مباغة الذات
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
و جَعلِ من أمامِ يُعبرُ عَنِ الصُعوباتِ بِصُوْر=و حَظَ مِثلي أبداً لن يبورْ
إني إذا قالَ زَمانِ خُذُوا=أعربةُ إعرابَ جليلٍ وَقورْ
إذا ما ناولني الدَهرُ منه=الداءُ مَمزوجٌ بِصدق ٍ و زورْ
وليَ العِزةِ في حَوضتي=أَعشارُ من جَيشِ العَطاءِ تَثورْ
أنا مِنَ الحَظِ على قَولةً=يَستنقصُ النابِحُ صَيدَ الصُقورْ
هل تسألوني أم لكم فِطنَةٌ=من يَجعلَ الأُنثى معاً و الذُكورْ
و مَاتَ صَوتُ الدَهرِ لو لم أَجد=مَنازلٍ لو لم أجد بصدري تفورْ
و الحُرُ لا يَشكوا بعالي القنا=في مُنتهى العِزِ و يَبقى صَبورْ
لكِنما أعقابهُ تَشْتكي=من طِعنةِ الغدرِ بِكفٍ غَدورْ
إن قيلَ لِكُلِ شيءٍ لهُ آفةٌ=قُلتُ فللأحرارِ دَهرٌ يَجورْ
و كَمْ مِنَ القُراء يتلو الحُروف=فكَمْ بهم يقراءُ بينَ السُطورْ
أفما كُلُ من طَابَ ريحهُ=عِطرٌ و مِسكٌ ضِمنَ العُطورْ
أليسَ ظُلماً أن يُسمى الغُرابُ طيراً=و بالاسمِ تُسمى النُسورْ
من جَعلَ القردُ مع الضبعِ في=حَديقةِ القردِ أليسَ قُصْرُ
و العَجبُ القردْ لهُ موضِعٌ=أوسعُ من مَوضعِ ليثٍ زئورْ
قد رأى القدرَ بهذا و لم=يرعوا بأن الليثُ وَحشٌ جَسورْ
و تُهتُ بِدُنيا أبقي بها=عدلٍ فلم القى سوى الخُصورْ
الفُرشُ و السَقفُ بها واحدٌ=في نسقٍ الوانُها و زهورْ
و سَيدُ القَصرِ لهُ كرشةٌ=في نسق تُرنى و زقي الخمورْ
و الفَخرُ من يُمتهُ أعلى الشكوك=لربةِ الدفِ يُساور فَخورْ
و ما غلا ذو خُدِرٍ سُكنُها=و أهلُ علمٍ و إبى في القبورْ
و ليسَ ودي لو شَبعنا الذئاب=و لكنَ ودي أن تَجُوعَ النمورْ
و إن بالظمأ أُقتلُ وِسطَ الرِواء=مُقترباً و بهِ روا للجِذورْ
عَدوني أموتُ في واقِعي=في كِثرةُ و قِلةٍ من غيورْ
عَثرةُ يَومٍ بالهُداةِ بالطريق=فَرمتُ أرفعهُ فهبَ الجُذورْ
يَهتفُ دَعْ أبني على حالهِ=و دِعْ إن لم تجد كَيفَ العُبورْ
فَقلتُ أرجعَ ما أرى من طَريق=قالَ فهذهِ الموتُ فيها يَنورْ
قُلتُ و حقي في الورى أن أعيش=قالَ كعيشِ البقيَّ بينَ الدُرورْ
دعني أُفرغُ عيني فلا=أسالُ عن ذَبحٍ و هَتكٍ للخُدورْ
فقالَ فِداكَ العَيشُ في صِفوةِ=قُلتُ فلذاتٍ لنا خَيرَ دُوّرْ
فقالَ كم منكم يرى ما ترون=فقلتُ كَثرى بَعُدت عن حَفورْ
فقالَ لِما راياتكم نُكِسة=و أطرفَ البَندُ بزَندِ الكَفورْ
و ماتَ في الظِلِ على عِلمهِ=و جَهدكم بينتكم في الحَرورْ
فوضى تَعيشون أُنُوسَ النُها=و تَزعمونَ دينكم في سُرورْ
تَجزرت أعادكمُ و التقت=في صَفحةِ النَجمِ و أنتم جُدورْ
