هذه الليلة
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
هذه الليلةُ لا دمعٌ و لا آنةُ آه=شَمسُكم ما خُسِفت و القَمرُ لم تُبرى يداه
زَينبٌ لا تعجلي بِدموعِ المُقلَّي=فغداً عُزكمُ يُلقى ذَبيحاً من قفاه
هذه الليلةُ يا زَينبُ لا تَدمعُ عَين=لَمْ تَكُن تُشرقُ في الخيماتِ أنوارُ الحُسين
هذه الليلةُ للأدمُعِ لا=ما هَوى السبطُ و ما حَلَ البلاء
زَينبٌ ما هذا وقتُ الدَمعُ ما آنَ العَويل=وَقتهُ عِندَ الضُحى و السِبطُ بالبوغا جَديل
و تَخُرينَ عليهِ و تُنادينَ حُسين=و سياطُ القَومِ بينَ المَنكَبين
عِندها واري فتىٍ و العزُ في دَمعِ العُيون=و الطمي الهامةَ بنوحٍ و أندُبي العِزَ المَصون
لكِنَ الليلةَ لا=لم يزل في كربلاء
بَطَلٌ لو طَوقَ الأُفقَ مِنَ البأسِ حَذاه=بَطَلٌ لو طَوقَ الأُفقَ مِنَ البأسِ حَذاه
هذهِ اللَيلةُ رغمَ العَرصةِ خَيرُ مساء=لم يزل ساقي العُطاشى ساجداً يتلو الدُعاء
لَمْ تَزل نَظرَتهُ في وجنتيه=لَمْ تَزل قُربَتهُ بين يديه
لَمْ يَزل بَيرقهُ مُرتَكِزاً بين الخيام=و الصِغارُ الظامئونَ فَوقَ كَفيهِ نيام
فعلما الدمعُ يا زَينبُ و السورُ الحَصين=حَولكِ ما زَالَ السيفُ مَهيبٍ في اليدين
فَجري الدَمعَ إذا النَهرُ تحنى بِدماه=دونَ كَفٍ و على صَدرهِ ممزوقُ اللواء
فاندُبي و كافلاه=و اصرُخي و ضيعتاه
و أعيني السِبطَ في صيحتهِ و وحدَتاه=و أعيني السِبطَ في صيحتهِ و وحدَتاه
هذه اللَيلةُ لا أسلَمها اللهُ صباح=و وقى اللهُ ظَلامَ الليلِ شَرَ الإنصِباح
و الضُحى ما أسرعَ اللهُ الضُحى=أنهُ وَقتُ رَحيلَ السُمَحى
و بهِ السيفُ يوافي عَدهُ بينَ النُحور=يَذبحُ الشَمسَ و يبري ساعِدي بدرَ البُدور
عِندها يا زَينبُ قومي و صلَّي بالطفوف=قدري للشَمسِ كُسوفاً و إلى البدرِ الخُسوف
و أنهري السُحبَ و قولي أدمُعي السُحبُ الثِقال=و أشبُكي العَشرَ و جولَّي بميادينِ القِتال
و قفي عِندَ الحُسين=و ارفعيهِ باليدين
و اهتُفي ربي تَقبل قُربةٍ فَيضَ دِماه=و اهتُفي ربي تَقبل قُربةٍ فَيضَ دِماه
هذهِ اللَيلةَ غَرِ يا ثُكالى الضائعين=و اهجعي ما دامتَ الأطفالُ تتلو بالحُسين
فغداً ليلُكِ صَعبٌ و طويل=و غداً يا زَينبُ أنتِ الكَفيل
اغنمي الغفوةَ فصبحُ رَهيبٌ ببلاه=ما آتى طِفلٍ ينادونَ الظمأ يا عمتاه
أرحمي أدمُعكِ الليلةَ و القَلبَ الرحيم=فغداً يُستنزفُ الجِسمُ على النحرِ الكريم
حينما تلقينَ شِمراً واضعاً للقدمين=حيثُ حَط المصطفى المُختارُ أزكى شَفتين
