٌ يَتَفجَّر=حيدَرُ يا حيدرْ نَبْعٌ يَتَفجَّر
كَأنِّي بِطَيْفٍ مِنْ هَالَةِ الأمْلاَكْ=يُنَاجِي عَلِياً يا سَيِّدِي لَولاكْ
لَفُلَّتْ عُرَى التَّوحِيدِ مَعَ الأفْلاَكْ=وَآلَتْ زُهُورُ الدِينِ إلى أَشْوَاكْ
أَنْتَ النُّورُ السَّابِحُ في عَرْشِ الرَّحمَن=وَ سَفِينَةُ نُوحٍ أَنْتَ عَلَيْهَا الرُّبان
مَنْ غَيرُكَ مَأَوَىً لِسَفِينِ التَّقْوَى=وَشِرَاعُ العَلْيَا بِالمَوْجِ تَلَوَّى
بحْرُ العِلْمِ وَبحْرُ التَّقْوَى يَلْتَقِيان=يَتفَجَّرُ مِنْهُنَّ اللؤْلؤُ وَالمَرْجَان
حَفَّتْكَ قُلُوبٌ بِهَيامِكَ نَشْوَى=بِسِوَاكَ طَوَاهَا ظَمَأٌ لاَ يُرْوَى
عَجِزَتْ عَنْ وَصْفِكَ يا مَوْلاَيَ الأَوْصَافُ=مَازَالَ الشِّعْرُ عَلَى أَوْرَاقِكَ يَسْتَافُ
حَارَ الفِكْرُ بِكَ يا بحْرُ=حَارَ الفِكْرُ بِكَ يا بحْرُ
فَلِوَاؤُكَ خَفَّاقٌ وَمُقَامُكَ أَعْرَافُ=وَوُجُودُكَ أَسْرَارٌ تَطْوِيهَا أَصْدَافُ
خَفِيَ السِّرُّ أَبِهِ سِحْرُ؟=خَفِيَ السِّرُّ أَبِهِ سِحْرُ؟
عَلِيٌّ شُعَاعٌ في مُحْكَمِ التَّنزِيل=وَطَيْفٌ تَبَدَّتْ فِيهِ رُؤَى التَّأوِيل
وَقَلْبٌ حَوَى التَّوْرَاةَ حَوَى الإنجِيل=وَرُوحٌ تجَلَّى فيهَا سَنَا جِبْرِيل
مَا الوَصْفُ وَإنْ شَطَّ مَدِيحاً بمُغَالِي=مَا كُنْتُ أَشُدُّ القَوْسَ بِغَيرِ نِبَالِ
سَلْ عَنْهُ القُرْآن فَلَدَيهِ التِّبيَان=عَنْ قَاعِ التَّأوِيل تُغْنِيكَ الشُّطْآن
مَنْ بَاتَ بمَكَّةَ وَالأسْيافُ عَوَالِي=لَيْلَ الهِجْرَةِ تُسْتَلُّ عُرَى الآجَالِ
لَكِنْ عَنْ حَقٍ يجْلُوهُ البُرهَان=قَد تُعْمَى عُيونٌ وَتُصَمُّ الآذَان
مَنْ آثَرَ بِالقُرْصِ وَطَوَى اللَّيلَ صَبُورَا=لمْ يَرْجُ بِهِ أَجْراً وَجَزَاءً وَشُكُورَا
وَهُو الفَادِي قَلْبَ الهَادِي=وَهُو الفَادِي قَلْبَ الهَادِي
وَالشَّمْسُ لَهُ رُدَّتْ فَأَبَاحَ لهَا النُّورَا=فَكَأَنَّ بِغُرَّتِهِ خَطَّ النُّورُ سُطُورَا
غَمَرَ الوَادِي بِالإِسْعَادِ=غَمَرَ الوَادِي بِالإِسْعَادِ
عَلِيٌّ إذَا اسْوَدَّتْ بِالدُجَى الظَّلْمَاء=تَرَاهُ بِعَينٍ تهَمِي هو البَكَّاء
وَلكِنَّهُ إنْ ثَارَتْ رَحَى الهَيجَاء=ضَحُوكٌ كَأنَّ الحَرْبَ لَهُ حَسنَاء
مَنْ مَرَّغَ بَدْراً في سَاحَاتِ حُنَينِ=وَبِيَومِ الخَنْدَقِ أَعْمَالُ الثَّقَلَينِ
لا غَرْوَ بِسَيفٍ حَيْدَرُ يحَوِيهَا=وَنهَارُ قُرَيشٍ صَارَ لَيَالِيهَا
آسَادُ الحَرْبِ تَهَاوَتْ بِالقَدَمَينِ=وَالغُصْنُ تَدَاعَى كَرُمُوشِ العَينَينِ
هَامَاتُ الأبْطَالْ عِنْدَ مُجَانِيهَا=وَالهَيْجَا زِلزَالْ زَلْزَلَ وَادِيهَا
فَكَأنَّ الحَشْرَ دَنَا وَ دَنَا يَومُ الدِّينِ=وَسَقَيْتَ القَومَ بهِ مَاءً مِنْ غِسْلِينِ
عَظُمَ الخَطْبُ وَهِيَ الحَرْبُ=عَظُمَ الخَطْبُ وَهِيَ الحَرْبُ
مَيْدَانُكَ مَهْدُكَ مِنْ إشْرَاقِ التَّكْوِينِ=هَلْ لِلضِّرْغَامِ إذَا آوَى غَيرُ عَرِينِ؟