إن كُنتمُ كَثرى فأينَ السِلاحْ=و تِلكَ صُهيونُ تَدُكُ الثبورْ
ألم تقولُ جَنةً للشهيد=من سُندسٍ خُضرٍ و تَزويجِ حورْ
فأقدموا إن كُنتمُ صادِقين=و عانقوا العَضبَ بِحَدِ النُحورْ
لكِنما الوهنُ بكم عِلةٌ=غالِبكم عن حَدهِ في نُفورْ
كم من دليلٍ دَكَ أعصابكم=و مِنكمُ صَفقَ بينَ الحُضورْ
فما عسى أُمتكم أن تَكون=و فَنُها البغيُ و لوطُ الذكورْ
فإن يكونُ أجداكم رائدينَ العزِ=أنتم رائدونَ الفجورْ
و إن تكن أخبارُ آبائكم=فأنتمُ المَحوَ إلى تلِكَ البُذورْ
فهلَ ترى مَعذِرةٍ للخَبيث=لو جاءَ شَرعياً من صُلبٍ طَهورْ
عِبْ فأنَ نُوحٍ و إبنهُ شاهِدان=ذا سَيدُ الخَيرِ و ذا للشُرورْ
إن بَصبصَ الذَيل لهُ مَقصدٌ=غَيرُ قُصودٍ في ارتفاع الصُدورْ
قد حَفِظَ الآباء أقداسهم=و كُلكم للقُدسِ جُبنٍ هَدورْ
قد أمنَ الآباء حتى الدَواب=لو أقبلت مَذعورةً للستورْ
لو قَتلَ العادي لهُ عَنزةً=تقلدَ السيفَ لعيندٍ يثورْ
و أنتمُ أبناهم تُبصِرون=قد شُرِدتَ أخوانكم بالبُرورْ
تِلكَ فِلسطينُ بأحزانِها=تُشبهُ بيروتَ و صَيدا و سورْ
في تُربةِ الميعاد ذَبحُ الطُغاة=في كُلِ حينٍ لبنيها يَجورْ
جَنوبُ لُبنان بهِ أخوةٌ=و أسفي من ذا على ذا يغورْ
تَشاغلت بالقتلِ في حَينةً=بِها يموتُ الطِفلَ تحتَ الصخورْ
كُلٌ يُنادي بنسيجِ الحياة=و كُلُ من خالفها للقبورْ
مَشدودةٌ للخلفِ أفكاركم=و حَظكم بالعلمِ شيءً نَدورْ
فالصف لم ترضوا بهِ واحِداً=و قد وكلتم حُكم للكُثورْ
تَفرقَ الشعبُ إلى شيعةً=و سُنةٌ هذا لهذا نَكورْ
و جُن فيكم من وُهِبنَ العُقول=و ضاعَ فيكمُ من لهُ بُعدَ غَورْ
يا أُمةً قد فارغة لُبها=و مُكنت أنمُلها مِنَ القُشورْ
كم من إلهاً لكم ساعِدون=و كم من نَبيٍ ثم كم من نُشورْ
أليسَ من وصفهُ لا شريكَ لهُ=رَبكمُ يقضي بكُلِ الأُمورْ
و أحمدُ الهادي إمامٍ لكم=في الضُرِ يا قوم معاً و السُرورْ
فأن تكن الآن لكم مَذهبٍ=فُناتِ أفواراً و أنتم بطورْ
و إن تكن الصَحبُ لكم مَذهبٍ=فلا تقولوا غيركم في ثَبورْ
و لاعتقادي قد تَروهُ سَفيه=لكنهُ عندي رأيٌ طَهورْ
في موتِ الحِقدِ و صَفيَ القُلوب=عِندَ إلهِ الكونِ حَصرُ الأُجورْ
أوقفتُ من سائلني عَبدنا=و قُلتُ من أنت أأنتَ الفُجورْ
فقالَ إيهٍ أنا من قُلتُ عُد=إن كُنتَ لا تَدري كَيفَ العُبورْ
فَقلتُ من أينَ أتاكَ البيانْ=تَعلمُ ما تحتَ الثراء و الطُمورْ
عن أُمةِ تدري كما لو تَكنْ=تُدَبِرُ الأمرَ و تَحمي الثُغورْ
قالَ نعم إني لكم حاكِمٌ=في خِزيةِ و ذُلةِ في الظُهورْ