و تُنادينَ أخي=سَيدي و أبنَ أبي
هكذا تُذبحُ عُطشاناً فيا حِلمَ الإله=هكذا تُذبحُ عُطشاناً فيا حِلمَ الإله
هذهِ اللَيلةُ مَجرى الدَمعِ يا ليلى حرام=كَيفَ تُتركُ إمراةٌ يحرسُها البدرُ التَمام
أوَ تبكينَ و شَبهُ المُصطفى=لم يزل نورهُ زاهٍ ما أنطفى
يا أبنتَ المُلكِ فما جَمعُكِ في وقتِ الضُحى=يَومَ تلقينَ جمالَ البَدرِ بالضربِ أندحى
فتُنادينَ أيا حُزناً مِنَ الدهرِ كفى=كَيفَ أصبحتُ لقلبي الأُمِ يا أكبرُ داء
حينها حلل دَمعَ العينِ من حلَ الرِمال=بعدَ أن غادرَ خيالاً آتى بَعضَ وِصال
و تَقومينَ إليه=و تَغرينَ عليه
و تُنادينَ بُنيَ هل بلَّى بالماءِ حشاه=و تُنادينَ بُنيَ هل بلَّى بالماءِ حشاه
هَذهِ اللَيلةُ يا رملة أنيسي الأعيونا=عِندَ ركبِ السادِ و العُودِ و عريسِ الهناء
و أقرئي فوقَ يديهِ آيتين=و على مِفرقهِ المُعْوذَتين
و أعيذيهِ مِنَ الرُمحِ بأسماءِ الجليل=و بياسينَ و هارونَ مِنَ السيفِ الصَقيل
فَغداً طالعوهُ صوتً عزاءٍ و نحيب=و نِداءٌ ماتَ چسامٌ فِداءٍ للغريب
عندها ما كُشفت بالدرعِ من دَمعِ العُيون=و أجرعِ الحسرةَ بالطفِ على الابنِ الحنون
فغداً يومُ البُكاء=و غداً يومُ العَزاء
و غداً أدمُعكِ تَنسابُ في سيلِ دِماه=و غداً أدمُعكِ تَنسابُ في سيلِ دِماه
هذه اللَيلةُ للأنصارِ زَجلٌ و ذوي=و نَشيدٌ كُلهُ حبٌ إلى سبطُ النبي
شاهرينَ البيضَ من خلفِ حبيب=و يطفونَ على خِدرِ الغريب
و يُنادونَ أيا زَينبُ مِنا تُجوفين=كَيفَ ترضنَ بأن نغدرُ مولى العالمين
نَحنُ لو نبقى بذي الدُنيا كبعضِ القانتين=قسماً باللهِ آثرنا الفنى دونَ الحُسين
سَكيني الروعَ و إلا هذه الساعُ نثور=و نُخلي كربلاء هذهِ الليلةَ بالدمِ بحور
فبكت أختُ الغريب=و دعت إيهٍ حبيب
فغداً يومُ تمنيتَ طويلٍ مُلتقاه=فغداً يومُ تمنيتَ طويلٍ مُلتقاه
هذه الليلةُ يا زَينبُ أمنٌ و أمان=أحفظي الدمعَ إلى أن يُناديكِ الحِصان
زَينبٌ قومي و لُمي الضائعين=ها أنا عُدتُ و ما عادَ الحُسين
أنني خَلفتهُ و السهمُ بادٍ من قفاه=نازفاً بالكفِ يرمي للسماء فيضَ دِماه
عَطِشاً يسقيهُ حرَ الشمسِ من كأسِ الهجير=و تُداوي جُرحَهُ الطعنةُ لو ماتَ المُجير
و هو يدعو القومَ و اللهِ و جدي المصطفى=نورُ عيني بالظمأ و النزفِ يا قومُ أنطفى
فيسبونَ أباه=و يرونَ ظمأه
بِرماحٍ تَضرِبُ الجُرحَ عيوناً لِسقاه=بِرماحٍ تَضرِبُ الجُرحَ عيوناً لِسقاه