سَهُلَ الصَّعْبُ بِكَ لَنْ يَكْبُو=سَهُلَ الصَّعْبُ بِكَ لَنْ يَكْبُو
عَليٌّ لِسَانُ الدَّهْرِ إلِيْكَ فَمُ=وَثَغْرُ الزَّمَانِ بِوَجْهِكَ يَبتَسِمُ
وَأنْتَ كَطَوْدٍ ثَارَتْ بِهِ الحِمَمُ=فَهَاجَتْ رِيَاحٌ وَالبَحْرُ يَلْتَطِمُ
بِوَلائِكَ قَلْبُ المحَزُونِ رَمَاداً ذَاب=فَكَأنَّ هَوَاكَ لِطَرْفِ العَاشِقِ سَلاَّب
في غُصْنِ فُؤَادِي ذَا الحُبُّ تَوَلَّد=فَوَلاؤُكَ طَيرٌ في رُوحِي غَرَّد
جَفْني المَقْرُوحُ ببَلْسَمِكَ الشَّافي طَاب=يا لُغْزَ الكَونِ المَكْنُونِ أَشَبْتَ الشَاب
وَأعَدْتَ ضِيَاءً لِلْجَفْنِ الأرْمَد=تَنْفَخُ مِنْ رُوحٍ هيَ رُوحُ محُمَّد
يا حَبْلاً لِلْمَولَى إنَّ العُرْوَةَ وُثْقَى=مَنْ مَدَّ لهَا كفَّاً حَاشَى بِغَدٍ يَشْقَى
حِينَ يُبشَّر يَومَ المحَشَر=حِينَ يُبشَّر يَومَ المحَشَر
وَوَلاؤُكَ كَنزٌ لي قَد هِمْتُ بهِ عِشْقَا=فَكَأنِّيَ مَغْمُورٌ في أفْضَالِكَ شَوْقَا
حبُّكَ حَيدَر حَوضُ الكَوثَر=حبُّكَ حَيدَر حَوضُ الكَوثَر
مُصَابٌ أرَاقَ العَينَ وَأيُّ مُصَاب=بِسَيفٍ هَوَى كَالبَرقِ وَهَاماً صَاب
فَأرْدَى عَليَّ التَّقْوَى وَ لَيثَ الغَاب=فَسَالَتْ عُيونٌ مِنْ دَمْعَةِ المحْرَاب
ما مَهرٌ في الدُّنيَا بمَدَى الأيَامِ=محُمَّرُّ الأوْدَاجِ كَما مَهرِ قَطَامِ
ألْقَى بحُسَامٍ لِلرَأسِ وَعَمَّم=فَانْشَقَّ ضِياءٌ وَتَعَانقَ بِالدَّم
فبَكَى المِحْرَابُ عَلَيهِ بِقَلْبٍ ظَامِي=وَتمَزَّقَ وَجْهُ الصُّبْحِ بِفَجرٍ دَامِي
وَالفَلَكُ الأعْلَى أهوَى وَتحَطَّم=وَالأُفْقُ تَشَظَّى مِنْ ضَرْبةِ مُلْجَم
أوَلسْتَ بِفَارِسِها وَ اللَّيْثُ الضِّرْغَامُ=عَجَباً لَكِ مِنْ دُنيَا أنْ يُرْدِيكَ حُسَامُ
لَكَ أنْ تَعْجَب ممَا أعْجَب=لَكَ أنْ تَعْجَب ممَا أعْجَب
نَارُ الحَرْبِ إذَا ما اشتدَّ لَظىً وَضُرَامُ=هيَ عِنْدَكَ أطيَافٌ بَلْ بَردٌ وَسَلامُ
يا لَيْثَ الحَرْب هَامُكَ تُضْرَب=يا لَيْثَ الحَرْب هَامُكَ تُضْرَب
أَتَاهُ إلَيهِ مِنْ حَولهِ الحَسَنَان=كنَجْمٍ وَبَدْرٍ في اللَّيلِ يَأتَلِقَان
وَمُدَّتْ مِنَ الكَرَّارِ الطَّرِيحِ يَدَان=وَهَاجَتْ رِيَاحُ الحُزْنِ بِغَيرِ لِسَان
ضَمَّ الحَسنَ الزَّاكِي وَالوَهْنُ تَغَشَّاه=وَبِما أوصَى بِرَنِينِ الآهَةِ أوْصَاه
أبُنيَّ تمَسَّكْ مِني بِوَصِية=خُذْ بِيدِ التَّقْوَى بِيَدٍ قُدْسِيَّة
وَارْعَ الجَارَ فمَا منَّا مَنْ لمْ يَرعَاه=وَ شَفاعتُنا ما مَسَّتْ لاهٍ بِصَلاة
خُذْ مِني عَهْداً في كُلِّ سَجيَّه=بِالصَّبرِ تَلقَّى رُزءاً وَ بَلِيَّة
فَاصْطَفَقتْ أبْوَابٌ وَانهَدَّتْ جُدرَانُ=للدِّينِ هَوى رُكنٌ فَاهتَزَّ البُنَْيانُ
وَجَثى الحُزْنُ وَ هوَ يَرُنُّ=وَجَثى الحُزْنُ وَ هوَ يَرُنُّ
مُذْ صَاحَ بمِحْرَابٍ تَكْسُوهُ الأشْجَانُ=فُزْتُ وَرَبِّ البَيتِ رَوحٌ بلْ رَيحَانُ
وَسَرَى اللَّحْنُ وَ هوَ يَئِنُّ=وَسَرَى اللَّحْنُ وَ هوَ يَئِنُّ