أُمتكم أشلائُها بُعثِرت=فلا تقولُ مرةً فالنَثورْ
و سُقمُكم بَينتهُ قَبلَ حين=و من بهِ السُئمُ كيانٍ يَثورْ
فحيا كما تأمر حُمرا الخُدود=ومن إذا مالت نُهودَ الشُكورْ
و قارعَ الكفَ بكفِ البُوغا=و ألزم ثنايا حُللت بالذبورْ
فَقلتُ صهلا نُطفةٍ للأريك=تَبلُ رَحماً منك داني الشَكورْ
حتى يُدسُ النَسلُ في صُلبهِ=و تُحرمُ الإنجابَ تلكَ العَقورْ
فقالَ لا هذا و لا ذا يكون=و إن من أُمتكم لي غَفورْ
فَقلتُ هذه غَشةٌ في اللسان=و الثُقلُ مِنها فاقَ صُمَ الصُخورْ
و لو تَخيرتُ بها في النعيم=لاخترتُ قشرة دونها في الخُدورْ
يا ليتَ عدنانَ بهِ عِلةٌ=و ذاكَ قَحطانُ يُسمى العَطورْ
يا ليتهُ من قَبلِ إنجاركم=صاغت بهِ الأيامُ قَبلَ الشهورْ
و لم أرى في أُمةِ رائدٍ=قد أغضبَ الله عُرضِ الكَفورْ
و راحَ يَستعَذبُ طَعمَ المنام=في ذِكرِ عَرضٍ عِندهُ في سَفورْ
و حولهُ الأكَباد غرسا بها=من صكَ مِنقارُ القوى بالنفورْ
مُندَحرَ البطنِ على لِقمةً=مِنها سلاحُ الطِفل وسطَ الحُجورْ
و ثَديُ من تُرضَعهُ جفاف=من رُعبها و الجوع قِيظَ الدَرورْ
ساجٍ على العرشِ فيا ليتهُ=ساجٍ ببلادِ الفتحِ بينَ البحورْ
قد غالطَ الدَهرُ أساريرهُ=و الأمرُ يبني في حشانا جُسورْ
إن نَذكرُ الضلعَ أذى صَوتِهِ=كان لهُ رَكلُ الكُناةِ الجَبورْ
في شَرقها في غربها أُمةِ=تُربى ذَلُولاً و سُرى للقبورْ
قد وَضعَ الغربُ زَعيمٌ لهم=و بينهم علا ثُقوبَ النُغورْ
أنتنُ من بَعرةِ عَنزٍ لهم=و عِندنا المِسك و ريحُ البخورْ
أحقب من هندٍ و أعلامهُ=إمارةُ الناسِ فوقَ القُصورْ
يَنيكها في كلِ حُدسٍ لها=و العجبُ القَواد صارَ الغيورْ
عُذراً فأني لستُ من ضِمنها=و كُل ملموسٍ هو جِزءُ الشعورْ
أبصرتُ دربي لمكيال الهُدى=و عنكمُ طرفي يبقى سَدورْ
لأوتينَ العُربَ دماً بالوليد=أمراةَ قالت عَثرةً للعثورْ
أهكذا ظلتَ بلا عِزةٍ=يَخدمُها الزاني و يُردى الطَهورْ
ما أبعدَ العِزُ عن أُمةً=تَسهرُ تركَ العِزِ حتى الشَرورْ
لا ترتضي أهلٍ لما بينها=إذا يُسعدُ المَذبوح و الكرنبورْ
و سيءُ الطَبعِ على حَزمهِ=بغيرهِ بالحق ِ لا يَشورْ
و أعجبُ الأشياء في أُمةِ=يَضحكها المَكشوف و هي السَفورْ
عابت على الغربِ إنحالاً بهِ=و هي تُحاكي العيبَ ليلاً بُكورْ
ألم ترى القُرآنَ هم أبعدهُ=و انتقدوا من حَرفَ بالزَبورْ
فلم أرى أحمقُ مِنها سِوى=من حَملَ الحُمل و فيهِ يَغورْ
من هذهِ تَفسيرُ ما قُلتهُ=على الصُعوباتِ أمامِ بسورْ
و الحظُ أن الحقَ رَكبَ الضياء=و حَظُ مِثلي أبداً لن يبورْ